الحكومة الفلسطينية الثامنة عشرة نيسان 2019 بقلم: د. يوسف يونس
تاريخ النشر : 2019-04-23
الحكومة الفلسطينية الثامنة عشرة نيسان 2019 بقلم: د. يوسف يونس


الحكومة الفلسطينية الثامنة عشرة نيسان 2019

- الملخص – 

بقلم : د. يوسف يونس * –  22/4/2019

التحدي الاول : الانقسام الفلسطيني:

• تأتي هذه الحكومة في ظل وضع فلسطيني اكثر تعقيدا فقد اكتسب الصراع الفلسطيني الداخلي بعداً عسكرياً جعل من غير الممكن ان يصبح النظام السياسي الفلسطيني نظاماً ديمقراطيا شاملا يحكمه القانون، خاصة في ضوء تعطيل المؤسسات المنتخبة، ما أدى الى تعميق أزمة الثقة بين الشعب والقيادة ، التي ستفتقد القدرة على تجنيد الشارع لمواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية التي تشكل تهديداً حاضراً للمستقبل الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وإنهاء الاحتلال، ومع تزايد احتمالات تحول الانقسام الى انفصال بين جناحي الوطن.

• وهنا  يأتي التحدي الاهم امام الحكومة لابراز قدرتها السياسية على تجاوز هذه الازمة التي قد تعصف بالمشروع الوطني الفلسطيني وتنهي حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، والحنكة السياسية مطلوبة بصورة ملحة وخاصة في شخصية رئيس الحكومة الدكتور محمد اشتيه للتعامل بصورة اكثر ذكاء مع هذه الازمة بما يمنع تدهو الوضع الفلسطيني باتجاه انفصال جناحي الوطن.

التحدي الثاني : الوضع الاقتصادي :

• السلطة قادرة جزئياً على تحمل هذا العبء لفترة قد تتجاوز السنة إذا استمرت أطراف عربية ودولية في تقديم الدعم لها. لكن هذه القدرة ستأخذ في التضاؤل بعد ذلك وسيكون من غير المؤكد أن تنجح السلطة في فرض النظام والقانون أو توفير الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية لمعظم المناطق الفلسطينية وخاصة تلك التي تقع خارج المدن الرئيسية. كما أن تدهورا اقتصادياً فلسطينياً سيؤثر بشكل قوي على أوضاع قطاع غزة وسيؤدي لاختناق اقتصادي واسع وأزمة إنسانية واسعة النطاق وقد يؤدي ذلك لصراع عسكري واسع النطاق سيعمل على تفاقم هذه الأزمة الإنسانية بشكل أكبر. وهو الامر الغير متوقع في المرحلة الحالية.

• ويتوقع ان تلجأ الحكومة الفلسطينية الجديدة لتغطية هذا العجز من خلال اعتماد موازنة طوارئ، تعتمد فيها على رفع الايرادات من خلال زيادة الضرائب والرسوم وتقليص النفقات، وقد يكون هناك بدائل عربية أو دولية أخرى لأنّ البقاء على الشكل الحالي بوجود السلطة هو مصلحة أساسية لكافة الأطراف. 

التحدي الثالث - التحدي الخارجي : 

• على الرغم من ترويج إدارة الرئيس ترامب لما يسمى "صفقة القرن"، التي يبدو انها ستكون من اهم التحديات التي ستواجه الحكومة القادمة ، نظرا لانه هذه الإدارة هي الأكثر تحيزاً لإسرائيل منذ قيامها، اضافة الى نتائج الانتخابات الاسرائيلية التي انتجب تيارا يمينيا اكثر قوة وأكثر تشدداً ورفضاً للمطالب الوطنية الفلسطينية. كما أن الأجواء الإقليمية والعربية تبدو الأقل دعماً لتسوية سلمية نظراً للانشغال القوي بالتهديد الإيراني وبمحاربة الإرهاب. 

• وبالرغم من ان الشأن السياسي العام هو من اختصاص الرئاسة الفلسطينية الا ان تداخل الاوضاع على ارض الواقع سيجعل الحكومة مطالبة بالتعامل مع تلك التحديات بطريقة ابداعية وليس وفق الطرق التقليدية ، اي ان الحكومة مطالبة بالعمل والتعاون مع مؤسسة الرئاسة وليس الاتكال على محدودية صلاحياتها .

مستقبل الحكومة الفلسطينية  الثامنة عشر : 

• ستكون الحكومة بحاجة إلى اعتماد "مقاربة جديدة" فيما يتعلق بكيفية إنهاء الاحتلال والمفاوضات واتفاق أوسلو والتزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية، وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وإحباط "صفقة ترامب" والمخططات الاحتلالية، تسمح بمنح هامش مناورة اكبر امام الحكومة الجديدة، باعتبار انها حكومة سياسية محسوبة على حركة فتح. 

