ليبيا..وقف عليها الحب بقلم م. طارق الثوابته
تاريخ النشر : 2019-04-25
ليبيا …..وقف عليها الحب
وقف الشاعر والأديب الليبي الكبير الراحل خليفة التليسي امام الدكتاتور الراحل معمر القذافي ليقلده الاخير نوط الوفاء ونظم الاديب الراحل قصيدة معبرة وعميقة وذات دلالات من المؤكد ان الدكتاتور لم يستطع فهمها وإلا لاختلف المشهد فى قاعة الوفاء كانت القصيدة بعنوان وقف عليها الحب وكان الرجل يعنى بها وطنه ليبيا كانت القصيدة فى مضمونها تعبيرا عن واقع ازمة الدولة القطرية العربية وأزمة مفهوم الوطنية والمواطنة وهى ازمة عربية عامة لكن ليبيا تمثل نموذجا مثاليا لها وهي ازمة ماانفكت تتفاقم الى يومنا هذا عرفت ليبيا منذ استقلالها نظامين للحكم الاول كان ملكيا برلمانيا تحت حكم الاسرة السنوسية لم يكمل عقد فى حكم البلاد والثانى كان قوميا دكتاتوريا فاشيا ارتجالي المعالم والمواقف حكم به العقيد القذافي البلاد لما يزيد عن 40 سنة استخدم خلالها القذافي كل الطرق والأساليب الفاشية لتدعيم سلطته عبر القضاء على كل منافسيه ومعارضيه حتى اولئك المحتملين منهم مستخدما وبكل مهارة سياسة فرق تسد فى مجتمع قبلي لم يكن قد تطور بعد الى مجتمع مدني استخدم القذافي سياسة تفتيت الكينونة القبلية الاخلاقية ورفع اراذل تلك القبائل وهم اولئك الذين تعتبرهم قبائلهم مصدر خزي لها وجعلهم بقوة الانتساب لمنظومته الامنية والعسكرية (اللجان الثورية والحرس الاخضر) سادة قبائلهم وضمن بذلك ولاء تلك القبائل عبر منظومة من اولئك الموالين له الذين يدينون له بوضعهم القبلى الجديد وعبر تلك السياسة ضمن الرجل عين امنية له فى كل قبيلة صغر حجمها ام كبر ولم تكن تلك المنظومة الامنية القبلية ظاهرة خلال العقود الثلاث الاولى من حكم القذافى قبل ان تظهر خلال العشرية الاخيرة من حكمه على شكل تجمع سياسي اطلق عليه فى حينه القيادة الشعبية الجماهيرية فى المقابل ادت سياسة القذافى تلك الى تفتيت المنظومة الاخلاقية داخل كل قبيلة وبين القبائل فى ليبيا عبر اذكاء نار التناحر داخل كل قبيلة وكذلك بين القبائل الليبية وتحول المجتمع القبلي الليبي الى مجتمع اكثر قبلية تتنافس فيه القبائل المفتتة على الفتات الذى يلقيه لهم الدكتاتور والذى ثمنه مزيد من التفتيت لكل قبيلة وادى ذلك الى تأخير التطور الطبيعى للمجتمع بأسره نحو بلورة مجتمع مدنى استمر الوضع على هذه الحالة حتى هبت رياح الربيع العربى على ليبيا فى 2011 وهنا حدثت مأساة ونكبة قبلية فى ليبيا خلال الفترة الممتدة من فبراير وحتى اغسطس حيث شهدت البلاد حرب اهلية بين انصار ثورة 17 فبراير وأنصار العقيد القذافي تخللتها حملات تطهير عرقي قبلي و مناطقي و كان سببها الاساسي الانهيار الاخلاقي الذى احدثته سياسة القذافى فى المنظومة القبلية فى ليبيا على مدار 40 عام من حكم نظام القذافى للبلاد ليجد الليبيون انفسهم امام مجتمع قبلى ممزق بالثارات القبلية الممزوجة بهدر الدم والعرض والثروات مجتمع لم يتطور قيد انملة باتجاه المجتمع المدنى بل على العكس تأخر لقرون فى ظل تفتت وصراع قبلى يصعب على المدى المنظور رؤية نهاية فعلية له وهو ما ادى الى وصول ليبيا الى وضعها الحالى كدولة فاشلة لم تفلح كل المحاولات الداخلية والخارجية لإنشاء منظومة حكم مستقر فيها بعد قرابة عقد من الزمن على سقوط نظام القذافي
اليوم نرى المشهد الليبي كما كان فى السابق نظام عسكرى فاشي بتحالف قبلي بقيادة خليفة حفتر يحمل الكثير من ملامح النظام السابق يقارع تحالف قبلي اخر بسمات عقائدية لا تقل فاشية عن مقارعه او حتى عن نظام القذافى لكن المفارقة اليوم ان المجتمع الدولى فاضل بين الاثنين ومن الواضح ان اللحظة السياسية الراهنة فى الاقليم والعالم قد رجحت كفة الجنرال خليفة بلقاسم حفتر ومن الواضح ان العالم ادرك جيدا حقيقة الاوضاع فى ليبيا والتى مفادها ان قيام نظام حكم ديمقراطي فى ليبيا هو امل بعيد المنال
ان الشعب الليبى العظيم الذى انجب عمالقة كعمر المختار ورمضان السويحلي و الفضيل بوعمر كان ضحية للفاشية بامتياز لكن شعب انجب اولئك العظام قادر على ان ينجب جيل جديدا يدرك ان الفاشية هي ظل الشيطان على الارض وان الديمقراطية هى الحل وهى وحدها الكفيلة بفك وقف الحرية والعدالة والحب عن ليبيا
م طارق الثوابته