من يوميات الشتاء بقلم: عبد السلام عابد
تاريخ النشر : 2019-04-23
من يوميات الشتاء

بقلم: عبد السلام عابد

أمطار الشتاء هذا العام ،كانت غزيرة ومتواصلة،وتخللتها ساعات دافئة وحارة، الأمر الذي أدى إلى نمو الأزهار والأعشاب، ويكاد الإنسان يختفي بين النباتات الطويلة ،والحشائش الكثيرة الكثيفة ،وهو يتجول في السهول والوديان والجبال .
ولا شك ، في أن هذا النمو للنباتات يشكل عامل إعاقة للمواطنين الذين يحرثون أرضهم، ويعتنون بأشجارهم، غير أنه يشكل مصدرا رئيسا للرعي، وغذاء المواشي والأنعام والكائنات الحية كلها .

بلادنا فلسطين حباها الله بالطبيعة الساحرة ، والمناخ المعتدل ، والفصول الأربعة، والتنوع الجغرافي ، وكرمها ربنا عز وجل،بأن جعل القدس عاصمة لها ، وأنها مسرى الرسول الأعظم محمد عليه السلام ، ومعراجه إلى السماوات العلا ، ووثق القلوب بحبها ، والإيمان الذي لا يرقى إليه شك ، بأنها لنا ، من الأزل إلى الأبد، وتشرفت أرضنا بسورة كاملة في محكم كتابه العظيم ،هي الإسراء، حيث بد أها بالآية الشريفة )سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، لنريه من آياتنا ،إنه هو السميع البصير) .
وستبقى قرارات الاحتلال و ترمب الغاشمة وتوقيعاته باطلة ومرفوضة.

( النهر...بقمصان الشتاء ( آخر رواية قرأتها ، للأديب الفلسطيني حسن حميد. إنها رواية تستحق القراءة ، شدتني بأحداثها ومضامينها وأسلوبها الأدبي الشائق .
الرواية تحدثت عن بلادنا وأهلنا ابتداءً، من ثلاثينيات القرن الماضي ، عبر تتبعها لمسيرة حياة شخصيات قصصية واقعية ، من أجيال متعددة ، وفيها نلمح التغيرات التي طرأت على وطننا ، خلال الاحتلال البريطاني، والنكبة عام ثمانية وأربعين ، والتشريد من القرى والمدن و الأرض الفلسطينية ، ولجوء مواطنين فلسطينيين إلى الجولان العربية السورية، مقابل القرى والأراضي الفلسطينية التي كانوا يسكنون فيها ، ويفلحونها بكل حب وسعادة .ثم واصل الغزاة المحنلون عدوانهم الغاشم ، وتمكنوا من احتلال الجولان وبقية فلسطين ، الأمر الذي سبب للمواطنين العرب تشريدا آخر.
تابعت حكايات شتيوي ودندي وسمعان وفتيحة والراهب والدير والشيخ صبيحي وغيرهم .
الرواية جميلة جدا، أتمنى من الجميع قراءتها ، فهي من الأرض وللأرض ولشعبها تقول: حافظوا على أرضكم. فهي مصدر السعادة والحب والطمأنينة ، والاستقرار والأمن والأمان ، والمكانة والاحترام، والكرامة في الحياة والممات .

كم مسافاتٍ مشت خطاه !!. وكم محطاتٍ توقف عندها قطاره الذي ظل يسير، على سكة الحياة، لما يزيد عن خمسة وستين عاما !!. بدأها من قريته الخضراء التي ترنو بعينيها إلى مرج ابن عامر ، والمدن والقرى الشامخة على رؤوس الجبال ، وليكون في القدس الشريف منتهاها ، حيث مسرى النبي محمد ، ومعراجه إلى السماوات العلا، على بعد خطوات من المسجد الأقصى المبارك الذي كان يفرح بزيارته، والإقامة في رحابه الطاهرة، ليؤدي صلاته ودعاءه.
تحدى الواقع الصعب ، وكان متألقا في دراسته ، وواصل تعليمه الجامعي بعصامية نادرة ، وجمع ما بين الدراسة والعمل، وحقق نجاحات كثيرة في حياته ، وكان محبوبا من أسرته وأقربائه وأصدقائه.
عمل في فلسطين والأردن والكويت والإمارات والسعودية .وكان حريصا على لم شمل أفراد أسرته في فلسطين ، وبنى منزلا للعائلة مطلا على المرج الأخضر، وكان يحلو له احتساء القهوة مع الأحبة في أماسي الصيف، ونهارات الشتاء .
قبل فترة وجيزة ، التقيت به، على قمة الجبل ، حيث كان يجمع نبات الزعمطوط والزعيت ماني والميرمية، ويستجم مع أفراد أسرته في الطبيعة الخلابة، وخلدنا هذه اللحظات بالصور ، وقال يومها : ما أجمل هذه الصخور، وما أروع بلادنا فلسطين .!!

شتاء هذا العام ، حمل في قلبه بذور أمل ورجاء بمواسم خصب واخضرار وعطاء .
منذ انبثاق الفجر ، والسماء تجود علينا بمائها الغزير ، وخيرها الكثير .ثمة رياح نشطة تسوق غيوما محملة بالغيث، يحفزها برق لامع ، ويستحثها رعد آمر ، فتستجيب باسمة ، والسعادة تسيل منها، ماء عذبا ،لذة للشاربين .
الأرض ارتوت، والقنوات سالت ، والأنهار الصغيرة سارت في مجاريها .
ولأن آذار شهر مختلف بميزاته الجميلة ، فقد قال عنه أجدادنا المجربون): آذار أبو الزلازل والأمطار....ساعة شمس ، وساعة أمطار ،وساعة مقاقاة الشنار).
اليوم عشت هذا النهار الآذاري الجميل ، ولم تمنعني أجواؤه الشتائية من الخروج ، بعيد العصر ، وممارسة رياضة المشي ، والتأمل والتقاط الصور الطبيعية الجميلة.
.
ويتجدد الأمل،كما تورق الأعواد اليابسة ، وكما تبرعم أزهار اللوز ، وتطرح ثمار الخير . وتتفتح القلوب التي أغلقت نوافذها كف الأحزان ، كما تشرق في أرضنا الورود ، وشقائق النعمان.