• وسيكون ملف قطاع غزة وانهاء الانقسام ملحا على طاولة الدكتور محمد اشتيه خاصة في ظل تلميحاته الكثيرة بالرغبة في انهاء الانقسام ، والمخاطر التي تهدد المشروع الوطني والتي تمثلها تفاهمات التهدأة في قطاع غزة ، ولعل الامكانيات السياسية التي يمتلكها الدكتور اشتيه ، والدعم الذي يحظى به من قبل حركة فتح ، قد تمنحه القدرة على احداث تغييرات في السياسات المتبعة تجاه قطاع غزة في المرحلة المقبلة بما يساعد على احداث اختراق في هذا الملف الاكثر صعوبة امام الحكومة الفلسطينية.

توصيات : 

1. إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام ، وضم كافة القوى الفلسطينية ضمن حل الرزمة الشاملة ، بما يحقق شراكة حقيقية،تعتمد على كافة القوى السياسية الفلسطينية سواء التنظيمات والاحزاب والشخصيات المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني.

2. توثيق العلاقات مع مصر والسعودية والأردن لخلق ائتلاف عربي-فلسطيني يكون مسؤولاً عن مواجهة خطة ترامب وطرح خطة عربية-فلسطينية مشتركة بديلة عن خطة ترامب تقوم على أساس البناء على ما تحقق سابقاً في المفاوضات وخطة السلام العربية. 

التاريخ : 20-4-2019م

الحكومة الفلسطينية الثامنة عشرة

نيسان 2019

 تحديات وافاق وتوصيات

بقلم الدكتور يوسف يونس / نائب رئيس مجلس ادارة مركز الناطور للدراسات والابحاث

مقدمة : 

• أدت الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة الدكتور محمد أشتيه اليمين القانونية أمام الرئيس محمود عباس مساء السبت 13-4-2019م، خلفاً لحكومة الدكتور رامي الحمد الله.

• ووقفت أسباب عدة وراء اختيار الدكتور اشتية لتشكيل الحكومة بهذا التوقيت، من أبرزها الجانب الاقتصادي والأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، إضافة إلى أنه شخصية توافقية داخل اللجنة المركزية لفتح وهو ما يعني إمكانية دعمه من قبل أطرها الداخلية.  

• وسنحاول من خلال الدراسة المرفقة دراسة ملامح تركيبة الحكومة الفلسطينية الثامنة عشرة برئاسة الدكتور محمد اشتيه ، للتعرف على التركيبة الفصائلية والعمرية والاكاديمية والمهنية والجغرافية لوزراء الحكومة .

• كما سنتطرق الى اهم التحديات التي ستواجه الحكومة ، على الصعيد الداخلي ، من جهة الانقسام والاقتصاد ، وعلى الصعيد الخارجي من جهة مواجهة صفقة القرن والحكومة اليمينية الاسرائيلية المقبلة. وصولا الى استعراض افاق المستقبلية للحكومة في مواجهة تلك التحديات سابقة الذكر.

• وفي نهاية التقرير سنقوم بتقديم عددا من التوصيات ، بناءا على اراء بعض الخبراء، نرجو ان نكون قد قدمنا في هذا التقرير الفائدة المرجوة لصناعة القرار الفلسطيني.

ملامح تركيبة الحكومة :

• استعرض الدكتور محمد اشتيّة الخطوط العريضة لبرنامج حكومته، المتمثلة بتحقيق الوحدة الوطنية، والتحضير للانتخابات التشريعية، ودعم عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، وتعزيز صمود المواطن على أرضه، والدفاع عن القدس، والنهوض بالاقتصاد الوطني، وتعزيز الشراكة ما بين القطاع العام والخاص والأهلي.

• حصلت حركة فتح على خمسة حقائب وزارية ، فيما حازت الفصائل الأخرى المشاركة على ثلاث حقائب وزارية (واحدة لكل من النضال الشعبي وحزب الشعب وحزب فدا)، بينما تولى بقية الحقائب الأربعة عشر شخصيات تحمل بند "الكفاءات"، منهم خمسة هم من كوادر حركة فتح وأطرها الحركية.

