التوبة النصوح بقلم الشيخ حسن أحمد جابر
تاريخ النشر : 2019-04-25
بسم الله الرحمن الرحيم

توطئة لقدوم شهر رمضان المبارك يجب على الإنسان أن يجدد التوبة مع الله لأن التوبة النصوح تجدد إيمان العبد المؤمن وتجعله نقياً من الذنوب والآثام

بقلم فضيلة الشيخ/ حسن أحمد جابر
مفتي محافظة رفح
عضو مجلس الإفتاء الأعلى بفلسطين

الحمد لله رب العالمين يحب التوابين الأوابين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين القائل في الحديث الشريف "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله في كل يوم مائة مرة" ويقول الله عز وجل في محكم كتابه العزيز "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" في هذه الآية الكريمة يمن الله عز وجل على عباده المؤمنين وذلك بقبول التوبة منهم إذا تابوا وأنابوا إليه ولو كانت ذنوبهم مثل زبد البحر ولذلك ختمت الآية بقوله "إنه هو الغفور الرحيم" قد جاءت الآيات الكريمة تترى حاثةً على التوبة النصوح التي لا رجوع إلى الذنب بعدها فقال تعالى "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" فإن من شروط التوبة النصوح أي المقبولة عند الله أن يؤمن العبد إيماناً قوياً بالله عز وجل وأن يتوب إليه توبة نصوحة ويُتبع هذه التوبة بالعمل الصالح الذي يكون فيه صلاح العباد والبلاد فإذا فعل الإنسان ذنباً أو معصية واستيقظ ضميره بالرجوع إلى الله عز وجل وعدم فعله الذنب مرة أخرى فإن الله عز وجل يقبل توبته ويغفر له ذنوبه، ولذلك جاء في الحديث القدسي عن رب العزة عز وجل "إن الله يبسط  يده في الليل ليتوب مسيء النهار  ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل" وذلك كله إذا تاب العبد إلى الله توبة نصوحة ولم يرجع بعدها إلى الذنب أو المعصية فإن الله عز وجل يتقبلها منه ويغفر له ذنوبه ويقول الله عز وجل في ذلك "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحة عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار" وأن التوبة النصوح التي يغفر الله بها ذنوب العباد هي التي يفعلها العبد بأركانها وشروطها فإذا ترك ركن منها لا تكون هذه التوبة مقبولة عند الله عز وجل وأول هذه الأركان أن العبد إذا فعل ذنباً أو معصية أو فرط في جنب الله  ندم على هذا الذنب فإن الله عز وجل يقبل توبته ويغفر حوبته.

ويتمثل هذا الندم بأن يشعر العبد بالهم والغم والحزن بعد فعله هذا الذنب الذي فعله يقول الله عز وجل في ذلك "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" أي لا يرجعوا إلى ما فعلوا من الذنوب والآثام ويصروا على فعلها.

أما الركن الثاني من أركان التوبة النصوح أن يعزم الإنسان عزماً أكيداً على ترك الذنوب والمعاصي ولا يعود إليها بأي حال من الأحوال حتى لو تعرض لكثير من المغريات فعليه أن يعلم أن الرجوع إلى الذنب بعد التوبة أمر يغضب رب العزة ويجعل العبد كالمستهزئ بربه.

وثالث هذه الأركان أن يقلع عن الذنوب والمعاصي والآثام ولا يجعلها تجول في خاطره بعد أن تاب إلى الله وأناب إليه فإن التذكر فيها يجعل الشيطان قريناً له فيزين له هذه الذنوب التي تاب منها فيجعله يفعلها وبذلك يستحق غضب الله عز وجل وسخطه. ومن ذلك أيضاً أن يترك العبد التائب جلساء السوء لأن هؤلاء الجلساء أخطر على الناس من شياطين الجن، فإذا قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما جاء في الحديث الشريف فإنه ينصرف عنك وأما شيطان الإنس انك إذا قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لم تستطيع صرفه أو التخلص منه ولذلك حذر الشاعر من جلساء السوء فقال :-

ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإن خلائق السفهاء تعدى 

وأما الركن الرابع والأهم من أركان التوبة النصوح فهو رد المظالم إلى أهلها سواء كانت مادية أو معنوية ولا توبة إلا برد هذه المظالم فإن كانت مادية كأن أخذ الإنسان مالاً من أخيه أو سرق منه شيئاً أو شهد عليه زوراً بأن ضيع له حقاً مالياً فيجب عليه المبادرة إلى إرجاع هذا المال لأخيه والرجوع عن شهادته إن كانت هذه الشهادة تسبب ضياع حق لأخيه.

وأما رد الحقوق المعنوية فتتمثل في كأن يغتاب إنسان إنسان أو ينم عليه أو يجرحه في عرضه وأهله فإن ردها يكون إما أن يطلب الإنسان من أخيه المسامحة والعفو فإذا عفا عنه وسامح سقط هذا الحق عن الذي فعل الذنب وإلا فليذكه بخير  في المكان الذي ذكره فيه بشر فإن هذا يكون رد للحقوق المعنوية إلى أصحابها .

أيها المسلمون تلكم أركان وشروط التوبة النصوح وهي المقبولة عند الله عز وجل وهي التي تجدد الإيمان وتجعل العبد طاهراً نقياً من الذنوب والآثام ولا توبة مقبولة إلا بفعل هذه الأركان التي ذكرت فجددوا إيمانكم في كل وقت وحين بالتوبة النصوح التي لا رجوع بعدها للذنب أبداً فبذلك يقوى إيمانكم وتلقون الله عز وجل وهو عنكم راضٍ.

وفي الختام نسأل الله عز وجل أن يطهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد وأن يجعلنا من التوابين الأوابين العاملين على صلاح الدين والأمة والمجتمع.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم فضيلة الشيخ/ حسن أحمد جابر
مفتي محافظة رفح
عضو مجلس الإفتاء الأعلى بفلسطين