حوار مع المؤرّخ التونسي الدّكتور عبد الجليل التّميمي
تاريخ النشر : 2019-05-13
حوار مع المؤرّخ التونسي الدّكتور عبد الجليل التّميمي


حوار مع المؤرّخ التونسي الدّكتور عبد الجليل التّميمي

مدير مركز التميمي للبحث والمعلومات

أجراه الأستاذ صلاح بوزيّان / تونس 

المشهد السيّاسي في تونس، ومطالب تغيير الحكومة والبطء الإداري والتّداين الخارجي ومسألة الحوض المنجمي وأداء رئيس الدّولة ورئيس الحكومة ووزير الثّقافة وهيئة الحقيقة والكرامة ، والنّداء ، كلّها كانت أسئلة الحوار الذي أجريناه مع المؤرّخ الدّكتور عبد الجليل التّميمي ، نرحّب بكم الأخ المؤرّخ التونسي الدكتور عبد الجليل التميمي أصيل مدينة القيروان ، ونبدأ الحوار :

ماهي قراءتكم للمشهد السّياسي الرّاهن ؟

هو مشهد حزين ولا يمنحك التّفاؤل على الإطلاق. ولا يمكن أن يعوّل عليه مستقبلا.لأنّ القائمين عليه لم يموقعوا هذه الثّورة وشعاراتها الرّائدة في خدمة المواطن التّونسي.كلّ الأحزاب السيّاسية مدانة وصادرت الثّورة وتلاعبت بها. وبالأخصّ النهضة والنّداء أجْرَمَا في حقّ هذا البلد العظيم الذي بزغت منه الثّورة وأعتبرها هديّة رّبنا سبحانه.ودافعت عن الثورة في كتابي الأخير{دفاعا عن الثّورة}.نحن نحتاج إلى جيل آخرمن السياسيين المؤمنين بهذه الثّورة.جيل الشّباب الّذي تعوّد على فلسفة وهندسة الإعلاميات.الشّباب فقط الّذين سيدافعون عن الثّورة.وليس هؤلاء التُّعَسَاءُ والجهلة و المتواطئون مع المصلحة الشّخصيّة.

هنالك أصوات تدعو إلى تغيّير الحكومة في ضوء الإخفاقات والبطء وتراكم الملفّات وغياب التّخطيط والارتباك ؟

أعتقد أنّ الأمر لا يرتبط بتغيير وزاري.هذه التّغييرات أصبحت روتينية ولم تثمر نتائج ملموسة.ما يهمّني من سيديرالوزارة.الأشخاص. أنا اقترحت تعيين مصطفى كمال النّابلي رئيسا للحكومة لإنقاذ البلاد.وكان ذلك في رسالة وجّهتها إلى رئيس الجمهورية. فالنّابلي له رؤية عميقة ودقيقة وفاعلة.واكتشفت شخصيات أخرى مثل رجل الاقتصاد حسين الدّيماسي.وهو الّذي يجب تعيينه على رأس الاقتصاد التّونسي.وقد ألقى محاضرة رائعة ومفيدة بالمركز.والسّر في عدم تعيين مثل هذه الشّخصيات أنّها لا تتلاءم مع نرجسيّة السلطة السياسيّة.وتحديدا نرجسيّة سي الباجي قايد السبسي.فسبب بلاء هذه البلاد وتأخّرها هو أنّنا لم نثق في القيادات.الكفاءة مغيّبة. وأقترح عبد العزيز قاسم وزيرا للثّقافة.اكتشفت كفاءة ودراية وحرفية الرّجل في محاضرة ألقاها بالمؤسسة.نحن نعتقد أنّ تعيين وزراء أكفّاء وهجوميين ووطنيين ولهم الجرأة ينفع البلاد وليس الغرض التشبّث بالكراسي .لأنّ الّذين عُييّنوا الآن عبارة عن .. لا أستطيع أن أقول كلمة قويّة لوصفهم.هؤلاء لا قدرة لهم على الاستجابة لرهانات البلاد الخطيرة جدًّا.

ماهو رأيكم في سياسة الحكومة، التّداين والاقتراض الخارجي،غياب التّخطيط المالي والتنموي وعدم محاسبة المتهرّبين ضريبيًّا والمهرّبين، واستفحال الفساد في مفاصل أجهزة الدّولة ؟