• سيكون رئيس الوزراء قائما بأعمال وزيري الداخلية والأوقاف حتى تعيينهما لاحقا، كما ستنقل وحدة التخطيط من وزارة الماليّة إلى مجلس الوزراء لتمكينها من الاطلاع على عمل جميع الوزارات لرسم الخطط والسياسات للحكومة. كما فُصلت وزارتا التعليم العالي والتربية والتعليم عن بعضهما، انطلاقا من توجه الحكومة لبذل اهتمام أكبر بتطوير التعليم في كل مستوياته، للوصول إلى تعليم نوعيّ والانتقال من التعليم إلى التعلّم. واستحدثت وزارة جديدة وهي وزارة الريادة والتمكين الاقتصادي التي ستُعنى بتمكين الخريجين الشباب والفئات المهمشة اقتصاديا، من أجل الانتقال من الاحتياج إلى الإنتاج. 

• شهدت الحكومة تغيرات واسعة، إذ ضمت 15 وزيرا جديدا إلى الحكومة، وحافظ خمسة وزراء من الحكومة السابقة على مواقعهم في الحكومة الجديدة (زياد أبو عمرو، نبيل أبو ردينة، رياض المالكي، وشكري بشارة، ورولا معايعة)، واثناء آخران كانا في الحكومات الاسبق (محمد اشتية واحمد مجدلاني).

• متوسط أعمار وزراء الحكومة الثامنة عشر برئاسة الدكتور محمد اشتية يبلغ 60 عاما، وأن أكبر الوزراء سناً خالد العسيلي (72 عاما) ويليه مروان عورتاني (70 عام)، فيما أصغر الوزراء سناً هو فادي الهدمي (45 عاما) وثم عاطف أبو سيف (46 عاما)، عشر وزراء أعمارهم ما بين (60-69 عاما)، والثمانية الاخرون في الفئة العمرية (50-59).

• أربعة وزراء يعملون في الجامعات الفلسطينية هم : مروان عورتاني، اسحق سدر، محمود أبو مويس، محمد زيارة، واثنان سفراء نصري أبو جيش ومي كيلة. 12 وزير حاصلون على درجة الدكتوراه في تخصصاتهم المختلفة كالهندسة والطب والعلوم السياسيةوالاقتصاد، ثلاثة وزراء حاصلون على درجة الماجستير، وسبعة وزراء حاصلون على درجة البكالوريوس. 7 وزراء مختصون في الاقتصاد والعلوم المالية، 6 وزراء مختصون في العلوم الاجتماعية "علوم سياسية وعلم اجتماع وعلم نفس تربوي وقانون)، 3 أطباء ، 5 مهندسين.

• 17 وزيرا من الضفة الغربية والقدس : 4 نابلس (رئيس الحكومة، الحكم المحلي ، العمل، النقل، اضافة الى امين عام مجل الوزراء)، 4 رام الله والبيرة (الصحة، الشؤون الاجتماعية، السياحة، المالية، 3 محافظة الخليل (الاقتصاد، الاتصالات، العدل)، 2 بيت لحم (نائب رئيس الحكومة ووزير الاعلام، الخارجية)، 2 محافظة جنين (التعليم العالي والزراعة)، 1 محافظة القدس (شؤون القدس)، 1 طولكرم (التربية والتعليم). خمسة وزراء من قطاع غزة نائب رئيس الوزراء ، الأشغال ،الريادة والتمكين الشبابي،المرأة ، وزارة الثقافة (نفس وزارة حكومة التوافق)(2 محافظة غزة، 2 محافظة شمال غزة ووزير من محافظة رفح).

• ثلاثة نساء في الوزراة ، الدكتورة كيلة (وزارة الصحة)، رولا معايعة (وزارة السياحة)، الدكتورة آمال حمد وزيرة شؤون المرأة) ( ). 

• اشارت معلومات انه لم يتم التوافق على وزير الأوقاف،حيث تم طرح قاضي القضاة محمود الهباش لتولي الوزارة،فيما ترفض حركة فتح ذلك ،كما لم يتم التوافق على وزير الداخلية ،حيث طرح للوزارة الحاج اسماعيل جبر مستشار الرئيس لشؤون المحافظات،واللواء زياد هب الريح رئيس جهاز الأمن الوقائي،لكن الخلاف ظل قائما حتى اللحظة.

تحديات الحكومة الفلسطينية:

• جاءت الحكومة الفلسطينية الثامنة عشرة في ظل ظروف صعبة ومعقدة تمر بها القضية الفلسطينية جعلت بانتظارها ملفات صعبة وشائكة مما يجعل طريقها محفوف بالمخاطر.في مواجهة خطة سلام أمريكية مرفوضة، وانقسام متصاعد نحو انفصال دائم، وأزمة اقتصادية ومالية تهدد بإيقاف عمل مؤسسات السلطة، وأزمة سياسية داخلية تتمحور حول مشروعية النظام السياسي.وتمثل كافة التحديات السابقة حقول ألغام في طريق الحكومة الجديدةستحتاج إلى الكثير من الجهود والتخطيط والعمل الجاد للتغلب على تلك التحديات.

