لتجديد والمجددون في نبوءة الرسول(صلى الله عليه وسلم) التجديد للقرن 15– القسم الثاني
تاريخ النشر : 2019-04-25
لتجديد والمجددون في نبوءة الرسول(صلى الله عليه وسلم)  التجديد للقرن 15– القسم الثاني


بقلم:رفيق أحمد علي
التجديد والمجددون في نبوءة الرسول(صلى الله عليه وسلم)
التجديد للقرن الخامس عشر الهجري – القسم الثاني 

ويسعدنا أن نبدأ في هذا القرن بذكر حركة ثورية تضاف إلى الحركات الجماعية المنسوبة إلى القرن الماضي، ألا وهي: حركة طالبان في أفغانستان.. والتي برزت كحركة إسلامية سياسية مسلّحة، يرؤس مكتبها السياسي الأستاذ "شير محمد عباس".. وكان بدء قيامها- كحركة مجاهدة بقوة السلاح- في ولاية قندهار، جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994م= 1415ه على يد الملاّ "محمد عمر" الذي رغب في القضاء على الفساد الأخلاقي، وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان.. وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميراً لهم.. كما باء بدعم من الباكستان التي اعترفت بحركته كحكومة شرعية بعد سيطرتها على العاصمة "كابل" عام 1996 وإعلانها قيام الإمارة الإسلامية، وأميرها "هبة الله زادة". وحكمت أجزاءً كبيرة من أفغانستان.. وتلا اعتراف الباكستان بها اعتراف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، لكن لم تعترف بها منظمة الأمم المتحدة!
وعند الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001؛ بسبب رفض الحركة تسليم المجاهد "أسامة بن لادن" للأمريكان؛ لاتهامه بالضلوع في أعمال تفجير البرجين .. فقد خاضت الحركة عدة مواقع وحروب مع القوات الأمريكية الغازية، وأوقعت بهم الكثير من الهزائم، وإن سحبت المملكة السعودية والإمارات اعترافهما بها؛ لضغوط أمريكية عليهما، لكنها ما زالت قائمةً وماضيةً في جهادها لدولة الباطل حتى الآن.

هذا ومهما ظهر منذ بدايات هذا القرن حتى الآن، من علماء أو دعاة، ولمّا توافٍهم المنية؛ فلا يسعنا إلا أن نطلق عليهم لا أكثر من مجتهدين أو مجاهدين أو دعاة تجديديين، وإن خطا البعض منهم خطوات أو قام ببعض أعمال على طريق التجديد؛ ذلك لأنّ الإنسان لا يُحكم عليه حكماً صحيحاً ببدايات أعماله بل بخواتيمها، ولا يأمن الفتنة أحد مع الزمان، أو يدّعي الثبات على رأي ومنهج قد بدأ به، ما لم يتبلور بمضيّ الزمان.. وقد رأينا من العلماء السابقين من بدأ حياته معتزلياً، ثم أصبح فيما بعد من أهل السنّة، مثل أبي الحسن الأشعري! ورأينا في القرن الماضي من هو سنّيٌّ وقد أصبح يؤمن بفكر المعتزلة كالشيخ الإمام محمد عبده! ومهما يكن من أمر، فهناك دعاة وأصحاب قلم ماثلون في هذا الزمن، أو أدرك بعضهم الموت، وقد أبدوا ويبدون الكثير من النظرات والأعمال التجديدية الإسلامية المبشرة بإقالة الأمة من عثارها، والاقتراب من توحيدها.. بل منهم من أقدم على إنشاء الحركات القتالية الجهادية، ضد العدو الغاصب، ومن أجل رفع راية "لا إله إلا الله" وإقرار حكم الله..
وكيما يكون المسلمون على بيّنة من أمر هؤلاء، مسترشدين بنظراتهم التجديدية، مستتبعين خطاهم؛ لا بدّ أن نشير إلى فريقٍ منهم وما أظهر من تجديد أو عمل جهادي، في شتّى الأقطار العربية والإسلامية..
