نحو النور حكاية أم صابرة بقلم سحر حمزة
تاريخ النشر : 2019-04-25
نحو النور حكاية  أم صابرة  بقلم سحر حمزة


نحو النور حكاية  أم صابرة 

بقلم سحر حمزة

استيقظت ألأم على نداء طفلها يصرخ بصوت عال ماما  آه ماما  ،أسرعت الخطى نحوه وهرعت تحتضنه قائلة حبيبي عمري ماذا تريد ،لكنه ينظر نحو الأفق وكأنه يشاهدا فيلما خاصا به لم يتلمس وجودها كان في عالم آخر لكنه أراد أن يودعها قبل أن يرحل ،عملت على تغيير بعض ملابسه وحفاظه لمعاناته من الإسهال الشديد وقد ذابت أعضاءه من التهاب أصابه ، كانت الأربطة تحيط بقدميه ولكن مع انتفاضته المتكررة  تحررتا وكأنهما  تزيلان ما علق بهما من أوساخ الدنيا وبقايا معاناة مدفونة في داخله من الحرمان ،بقيت تضمه وتحتضنه لقلبها لكنه لا يراها ولم يسمعها فقط أصبح جسدها باردا جدا وبدأت روحه تزفر الأنفاس الأخيرة مودعة دنيا لم ينل منها سوى اللهو والتعب .

لم تدرك الأم بأن ولدها يغادرها ولم تدرك أن حرارته المرتفعة قد انخفضت إلى أدنى مستوى وأنه لم يملك مقومات للحياة في جسده فقد هده التعب وأنهكه المرض على مدى يومين متواليين من مستشفى لآخر ليعرف الأطباء مرضه أنه السقم أنه الموت والرحيل لكن الأم لم تدرك ذلك الدنيا جعلتها تغيب عن الأقدار المكتوبة لها وطفلها الذي لم يتجاوز السبعة أعوام مضت من حياته في لعب ولهو وأنهاك روحي وضياع بين اللعب واللهو والسخط والنكد حياة كلها متناقضات فقرر محمود الطفل الصغير الرحيل إلى عالم آخر فيه هدوء وراحة وتقرير مصير .

أسرعت الخطى لتوقظ من بالبيت ليصطحبه للطبيب هرع الأب لحمله إلى السيارة وأسرع نحو الطبيب حيث الطوارئ والإسعاف لكن محمود كان قد فارق الحياة وقد ارتسمت على شفتيه بسمة وداع مؤلمه أضنت أمه الحزينة الجريحة  من الألم ، وقد نسج في قلبها نسيج عنكبوت الألم ليومنا هذا وهي تستذكر ذلك المنظر الرهيب المؤلم وهو يرحل أغلى صغارها وأقربهم لقلبها بكت مع الطيور وهي تزقزق بشدة حين غادر العالم وكانها تحلق به للأفق وبكت مع غروب الشمس بشدة بعد أن أطفأت في دارها أضواء الفرح بوجوده لقد رحل حبيبها المدلل الصغير ولم يعد صوته يملأ الدار صراخا وصفير وأنا أرقبها وأتألم لوجعها وصراخها وهي لا تصدق أن صغيرها قد مات وأنه فارقها ،وكانت  معتصرة ألما وحسرة  وندم رافقها طوال حياتها ظنا منها أنه مات بسبب إهمالها ولم تكن تدرك أنه قدر ومكتوب وما علينا سوى القبول ونحن تحت رحمة الله وعلينا الخنوع والاستسلام للأقدار مهما كانت .

عليها فتذكرت أحد الأفلام السينمائية أسمه نحو النور ليس عربيا فقد كانت الأم تودع طفلها المصاب بالسرطان وهو ينازع الموت ويرحل وهي تطمئنه  وتلاعبه وتداعبه والبسمة لا تفارقها وتطمئنه بأن لا يخاف لأنه سيعود لخالقه الذي نفخ روحه في رحمها المظلم كانت تبشره بالجنة والشمس والنور القادم من القمر والطيور التي تزفه للسماء في حفل وداع روحي لم أرى مثل صبرها وجبروتها حين وضعت الزهور على كفنه ليحملوه إلى مثواه الأخير وهي تبتسم دون عويل فقد كانت سعيدة بأن طفلها سوف يكون سعيدا بالجنة دون معاناة من ألم السرطان المؤلمه وسوف تذهب أوجاعه ويحلق بحرية كطير طليق دون عقاقير وأدوية وكيماويات تحرق خلاياه وشعره وحتى قلبه حرقة على فراق أمه وأهله ليحيا بعيدا في ملكوت الله براحة عند ربه .

هكذا نحن نتألم لفراق من نحب سواء بالسفر أو الموت ولكننا لا ندرك بأن الله يختار لنا أقدارنا وما علينا سوى الصبر والانتظار فإما جنة خلد في السماء أو نار تكوي أجسادنا إلى يوم يبعثون وما علينا إلا التدبر والصبر والقبول بما كتبه الله لنا  .

انتهى