أنت سفير ومفوض..!بقلم:فيصل أحمد الشميري
تاريخ النشر : 2019-04-24
أنت سفير ومفوض..!بقلم:فيصل أحمد الشميري


أنت سفير ومفوض...!

إن العلاقات الاجتماعية كالعلاقات الأكاديمية فيها الحسن وفيها الجيد، فيها الضحل وفيها القبيح، لكن في إطار التوسع والبُعد الجغرافي يظل الفرد سفيراً ومفوضاً لأسرته ثم لمدينة، لبلدته، لإقليمه، لقارته وهكذا دواليك، ثم من منظور جامعي سيكون لتخصصه ولقسمه وكليته وجامعته وضمن هذا الإطار تدور الدوائر، بين المأمول وبين المعاش المنظور، بين الولاء والبراء...!

الطالب أياً كان وممن كان وأينما كان سيظل حجر الزاوية في العملية التعليمية، فاليوم طالب وغداً واهب، اليوم مُتلقي وغداً مُعطي، اليوم يتعلم وغداً يُعلّم، اليوم يضع الخطوط العريضة لمستقبله فيحتك بكل ممن هم حوله وعلى رأسهم المدرسين والمحاضرين والمسؤولين، والذين يقع على عاتقهم مسؤولية الجيل الحالي والقادم، فهم من يغرس شجرة المعرفة، وما على الطالب إلا الاهتمام بها ورعايتها وتنميتها وتقليمها لجعلها جميلة وبصورة مقبولة مفهومة سلسة سهله النقل والتدوين...!

وهنا يقع على عاتق زارعي أشجار المعرفة الاهتمام بالنوع وليس بالكم بالدقة ليس بالشكل المظهري ولا بتقليب الشرائح وشخبطة الطباشير والأقلام ولا الملازم والكتب، العلم إحساس منقول وأفكار تنتقل، ومهارات تُمارس وفنيات تُكتسب، فما أعُطي بالسهل ذهب أيضاً سهلاً، وما لم يبذل الجهد الصحيح ذو التوجه الدقيق العملي لن تجد القبول الحسن، والشجرة التي لا تتلقى اهتماماً لا تُعمر طويلاً البتـــــــــــــــــــة، والطالب اليوم لم يعُد كما كان في السابق، بات يعرف من يبذل جُهداً ومن يمضي وقتاً، من يستغل وضعه ومن يسعى للبذل ومن يهلك الوقت، ومن يفكر عن أفضل الطرق لإيصال المعلومة، ومن يستعين بالتلقين طيلة حياته، من يذلل الصعاب ومن يخلق العراقيل، من يقدس مهنته ومن يبحث وراء مصالحه ومشاريعه...!

فالتقليم للشجرة تجديد للعلم، والاستعانة بالطرق الحديثة تحديث، وبلورة العلم ابتكار، وجعل الطالب في موجة بحث تميز واقتدار، لجعله يجدف في المحيطات والبحار، فلم تعدّ الطرق التقليدية مناسبة لهذا العصر الجبار، لقد أصبح التقصي وترتيب المعلومة بشكل جديد وفي إطار مميز ومختصر هي الطريقة المثلى للاستقرار، فالبحث للطالب اليوم حياة وإكبار، والفضول أصبح سلوك للاستبصار، وتعدد الآراء منهج للإظهار، والاستنباط مهارة بحاجة إلى صقل وجدارة للاستمرار...!

وكلما كانت المادة مُبسطة ومفيدة وتحاكي الواقع وترتبط به كانت مفهومة ومشوقة ومقبولة وما دونها مجرد تكديس وقتي للأوراق وتعقيد للمفاهيم وتلغيم أزلي للعقول...! 