التحدي الاول : الانقسام الفلسطيني:

• تسعى حركة فتح من وراء تشكيل الحكومة الحالية الى إحكام سيطرتها على المشهد السياسي في الضفة الغربية بصورة مباشرة ، بعد ان ابتعدت لفترة طويلة ، حيث تتطلب المرحلة المقبلة رئيس وزراء أكثر تسييساً، وذلك لأن تجربة التكنوقراط لم تكن ناجحة جدا.الا ان هذه الحكومة تستلم مهامها في أسوأ وضع للسلطة، وهذا ربما لن يساعد حركة فتح بالوصول لأهدافها، بل من الممكن أن يضرها بشكل كبير.وسيتحدد الحكم على الحكومة الجديدة بمقدار مساهمتها في توفير الأجواء التي تُمكّن من الوصول إلى الوحدة الوطنية.

• وبررت حركة "فتح" إقالة حكومة الوفاق الوطني بانتهاء مهامها وعدم تحقيق الأهداف التي شكلت من أجلها وهي توحيد المؤسسات في الضفة وغزة، بسبب الخلافات المستمرة بين حركتي "فتح" و"حماس" حول صلاحيات تلك الحكومة، وقد قادت تلك الخلافات إلى عدم تمكين تلك الحكومة من القيام بمهامها في قطاع غزة، وهو ما تسبب بانتهاء مهامها وعودة ملف المصالحة الفلسطينية إلى نقطة الصفر. ووصفت حركة "فتح" الحكومة الجديدة، بأنها صفحة جديدة في النضال الوطني الفلسطيني، وستقود حركة فتح هذا النضال في المرحلة المقبلة. وأكدت حركة "فتح" في بيان لها عقب أداء الحكومة الجديدة اليمين القانونية أن الحكومة الجديدة هي من اختصاص حركة "فتح"، داعية لدعم تلك الحكومة لإنجاز مهامها.

• وفي المقابل شددت حركة "حماس" أن أي حكومة جديدة بدون إجماع وطني هي فاقدة للشرعية وتعزز الانفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية، وتعد ضربة لجهود المصالحة الوطنية الفلسطينية.

• بدورها، علقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على عدم مشاركتها في حكومة أشتيه الجديدة، بالتأكيد أن الحالة الفلسطينية الراهنة تتطلب رص الصفوف وتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة، تنهي حالة الانقسام، وتوقف الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية السابقة برئاسة الحمد الله بحق قطاع غزة، خاصة فيما يتعلق بالرواتب والصحة والتعليم، والتوحد في مواجهة "صفقة القرن" التي تعمل واشنطن على تسويقها حالياً بهدف تصفية القضية الفلسطينية.

• واعتبرت الجبهة الديمقراطية ان الوضع الفلسطيني معقد للغاية خاصة في ظل عزم الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترمب طرح "صفقة القرن"، وحديث رئيس وزراء دولة الاحتلال عن نيته ضم الضفة الغربية لما يسمى بالسيادة الإسرائيلية. ولذلك فان تشكيل أية حكومة فلسطينية بدون توافق وطني، سيكون من الصعب عليها إنجاز الملفات الموكلة لها خاصة فيما يتعلق بالانتخابات، وتوحيد المؤسسات الفلسطينية وإنهاء الانقسام، ونحن ومعظم الفصائل الفلسطينية طالبنا بحكومة إنقاذ وطني تخرج الوضع الفلسطيني من الحالة الصعبة الحالية.

• وانتقد معارضون تركيبة الحكومة وشككوا في إمكانية نجاحها في التعاطي مع تحديات المرحلة القادمة، التي أقل ما توصف به أنها مرحلة الصدام المباشر بين الفلسطينيين ومهندسي "صفقة القرن". خاصة وانها اعتمدت على فصائل صغيرة مما عزز التخوفات ان هذه التشكيلة لن تكون قادرة على مواجهة التحديات القادمة، في مرحلة خطيرة تمر بها القضية الفلسطينية وتحتاج الى دعم شعبي وفصائلي واسع. كما انها خلفت انقساما داخل هذه الفصائل وأدخلتها في حالة من التمزق، وعمقت الانقسام داخل مؤسسات منظمة التحرير، وأبعدت فرص وآمال التلاقي وتعزيز الوحدة الوطنية. 

