فصحاً خالداً.. والشيء بالشيء يذكر
تاريخ النشر : 2019-04-23
فصحاً خالداً.. والشيء بالشيء يذكر


فصحا خالدا .. والشيء بالشيء يذكر22-4-2019
بقلم : حمدي فراج
في المطلع ، أتقدم الى الاخوة والاخوات المسيحيين والمسيحيات بأجمل آيات التهنئة بحلول عيد الفصح على التقويمين الغربي والشرقي (لاتين وأرثذوكس) في فلسطين التاريخية .
لم يفاجأني كثيرا انه عندما دخل مكتبي قبل حوالي اربعين سنة بالتمام والكمال انه من عائلة قمصية ، بمعنى انه مسيحي ، في خمسينيات عمره ، يرتدي حطة وعقال ، كذلك لم يفاجأني انه هنا للابلاغ عن هدم منزله على اول ناصية في المدينة العريقة بعد اعتقال ابنه "وليد" ضمن خلية لحركة فتح ، لكن أكثر ما فاجأني انه عندما وضع يده في يدي للسلام ، انها كانت صلبة خشنة كأيادي فقراء المسلمين ، أبقيت ممسكا عليها برهة استدعاء قصيدة محمود درويش الشهيرة "سجل انا عربي" في مقطعها : على رأسي عقال فوق كوفية / وكفي صلبة كالصخر / تخرمش من يلامسها " ، ساءلت نفسي ، إن كان محمود درويش يقصد "ابو وليد" في قصيدته تلك ، ولكن هذا من بيت ساحور ، ومحمود درويش من الداخل ، والاهم ان "ابو وليد" مسيحي من عائلة قمصية . بادرته تفضل اجلس يا عم ابو وليد ، فصححني قبل ان ينفجر : أبو أنور . لقد بنيتها بيدي هذه حجرا حجرا ، مهنتي "دكّيك" ، أي حجّار ، عيب اكون حجار ، واستدعي حجارا آخر لبناء منزلي ، واليوم أراه ينهار أمامي دفعة واحدة ، معه انهارت امالي واحلامي واجمل ايام حياتي ، لم يهمني الحكم على وليد ست سنوات ، ففلسطين كي نستردها لا بد من التضحية من أجلها ، ولكن ما ذنب المنزل الذي بنيته مدماكا على مدماك وحجرا على حجر ، هل لمجرد ان وليد يسكن فيه يكون هذا مبررا لهدمه ؟ فأين يذهب اخوة وليد وأخواته وأمه ؟
- وأين انور ؟ "الابن البكر" ، بادرته لاخفف من من وطأة اللحظة .
- في بيروت ، مع المقاومة . وأردف : كم انا فخور به وبالمقاومة ، وتذكرت "سعيد" في "عائد الى حيفا" عندما تنكر له ابنه "خلدون" من انه اصبح "دوف" ، تذكر ابنه خالد الذي انضم للمقاومة حديثا ، قائلا له : انت عاري ، وخالد من سيغسله .
عاد أنور الى بيت ساحور مع العائدين في اتفاقية السلام قياديا في الجبهة الديمقراطية ، بعد ان كان ابيه قد رحل ، وفي السلام عليه ، عرفني الى ابنه "سامر" وزوجته المسلمة : انها بنت مخيم ، مثلك مثلها ، من عين الحلوة .
لكل هؤلاء الاصدقاء ، زملاء الدراسة والعمل ، رفاق النضال والقيد الذي لم يلو سواعدهم ولم يحن هاماتهم ولم يثن موقفهم ، متمنيا لهم ولعائلاتهم الصغيرة والممتدة في الوطن والشتات ، فصحا خالدا ومجيدا على طريق الحرية والاستقلال .