أنا نظّمت ملتقى موسّع واستدعيت خبراء للغرض.وطرحت السّؤال التّالي: هل تونس تستطيع أن تأمن شرّ القروض؟ فأدركنا أنّ تونس لو أتيحت  لها عقلانية التّسيير لا تحتاج إلى قروض.بلد غنيٌّ بكفاءاته بطاقاته الفلاحيّة والمنجميّة والبيتروليّة .ولكن ما ينقصه هو الحسّ الوطني للدّفاع على هذا البلد.نحن لا نحتاج إلى قروض والمسئولون لا يقرؤون التّاريخ .اقرؤوا ماذا حصل لتونس في أواخر القرن19 القروض مع مصطفى بن إسماعيل و خزندار كلّها جلبت البلاء للبلاد وللشعب. نحن نستطيع أن نجنّب بلاد كلّ هذه المخاطر لو كان القرار السّياسي يتّم بحسّ وطني الفاعل.كلّ الوزراء جهلة تماما لا يقرؤون ولا يستفيدون. وأنا أقول لك أكثر من هذا: أنا التقيت بكلّ الخبراء الاقتصاديين في تونس.دعوتهم إلى المؤسّسة. وعندي بنك معلومات أو قاعدة بيانات.لكنّ الدّولة لم تطلب منّي أن أمنحها هذه المعلومات .ولا أحد طلب ذلك. وأنا استدعيت كلّ النّاس في مجال الاقتصاد. وهنالك اقتراحات وحلول ومشاريع تنفع البلاد وتخرج بها من الأزمة.ولكن الاعتباط والتّسرع في القرارات وعدم الأخذ بالاعتبار من تجارب الآخرين. المسئولون يحتقرون التّجربة العلمية ولا يستمعون إلى الآراء والنّصائح.وهذا معوّق رئيسي للتنمية.أتذكّرسي محمّد عبّو عندما قدّم محاضرة.تكلّم مدّة 4ساعات.سألته:من أين نبدأ الإصلاح ؟ فلم يردّ.لأنّ كلّ المجالات تحتاج إلى الإصلاح.

ماهو رأيكم في موقف الحكومة من مسألة الحوض المنجمي وبطالة أبناء الجهة ؟

استمعتُ إلى ردّ وزير الطّاقة.وهو يستبله الآخرين.ويستبله الكفاءات. فالحلّ هو توظيف التنمية الشاملة في الجهة. وأنا أوّل من اهتمّ بأحداث الحوض المنجمي.وأقول 600أو700 طالب شغل لا يوظّفون فهذا إجرام يا دولة في حقّ الجهة والشّعب.المسئولون عنجهيون فكلّ من قدّم لهم مشروعا فاعلا تركوه وأهملوه. هذه الثّورة إلى حدّ الآن لم تتوّج بوزراء فاعلين. وأشاطرالصّافي سعيد الرّأي الّذي طلب من الدّولة قطع الطّريق على أصحاب الجنسيات الأجنبية  ومنعهم من تقلّد مناصب وزارية أو غيرها.نريد تونسيين من طينة التونسيين.

أداء رئيس الحكومة ، كيف هو ؟

أنا مع تشبيب هياكل الدّولة.وعندما نظّمت مؤتمرا عن الأندلس دعوت كلّ الوزراء فوجئتُ أنّ سي الشاهد كلّف مدير الأرشيف الوطني أن يحضر باسمه وهي حركة نبيلة. كما أرسل في الاختتام شخصية أخرى.فالرّجل مهتمّ بالشأن العلمي والثقّافي.ولكن تنقصه التجربة السياسية والتّعامل. وأنا أخشى عليه من أخطبوط السّياسة.وضعه دقيق.ومكافحة الفساد عمل جريء.لم يفعله أيّ شخص قبلك. ولكن اكتشفنا أنّ الفساد نخر الدّولة.وهذا يحتاج إلى استراتيجيا جديدة.الدّولة تتحمل المسؤولية الأولى في هذا الاختناق الاقتصادي في بلدنا

أداء رئيس الجمهورية ، كيف هو؟

قرأتُ كتاب الصّافي سعيد وهو رسالة موجّهة إلى الباجي.قاعدة بيانات سلبية حول سي الباجي الذي لم يحسن اختيار المستشارين ويتمتّع بنرجسية استثنائيّة.أنا استدعيت سي المنذر بالحاج علي وسألته: من فكّك نداء تونس ؟ أربع ساعات وهو يتكلّم. ثمّ أدركنا أنّ سي الباجي يتحمّل المسؤولية في الاختراق والتّفكّك لنداء تونس.و له مواقف مؤلمة جدا . يُدخل الآيات القرآنية ويتكلّم هنا وهناك. يا سيّدي التزم بطريقك. خذ طريقا معيّنة . زعماء في نفس سنّك ولكنهم فاعلون .يا سي الباجي أنت قمت بواجبك فافسح المجال للشباب.أتريد كلّ شيء بيديك أنت ؟ المستشارين بيديك وتعييّن وزراء وو.أنا أرسلتُ إليه رسالة قبل ستّة أشهر ونصحته. فلم يردّ عليَّ. فلا تنسى ياسي الباجي فأنا من الذين بنوا الجامعة التونسية. وأنا ألّفت خمسة و ثلاثين كتابا.