• وتأتي هذه الحكومة في ظل وضع فلسطيني اكثر تعقيدا فقد اكتسب الصراع الفلسطيني الداخلي بعداً عسكرياً جعل من غير الممكن ان يصبح النظام السياسي الفلسطيني نظاماً ديمقراطيا شاملا يحكمه القانون، خاصة في ضوء تعطيل المؤسسات المنتخبة، ما أدى الى تعميق أزمة الثقة بين الشعب والقيادة ، التي ستفتقد القدرة على تجنيد الشارع لمواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية التي تشكل تهديداً حاضراً للمستقبل الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وإنهاء الاحتلال ( ).

• كما شكل حل المجلس التشريعي ضربة، ليس فقط لفرصة المصالحة الداخلية، بل أيضاً لفرصة بلورة حل دستوري للمرحلة المقبلة، يكون مقبولاً على كافة الاتجاهات الممثلة للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ، وخارجيا على مستوى العالم. وسيزيد من فرص حصول صراع داخلي مسلح سيشكل ضربة قاسية للحركة الوطنية، وسيجعل من السهل على الأطراف الخارجية إن تتدخل بقوة لفرض أجندتها على الفلسطينيين ( ).

• ولذلك فان امام هذه الحكومة تحدي تقليل حالة الاحتقان الداخلي، وإن لم يكن قادرا على عمل اختراقات، على الأقل يكون قادرا على التخفيف من حالة التدهور والانقسام الذي يتحرك نحو الانفصال. خاصة وإن فرض العقوبات على قطاع غزة وحل المجلس التشريعي واستبدال حكومة الوفاق ستعزز من فرص فصل قطاع غزة عن السلطة الفلسطينية وتعزيز سيطرة حماس على القطاع بهدف منع الوصول لانهياره وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية مما قد يمنع تدهور الأوضاع نحو حرب واسعة بين إسرائيل وحماس او تحول القطاع لقاعدة للإرهاب ضد مصر وإسرائيل.فالتوصل لترتيبات طويلة الأمد بين حماس واسرائيل قد يدفع السلطة الفلسطينية للمزيد من العقوبات بما في ذلك التوقف عن دفع الرواتب أو تقديم الخدمات في مختلف المجالات المدنية كالتعليم والصحة وغيرها. سيؤدي كل ذلك سريعاً إلى الانفصال الدائم بين جناحي الوطن بغض النظر عن نوايا كافة الأطراف المسؤولة عن وصول الوضع لهذه الحالة. 

• وهنا  يأتي التحدي الاهم امام الحكومة لابراز قدرتها السياسية على تجاوز هذه الازمة التي قد تعصف بالمشروع الوطني الفلسطيني وتنهي حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، والحنكة السياسية مطلوبة بصورة ملحة وخاصة في شخصية رئيس الحكومة الدكتور محمد اشتيه للتعامل بصورة اكثر ذكاء مع هذه الازمة بما يمنع تدهو الوضع الفلسطيني باتجاه انفصال جناحي الوطن.

التحدي الثاني : الوضع الاقتصادي :

• تواجه الحكومات الفلسطينية المتعاقبة تحديات اقتصادية بسبب ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، واعتماده على المساعدات الدولية ، ما جعل السلطة الفلسطينية عرضة للابتزاز الخارجي. 

• وستواجه الحكومة الفلسطينية القادمة تحديات اقتصادية مختلفة، خاصة في ظل عدم استقلالية الاقتصاد الفلسطيني، وسيطرة إسرائيل على دينامية واتجاهات التجارة الخارجية وقوة العمل الفلسطينية. وما يزيد الضغوط الخارجية، وفي مقدمتها الأميركية، حاجة السلطة الفلسطينية لمساعدات مالية شهرية تقدر بنحو 150 مليون دولار. وهناك تحديات لا تقل أهمية عن سابقاتها، تتمثل في معدلات البطالة التي وصلت إلى أكثر من 20 % في الضفة الغربية، ونحو 60 % في قطاع غزة ، فضلاً عن معدلات الفقر المرتفعة التي وصلت إلى 65 % في قطاع غزة، هذه النسبة ستكون مرشحة للزيادة نتيجة الظرف الحالي الذي تمر به السلطة، والتغيرات الخاصة بالعلاقة مع إسرائيل التي تقوم على الشق المادي، وكذلك العلاقة مع أمريكيا والإجراءات المالية التي اتخذتها ضد كل المشاريع الممولة أمريكيّاً ( ).