ففي القطر المصري نذكر: الشيخ محمد متولّي الشعراوي؛ بما أقدم عليه من تفسير لغوي تحليلي فريد للقرآن الكريم، وله موقف تنويري معتدل من الفن مسرحاً وغناءً، بحيث يجيز ذلك ما لم يقُد إلى قبح! هذا وإن أُخذ عليه بعض مواقف علماء السلطان، من مثل تأييده للمؤازرة المصرية للتدخل الأمريكي في الخليج العربي عام 1991م حيث صرّح قائلاً:" إنّ موقف مصر هو الموقف الصحيح في هذه الحرب!" وقد توفّي عام 1998= 1419ه. كما نذكر الشيخ الدكتور "يوسف القرضاوي" الذي ارتحل إلى دولة "قَطَر بعد الضغط على الإخوان المسلمين في مصر.. وقد عالج الكثير من مواضيع التجديد الإسلامي بالعديد من الخطب والمحاضرات والكتب، وإن أورده الانشغال بالناصب والسياسة مهاوي التناقض في بعض آرائه ومواقفه من الحكام العرب، بل من الإخوان المسلمين أنفسهم الذين يشيد بهم في كتابه" الإخوان المسلمون- 70 عاماً في الدعوة والتربية والجهاد" ثم ينتقدهم أخيراً" بقوله: إنهم يريدون الحكم! هذا ومن أشهر كتبه في التجديد كتاب "الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد" و"الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط" وعدد من الكتب في ترشيد الصحوة والحركة الإسلامية.. وسلسلة كتب حول حتمية الحل الإسلامي.
ثم نذكر رجل العلم الكاتب الطبيب مصطفى محمود، وإن دار الجدل الكثير حول كتاباته ومؤلفاته، وبخاصة كتاباه: "الله والإنسان" و"القرآن- محاولة لفهم عصري" أما برنامجه التلفازي "العلم والإيمان" الذي قدمه فيما يقرب من أربعمئة حلقة، فهو أشهر من أن يعرّف! وتوفّي عام 2009= 1430ه كما نذكر الكاتب الداعية مصطفى مشهور والأستاذ أنور الجندي، بما يكتبان في صحيفة النور الأسبوعية المصرية.. والشيخ كمال السعيد حبيب والدكتور رفعت سيّد أحمد والدكتور محمد مورو والسيدة صافيناز كاظم والأستاذ فهمي هويدي.. وعذراً لمن نسينا أن نذكرهم أو ربما ننسى ذكرهم فيمن سنذكر من الأقطار الأحرى!
ونمر على "تونس" فنذكر المجاهد الكبير الأستاذ "راشد الغنوشي المولود عام 1941م في الحامة ولاية قابس-" والذي أسّس "حركة النهضة الإسلامية" عام 1972م؛ مناوئاً للنظام الفاسد الذي لا يحكم بما أنزل الله، داعياً إلى تجديد الفكر الإسلامي، إرهاصاً وتقدمةً لتحقيق النهضة الإسلامية وإعادة بناء مجد الإسلام وحضارته.. وقد نفته السلطة بعدما حلّت حزبه ومنعت نشاطه منذ أوائل التسعينات، ليطلب اللجوء السياسي إلى المملكة المتحدة في لندن.. ولكن كغيره من الدعاة المجاهدين قد استمرّ يدعو ويكتب من الخارج، مناوئاً للحكومة العلمانية الفاسدة، داعياً للثورة على ظلمها وفسادها؛ ليُحكم عليه بالسجن المؤبد غيابياً عددا من المرات! إلى أن نشأت ثورة ما سمّي فيما بعد بالربيع العربي.. وكُتب للأستاذ المجاهد أن يعود للديار، وذلك في يناير عام 2011= 1433ه، حيث عمل على إعادة إنشاء حركة النهضة.. وبعد فوز الحركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي أعلن أنه لم يعد له بقية في السياسة، وكفاه نائباً لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ماضياً ليلقي محاضراته التوعوية التجديدية في الفكر الإسلامي والمعاملات الدولية في شتّى البلدان الإسلامية وغير الإسلامية.. داعياً للتفاعل مع الواقع والتدرج في التغيير واستيعاب مكاسب العصر والتجمع الإسلامي حول الثوابت.. وقد نشر في ذلك مجموعة من الكتب القيّمة منها: "المرأة بين القرآن و"واقع المسلمين" و"الديمقراطية وحقوق الإنسان" و"الإسلام والحريات العامة في الدولة الإسلامية" و"مسيرة الصحوة الإسلامية" و"الحركة الإسلامية ومسألة التغيير" و"طريقنا إلى الحضارة" .. أطال الله عمره ووفقه للخير والنصح للأمة.