كيف حال أداء وزير الثقّافة والوزارة كيف ؟

لو تُلغى هذه الوزارة يكون الأمر أفضل.لأنّ المافيات تُسيطر وتهيمن عليها. نحن نحتاج إلى أناس فاعلين مؤمنين لهم الجرأة والمبادرة واستقلالية القرارمثل الشّخص الّذي اقترحته{عبد العزيز قاسم} لمنصب وزير ثقّافة. الوزير الحالي مع احترامي له واستقباله لي ، ليس له النّفوذ الكامل لأخذ القرارات.المافيات متنفّذة. أمضيتُ اتفاقية مع وزارة الثقافة لاقتناء كُتب المؤسّسة ولكن ولا كتاب اقتنته الوزارة. هذا ظلم للمعرفة وللثقافة التونسية. والمؤسّسة لا تُدين إلى أيّ شخص على الإطلاق.لا عربي ولا أجنبي.ما عدى أديناور فورميشن تتكفّل بنفقات السّفرات للمؤتمرات فقط .

سجَّلَتْ مُؤسستكم شهادات لمناضلين ، فماهي أبرزها ؟

أبرزهذه الشهادات لنورالدّين بن خذر الّذي أبكانا. قال حقائق مهمّة جدًّا. وكذلك أربعة عشر عسكري ذاقوا الظّلم في عهد بن علي .أبكونا.وأنّا أوّل من دعا المناضل سي أحمد بن صالح.وهو رجل نظيف وأمين وصادق.كان يؤمن بالعدالة الاجتماعية. وكتبنا كتابا ونُشر في طبعة ثانية.وعندي ألف وستمائة وخمسين ساعة تسجيل صوتا وصورة.وهذا كسب للبلاد.ونشرنا خمسة وستين  كتابا للذّاكرة الوطنية.وأكثر من ثلاثمائة وعشرين نصًّا.ومعهد الحركة الوطنية لم يستنسخ الشهادات التي عنده.وأنا عندي حوالي ثلاث آلاف صفحة من الشهادات. 

علاقة المؤسسّة بمخابر البحث العلمي ، كيف هي ؟

أنا اشتغلت ثلاثين سنة في الجامعة وكوّنت جيلا من المؤرّخين أعتزّ بهم أذكر منهم سي عبد اللّطيف الحنّاشي وليلى البليلي. أمّا مخابر البحث العلمي فقد أصبحت إقليميّة ضيّقة منغلقة. وأمّا مؤسّستنا فهي منفتحة لنا في كلّ أسبوع ندوة وكلّ شهرين مؤتمرا. 

علاقة بورقيبة ببن صالح ، كيف هي؟

الباجي قايد السبسي والبورقيبيون ألَّــهُوا بورقيبة.و لمّا بدأت العمل الأكاديمي أدركت أنّ بورقيبة رجل دولة. ولكنّه أصبح أسطورة.غطّوا كلّ المساوئ والأخطاء الّتي قام بها.فالرّجل لا يؤمن بالدّيموقراطية ولو نسبية وصفّاَ كلّ أعدائه. من صالح بن يوسف إلى المنجي سليم. وأحمد المستيري.

ميولاتك إلى الأتراك ، ورأيك في عمل هيئة الحقيقة والكرامة؟

أنا خلال 50سنة تعلّمت اللّغة التركية وأنا أوّل عربي يصل إلى الوثائق العثمانية واكتشفت كنوزا. ونظّمت 18 مؤتمرا دوليا على الدّولة العثمانية. الأتراك ورثوا عدم رضاهم على العرب منذ الحرب العالمية.في تركيا الجامعة كمالية والمرأة كمالية.المجتمع التركي يكره العرب.أنا لم أستلم منذ 50سنة ولا ملّيما واحدا من تركيا.ولي مجلّة تاريخية عربية للبحوث العثمانية وهي الآن الأولى في العالم. رئيس الجمهورية السّابق عبد الله قول ألقيت محاضرة أمامه فقال: هذه المؤسّسة التونسية ليست فقط فخرا لتونس بل لنا أيضا.وحرصتُ على التّواصل مع الأتراك للعلم ولتوظيف الوثائق. ونشرت وترجمت أطروحتين من اللّغة التركية إلى العربيّة .الأولى في السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي في الجزائر.والأطروحة الثانية لعبد الرحمان تشيل {مؤرّخ تركي} عن المسألة التونسية والسياسة العثمانية. .أمّا هيئة الحقيقة والكرامة فقد قُلت في مقال:لماذا فشلت هذه الهيئة؟ والسّبب أنّها لا تضمّ مؤرخا.فهيئة المغرب الأقصى نجحت لأنّ مديرها أكبر مؤرّخ مغربي. واقترحتُ شخصية الدكتور فتحي اليسير ليكون في الهيئة.