• وتختلف ظروف عمل الحكومة الفلسطينية الجديدة عن سابقاتها من حيث الوضع المحلي والإقليمي واحتجاز إسرائيل أموال الضرائب الفلسطينية ووضع شروط عليها. حيث أعلنت السلطة الفلسطينية في فبراير الماضي أنها أعادت أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها إسرائيل نيابة عنها لخصمها 41 مليون و 800 ألف شيكل منها. وتم ذلك بموجب قرار إسرائيل في 17 فبراير الماضي اقتطاع مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء التي تدفعها السلطة الفلسطينية من أموال عائدات الضرائب. ولجأت إسرائيل في عدة مناسبات خلال السنوات الماضية إلى الاقتطاع من أموال الضرائب الفلسطينية أو حجز صرفها لعدة أشهر تحت مبررات مختلفة. 

• لكن ما يميز هذه الحالة عن سابقاتها تكمن في تزامنها مع تعرض السلطة الفلسطينية لحصار مالي تفرضه الإدارة الأمريكية في كافة القطاعات، وتراجع المساعدات المالية المقدمة لها بنحو 70 في المائة. وتواجه السلطة الفلسطينية خطر تزايد العجز المالي في موازنتها إلى 700 مليون دولار، في ظل محدودية الموارد والإيرادات، مما يضعها في حالة من التحدي أمام إمكانياتها في الإيفاء بالتزاماتها. وسيقيد قدرة السلطة على دفع الرواتب أو توفير خدمات أساسية اجتماعية وأمنية. 

• ولقد جاء اختيار اشتية لرئاسة الحكومة كونه شخصية اقتصادية، والتحدي الاهم هو "الأزمة الاقتصادية" الضاغطة، إضافة لذلك هو شخصية أكاديمية، ولديه من المؤهلات ما يساعده على التعامل بصورة جيدة مع الازمة. وستكون المهمة الرئيسية التي تقع على عاتق الحكومة الجديدة هي تمكين المجتمع الفلسطيني من خلال تحسين الخدمات وتعزيز اللحمة بين القيادة والجمهور لمواجهة الضغوط المتوقع زيادتها من الاحتلال الإسرائيلي لاسيما توسيع الهجمة الإستيطانية والانتهاكات الاحتلالية والعقوبات الاقتصادية.

• ومن المؤكد أن السلطة قادرة جزئياً على تحمل هذا العبء لفترة قد تتجاوز السنة إذا استمرت أطراف عربية ودولية في تقديم الدعم لها. لكن هذه القدرة ستأخذ في التضاؤل بعد ذلك وسيكون من غير المؤكد أن تنجح السلطة في فرض النظام والقانون أو توفير الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية لمعظم المناطق الفلسطينية وخاصة تلك التي تقع خارج المدن الرئيسية. كما أن تدهورا اقتصادياً فلسطينياً سيؤثر بشكل قوي على أوضاع قطاع غزة وسيؤدي لاختناق اقتصادي واسع وأزمة إنسانية واسعة النطاق وقد يؤدي ذلك لصراع عسكري واسع النطاق سيعمل على تفاقم هذه الأزمة الإنسانية بشكل أكبر. وهو الامر الغير متوقع في المرحلة الحالية.

• حيث يستبعد المراقبون ان يكون الهدف من تلك الاجراءات الدفع باتجاه انهيار السلطة الفلسطينية، فالاجراءات "ابتزازية" لن تمس بقدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها كاملة وقدرتها على تقديم خدمات مقنعة وكافية للناس، وهو ما يعني إبقاء وضع السلطة على الحد، بمعنى عدم انهيار وفي ذات الوقت عدم الاستقرار، حتى تظل السلطة الفلسطينية واقعة تحت ضغط الاحتياجات اليومية وكيفية إدارة الأزمة المالية الداخلية وعدم التفرغ لأي خطوات سياسية واستراتيجية ( ). 

• لذلك يتوقع ان تفتح إسرائيل أو أمريكيا المجال لتعويض هذا النقص من خلال بعض الدول سواء الاتحاد الأوروبي أو بعض الدول العربية للحفاظ على حالة الهدوء.  هناك حالة واحدة قد تسعى من خلالها إسرائيل وأمريكيا إلى إنهاء السلطة؛ وهي عندما تنضج صفقة القرن ويكون هناك حاجة لتغيير النظام السياسي كاملاً، فإنها قد تذهب باتجاه إنهاء الواقع الحالي واستبداله بهيكلية أخرى تتناغم وما تريد، وهذا لن يكون في هذه الفترة ( ).

• ويتوقع ان تلجأ الحكومة الفلسطينية الجديدة لتغطية هذا العجز من خلال اعتماد موازنة طوارئ، تعتمد فيها على رفع الايرادات من خلال زيادة الضرائب والرسوم وتقليص النفقات، وقد يكون هناك بدائل عربية أو دولية أخرى لأنّ البقاء على الشكل الحالي بوجود السلطة هو مصلحة أساسية لكافة الأطراف. 

التحدي الثالث - التحدي الخارجي : 

• لا شك إن الفشل في إنهاء الاحتلال وبناء دولة فلسطينية مستقلة يمثل التحدي الأكبر للحركة الوطنية الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو، ذلك لأنه حرم الشعب الفلسطيني من نيل حريته وسيادته وتقرير مصيره على أرضه، ومن استغلال مصادر ثروته وتطوير بلده واقتصاده، وجعل ممكناً للاحتلال الإسرائيلي أن يتعزز بمضاعفة عدد المستوطنين أكثر من مرة. 

• ويشير ذلك بوضوح إلى المأزق الصعب الذي تجد الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها فيه. فقد جرت هذه المفاوضات مع أحزاب إسرائيلية من كافة أطراف الطيف السياسي الإسرائيلي، وفي ظل رعاية أمريكية ودولية متنوعة تحت إدارات جمهورية وديمقراطية، يشكل انحيازها لإسرائيل مصدر تقوية وتعزيز لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتشكل مكانتها الدولية تهديداً لقدرة السلطة الفلسطينية على استخدام النظام والقانون الدولي كأداة فعالة في إنهاء الاحتلال ( ). 

• وتستخدم الولايات المتحدة معونتها الاقتصادية للسلطة كأداة ضغط لتغيير سياساتها وإجبارها على التخلي عن بعض الخيارات المتاحة لها، كما كان الحال لفترة طويلة فيما يتعلق بانضمام فلسطين للمحكة الجنائية الدولية، أو كما هي الحال اليوم فيما يتعلق بالجهود الأمريكية في العملية السلمية والإيقاف الكامل للمعونة الأمريكية بسب رفض الطرف الفلسطيني الالتقاء بالإدارة الأمريكية منذ الإعلان الأمريكي عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون أول (ديسمبر) 2017. 

• وعلى الرغم من ترويج إدارة الرئيس ترامب لما يسمى "صفقة القرن"، التي يبدو انها ستكون من اهم التحديات التي ستواجه الحكومة القادمة ، نظرا لانه هذه الإدارة هي الأكثر تحيزاً لإسرائيل منذ قيامها، اضافة الى نتائج الانتخابات الاسرائيلية التي انتجب تيارا يمينيا اكثر قوة وأكثر تشدداً ورفضاً للمطالب الوطنية الفلسطينية. كما أن الأجواء الإقليمية والعربية تبدو الأقل دعماً لتسوية سلمية نظراً للانشغال القوي بالتهديد الإيراني وبمحاربة الإرهاب. 

• الا انه وفي المقابل نجد ان تدهور العلاقات الأميركية الفلسطينية ، كما يظهر في وقف الاتصالات السياسية، وقطع المساعدات الأميركية البالغة 840 مليون دولار، وسط احتمال تدهور أكثر وعقوبات أميركية أخرى في حال طرحت إدارة ترامب الصفقة المرتقبة.  حيث انه من المؤكد أن الطرف الفلسطيني سيرفض تلك المقترحات الأمريكية ، مما سيؤدي الى اجراءات عقابية أمريكية ستضر بالسلطة الفلسطينية وقدرتها على تقديم الخدمات لشعبها وقد تخلق أجواء تعطي ضوءاً أخضر لإسرائيل لضم مناطق استيطانية ولتوسيع الاستيطان بشكل يقضى نهائياً على فرص حل الدولتين.ومن الجدير بالذكر فكما فإن مقاطعة السلطة الفلسطينية للقاءات مع الإدارة الأمريكية قد ادى الى الحد بصورة كبيرة من قدرة السلطة على التأثير على الخطوات الأمريكية ( ). 

• ومن ابرز التحديات التي ستواجهها الحكومة الفلسطينية في المرحلة المقبلة اتجاه إسرائيل نحو المزيد من التطرّف والعدوان في ضوء نتائج الانتخابات، وبالتالي فان الرهان على إعادة الأموال المقتطعة بعد الانتخابات الإسرائيلية على الأرجح سيكون "رهان خاسر"، لأن أي حكومة إسرائيلية مهما كانت تركيبتها لا يمكن أن تتجاوز القانون الذي أقرّه الكنيست في تموز/ يوليو 2018. وخشية من انهيار السلطة، يمكن أن تقوم الحكومة القادمة في إسرائيل بإيجاد مخارج أخرى، ولكن في سياق استكمال تحويل السلطة إلى سلطة إدارية أمنية اقتصادية سقفها حكم ذاتي. 

• وستواجه الحكومة الفلسطينية المقبلة النشاط الاستيطاني، الذي ازدادت وتيرته في ظل حكومة نتنياهو ، إذ تشير المعطيات إلى ارتفاع عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية إلى نحو 670 ألف مستوطن إسرائيلي في بداية العام الحالي 2019، في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ويقيمون في 196 مستوطنة و120 بؤرة استيطانية، ولم تخفِ إسرائيل المخططات الاستراتيجية حول القدس، والتي تهدف إلى مصادرة القسم الأكبر من مساحتها وعقاراتها ومحالها التجارية، وجعل العرب أقلية في مدينتهم، بحيث لا تتجاوز نسبتهم 12 في المئة من سكانها بحلول عام 2020. وهو الامر الذي يأتي على حساب الارض الفلسطينية التي يتم مصادرتها ما يؤدي الى سحب شرعية وجود السلطة الفلسطينية من امام شعبها خاصة في ضوء عدم قدرتها على توفير الحماية لهم امام الهجمات والاجراءات الاسرائيلية العدوانية ( ).

• وبالرغم من ان الشأن السياسي العام هو من اختصاص الرئاسة الفلسطينية الا ان تداخل الاوضاع على ارض الواقع سيجعل الحكومة مطالبة بالتعامل مع تلك التحديات بطريقة ابداعية وليس وفق الطرق التقليدية ، اي ان الحكومة مطالبة بالعمل والتعاون مع مؤسسة الرئاسة وليس الاتكال على محدودية صلاحياتها .

مستقبل الحكومة الفلسطينية  الثامنة عشر : 

• الاشكالية الهيكلية التي يشهدها النظام السياسي الفلسطيني، وخاصة بعد وقوع الانقسام، اعادت النظام السياسي الفلسطيني الى "النظام الرئاسي" ، فقد عادت الكثير من السلطات والصلاحيات بيد الرئيس ، الذي اصبح يحدد للحكومة البرنامج السياسي وتخضع للمساءلة والمحاسبة من الرئيس في غياب التشريعي.

• ستكون أبرز المهام التي تنتظر الحكومة، الملف الاقتصادي، إضافة إلى بعض الملفات الداخلية، في حين أن المهام السياسية وملف المصالحة لا تزال بيد الرئيس الفلسطيني ولن تتمكن الحكومة من التعامل معها إلا من خلاله.وعلى الرغم من شخصية اشتية التكنوقراطية، والأكاديمية، إلا أن هناك خشية من عدم قدرته على التأثير في ملف المصالحة، بل الإبقاء على الواقع الفلسطيني الداخلي كما هو عليه الآن. وطالما ان فرصة الحكومة لتحقيق المهام الموكولة على الصعيد الداخلي بإتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام والتحضير للانتخابات، تبدو مستحيلة لأن القضيتين مكملتين لبعضهما، ولذلك يتوقع ان تعمل الحكومة بجهود أكبر في المساحة والهامش المتاح لها في ملف الخدمات الداخلية والأوضاع الاقتصادية كالصحة والتعليم وما يتضمنه ذلك من إمكانية لجسر الفجوة التي اتسعت مؤخرا بين السلطة الفلسطينية والجمهور في الشارع الفلسطيني.

• ستكون الحكومة بحاجة إلى اعتماد الرئيس والقيادة الفلسطينية "مقاربة جديدة" فيما يتعلق بكيفية إنهاء الاحتلال والمفاوضات واتفاق أوسلو والتزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية، وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وإحباط "صفقة ترامب" والمخططات الاحتلالية، تسمح بمنح هامش مناورة اكبر امام الحكومة الجديدة، باعتبار انها حكومة سياسية محسوبة على حركة فتح. 

• سيكون ملف قطاع غزة وانهاء الانقسام ملحا على طاولة الدكتور محمد اشتيه خاصة في ظل تلميحاته الكثيرة بالرغبة في انهاء الانقسام ، والمخاطر التي تهدد المشروع الوطني والتي تمثلها تفاهمات التهدأة في قطاع غزة ، ولعل الامكانيات السياسية التي يمتلكها الدكتور اشتيه ، والدعم الذي يحظى به من قبل حركة فتح ، قد تمنحه القدرة على احداث تغييرات في السياسات المتبعة تجاه قطاع غزة في المرحلة المقبلة بما يساعد على احداث اختراق في هذا الملف الاكثر صعوبة امام الحكومة الفلسطينية.