وفي الجزائر نذكر الداعية الشيخ "محفوظ نحناح (1942- 2003= 1424ه) مؤسس الرابطة الإسلامية، ليعلن بعدها قيام حزب "حركة المجتمع الإسلامي"1990م ذات الاتجاه الإسلامي بشعار: العلم والعدل والعمل! وظاهر أنه متأثر بفكر "سيد قطب" في كتابه "معالم في الطريق! ومن محاولاته التجديدية أنه عارض فرض النظام الاشتراكي بالقوة على المجتمع الجزائري؛ باعتباره خياراً لا يتماشى مع هوية ومقومات الشعب الجزائري العربي المسلم.. كما أنه دعا إلى مشاركة المرأة مجالات الحياة، والتداول السلمي على السلطة وتطبيق مبدأ الشورى والديمقراطية والاحترام المتبادل وإعلاء قيمة الوسطية والاعتدال، ونبذ مظاهر الغلوّ في الدين.
كما نذكر الشيخ الدكتور "عباسي مدني" المولود بمدينة "سيدي عقبة" عام 1931م والذي بدأ ناشطاً من أجل إقامة دولة إسلامية بالجزائر منذ عام 1982 ؛ ليعلن عام 1988 تأسيس "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" منضماً إليه صاحباه "علي بن حاج" و"هاشمي سحنوني" فتفوز الجبهة عام 1990 بالأغلبية في أول اقتراع تعددي تشهده الجزائر منذ تحريرها عام 1962، كما فازت بعد ذلك – بالرغم من اعتقال زعيمها- وذلك عام 1991في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، وإن تمّ إلغاء هذه الانتخابات من جانب الجيش! ثم قُبض على عباس مدني، بعد مواجهات دموية راح ضحيتها الآلاف؛ ليحكم عليه عام 1992 بالسجن مع رفيقه علي بن حاج مدة اثني عشر عاماً؛ بتهمة المس بأمن الدولة! لكن يطلق سراحه بعد مضيّ خمس سنوات لأسباب صحية، وإن بقي تحت الإقامة الجبرية، في حين يمضي رفيقه مدة حكمه.. وليستقر هو بعد ذلك في إمارة قطر.
وفي السودان نذكر الشيخ المجدد الدكتور "حسن الترابي" موجّه الإخوان المسلمين في هذا القطر، وزعيم "جبهة الاتجاه الإسلامي" ثم "المؤتمر الشعبي" المعارض فيما بعد.. وإذ أودعه رئيس الدولة- تلميذه سابثاً- "عمر البشير" السجن عدة مرات؛ بسبب مواقفه المعارضة ونقده للنظام القائم.. وهو من أبرز المجتهدين على صعيد الفكر والفقه الإسلامي، مع التحفظ على بعض آرائه التجديدية من مثل جواز خلافة المرأة.. وأن تتزوج المسلمة من الكتابي، خلافاً لما تقرره المذاهب الإسلامية! كما يعدّ من زعماء السياسة في قرننا هذا، وضاهى موقفه من التدخل الأجنبي الأمريكي بحجة تحرير الكويت عام 1990 موقف ابن باز من فتواه ضد هذا التدخل! وله عدة كتب في مجال التجديد الإسلامي منها: كتاب "تجديد الفكر الإسلامي" الذي يميّز فيه بين الثابت والمتغيّر في الدين، ويرى أنّ الذي يتقادم ويبلى ويتجدد إنما هو الفكر الإسلامي، وأنّ الفكر الإسلامي إنما هو التفاعل بين عقل المسلمين وأحكام الدين الأزلية الخالدة.. كما يبرز فيه حاجتنا الملحّة للاجتهاد؛ من أجل التواضع على منهج أصولي ونظام يضبط تفكيرنا الإسلامي، كما له كتاب بعنوان "تجديد الدين" و"تجديد أصول الفقه" وتوفّي الشيخ عام 2016م= 1438ه عن عمر يناهز الرابعة والثمانين.