وهنا تكمن أهمية المدرس والمحاضر والمدرب في كيفية جعل الطالب مُجتهد متميز فهو الملهم الأول، وبقدرته تغيير قناعاته وتحفيز تفاعلاته تماشياً مع قدراته وتذليل الجمود من امامة، تعريفة بمكامن القدرة والقوة لديه لتنميتها، وتحسسه لأماكن الضعف للتغلب عليها، بكل يسرٍّ وسهولة تراعي الظروف والمواقف وحالات الرهبة والخوف والقلق الذي ينتاب الفرد من حينٍ إلى أخر، كذلك تراعي الأعمار والأجناس، فليست القصة استعراض لخبرات تراكمت عبر سنوات وسنوات او إحصاء للهفوات وصيد للعثرات وتتبع للزلات، وتعقب للحالات، وتأجيج النفوس وقت الأزمات...!

السفير سلاحه دوماً وابداً  دبلوماسية التحفيز فهو المفوض والقدوة، فلا يجعل مكاناً للمقارنة والمقارعة فهي عدوة النجاح والتميز، فلكل فرد خلقه الله بأسلوب وتفكير وشخصية وسلوك تميزه عن غيره، ولكل طالب مفوض مهارات وقدرات تختلف عن الأخر وإن اتفقت في بعضها، كما تختلف  ايضاً أنماط التفكير فقد يكون ذو تفكير ناقد، أو إبداعي أو موضوعي أو إيجابي وآخر واقعي، كما أن هناك أنواع للشخصيات التي يتمتع بها الأفراد فإما أن تكون اجتماعية أو نرجسية او انطوائية أو عصبية وأخرى حساسة، وهنا يتمثل السفير الماهر في ترويض الشخصية الـمُحببة والمقبولة لبناء هذا الجيل، والذي قد تكون خليطة من تلك الشخصيات لتتناسب وحسب الموقف والظرف...! 

في المقابل يتصف السفير الـمُحنك ايضاً بأن يكون موضوعي صبور غير متحيز راغب محب يوزع الفرص المعنوية والمـــــــــاديــــــــــــــة بعدالة، متحمس متجاوب متواضع، يراعي مشاعر وأحاسيس الآخرين مانح للثقة والاحترام والحرية والتعبير، متفاعل مرن يبسط المعقد ويثبت البسيط، في سبيل خلق جيل قوي متسلح بالعلم الذي بمقدوره أن يواجه به معترك الحياة المستقبلية العلمية والعملية والمجتمعية وسينقله لمن بعده من الأجيال، في سبيل إيجاد جيل خالي من التعقيدات والأمراض النفسية المزمنة منفتح متنور نافع يقبل الرأي والرأي الآخر، قابل للتحديث والتجديد بما يتلاءم مع المرحلة والعصر، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويواكب التطورات التعليمية والعلمية، ولاءه وحبه وعشقه لوطنه، مغروس في اعماقه...!

الطالب والمحاضر هما السفيران وهما المفوضان، هما الحاضر والمستقبل، هم بناءة الوطن الحقيقيون، وهم درعه الميمون، هم سفراء لبلدانهم وهم الممثلين الفعليين لأوطانهم، هم المهابة والتوقير، هم بيارق ذلك البلد ونبراس العلم بين البذل والعطاء، بين الجد والاجتهاد، وعلى الطالب المفوض بذل كافة الجهود في سبيل تحقيق الغايات التي من أجلها قطع المسافات والقفار، وسهر الليالي الطوال، وعلى المحاضر أن يوقن أنه سفير لبلادة في جميع انحاء بلادة وسائر البلدان وعليه تذليل الصعاب في سبيل وصول الطالب لبرّ الأمان، فما أجمل أن تترك سيرة حسنة، ومآثر طيبة، وسلوكيات منك متوارثة، فترقيتك الحقيقية في الدنيا هي رفعتك عند طلابك وتقديرهم لك، وبالعلم الذي اكتسبوه وبالمهارات التي اجادوها فإن الله لا يضيع عمل عامل، ولا محاضرة محاضر ولا تدريب مدرب ولا يخيب أمل آمل ولا طالب نافع، والأهم من ذلك كله حسنات جاريات تلقى بها الله عزوجل لترتقي حقاً في جنات الخلد...!

فيصل أحمد الشميري

طالب دكتوراه – كلية علوم الأغذية والزراعة