كما نذكر من السودان أيضاً الشيخ الداعية " محمد حاج حمد" صاحب كتاب "العالمية الإسلامية الثانية" والذي يربط فيه بين الظاهرة الإسلامية والظاهرة الإسرائيلية ربطاً عكسياً للصعود والهبوط.. فكلما صعد الإسلام هبط العلوّ الإسرائيلي، والعكس بالعكس.. حتى يطاخ نهائياً بالعلو الإسرائيلي الكبير المتمثل في هذا الزمان؛ بصعود الإسلام صعوده الثاني الكبير "العالمية الإسلامية الثانية" كما يسميها في كتابه.
أما في الجزيرة العربية، ففي بلاد الحجاز نذكر من القاطنين الشيخ الكفيف "عبد العزيز بن باز" الذي يطلق عليه مفتي الديار السعودية، وله موقف جيّد من حرب الخليج الأخيرة بين العراق وبين الأمريكان وأنصارهم عام 2003م، حيث رفض الإفتاء بجواز الاستعانة بالأمريكان ضد المسلمين! فألزمه السلطان بيته!
كما نذكر من القاطنين الثائرين الشيخ المجاهد الكبير "أسامة بن لادن" (1957-2011 م=1433 ه) وإن غادر المملكة إلى السودان منذ 1990- والذي بدأ جهاده بالكلمة انطلاقاً من المساجد.. وكان قد ورث عن والده ثروة هائلة، لكنه زهد فيها وانتقل بالجهاد نقلة نوعية، بأن وظّف ثروته وأعطى جلَّ وقته للجهاد ضد المستعمر والمحتل الأجنبي الدخيل، بدءاً من بيشاور في باكستان، ثم مقاومته للعدوان الأمريكي على الصومال وانتهاءً بأفغانستان؛ لينشئ بها تنظيم "القاعدة" الجهادي في نهاية الثمانينات الميلادية؛ بهدف نقل الجهاد إلى الدول العربية وإقامة الحكومة الإسلامية والخلافة! وعاش هناك في خيمة بسيطة هو وأسرته.. وكان يوجّه من قواعده المنتشرة في كثير من البلاد ضرباته الموجعة لأمريكا.. وآخرها ما نسب إليه من تدمير برج التجارة العالمي وتوءمه بنيويورك، وضرب البنتاجون في واشنطن عام 2001م؛ مما زلزل كيان الولايات المتحدة وجعلها تعلن باسم رئيسها "بوش" الابن ما سمّوه بالحرب العالمية على الإرهاب! فيغزون أفغانستان ويولّون عليها حاكماً موالياً لهم.. ومن بعدها العراق عام 2003 ؛ ليسقطوا حكم البعث العربي فيها، ويحكموا على الرئيس صدام حسين وزمرة من سلطته بالإعدام! وما هي إلا الأطماع الصليبية الغربية الجديدة في خيرات بلادنا وخيرات الشرق الجديدة: غاز أفغانستان وبترول العراق، والحرب على الإسلام والمسلمين.. فلا يكفّون حتى يلاحقوا الشيخ أسامة فيغتالوه في الباكستان عام 2011م=1433ه- بطلقة في رأسه ثم قذف جثته في بحر العرب! له رحمة الله وثوابه، وعلى الظالمين نقمته وعقابه!
ثم من الوافدين من مصر إلى هذه الديار نذكر الأستاذ الداعية "محمد قطب" أخا "سيّد قطب" حيث صدر له عدة كتب؛ دفاعاً عن الإسلام والحركة الإسلامية، من أظهرها كتاب "شبهات حول الإسلام" و"منهج التربية الإسلامية" و"معركة التقاليد".. ثم الدكتور "علي جريشة" صاحب كتاب "دعاة لا بغاة" .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع