الإستراتيجية التنموية المركزية: تجربة إقتصادية ناجعة و ناجحة بقلم: فؤاد الصباغ
تاريخ النشر : 2019-04-22
الإستراتيجية التنموية المركزية: تجربة إقتصادية ناجعة و ناجحة بقلم: فؤاد الصباغ


الإستراتيجية التنموية المركزية: تجربة إقتصادية ناجعة و ناجحة

مما لا شك فيه تعد إستراتيجيات التنمية الإقتصادية و مخططاتها الإستشرافية في مجملها من أهم الركائز الأساسية للإقتصاديات الوطنية في معظم دول العالم. فالرؤية الإستشرافية البعيدة الأمد قصد تحقيق أهدافا معينة و في وقتا معين طبقا للمكاسب الوطنية و الموارد المالية المتوفرة أو لبرامج مستقبلية مزمع إنجازها في البنية التحتية و التي تمثل في جوهرها القاعدة الأساسية لتنفيذ المخططات التنموية منها الرباعية أو الخماسية. كما تتفرع إستراتيجيات التنمية إلي ثلاثة أنواع رئيسية و هي كتالي الإستراتيجية التنموية الرأسمالية الليبرالية و الإستراتيجية التنموية اللامركزية لتحقيق الحاجيات الأساسية و الإستراتيجية التنموية المركزية و المعروفة بالإستراتيجية التنموية الإشتراكية. فهذه الأخيرة تعتبر من أهم الإستراتيجيات التنموية نظرا لأنها تساهم بصفة ناجعة و ناجحة في تحقيق العدالة الإجتماعية و في توزيع الثروة الوطنية علي كافة أفراد المجتمع. إن مركزية القرار الإقتصادي المختزل لدي القطاع العام الحكومي يمثل أفضل بديل لتلك الإقتصاديات الرأسمالية السيئة و التعيسة داخل الدويلات الصغيرة التي يدريها لوبي رجال المال و الأعمال. بالتالي نلاحظ أينما وجدت السياسات الإقتصادية الليبرالية و الرأسمالية خاصة بالبلدان الفقيرة ذات الإقتصاد الوطني الهش نجد الأزمات المالية و الإحتجاجات الشعبية.

إن التنمية الإقتصادية في الدول الفقيرة تحتاج إلي عناية و إهتمام أكبر من تلك المنجزة في الدول الغنية. بالتالي نظرا للإفتقار للبنية التحتية المتطورة و المواد الأولية اللازمة لمجابهة المتغيرات العالمية أو لتغطية هشاشة المنظومة المالية و البنكية تكون في المقابل نظريات تطبيق الإقتصاد الإشتراكي الماركسي هي الأفضل في محتواها و أهدافها المستقبلية. فالتنمية في مفهومها الكلي لا تعني فقط تحقيق نمو إقتصادي جزئي بل هي تشمل أيضا الشريان الحيوي للإقتصاد الكلي بحيث تتفرع إلي تنمية مالية, صناعية, تجارية و أيضا إلي تنمية مستدامة. ففي هذا الإطار يجب تحديد القاعدة الإقتصادية الأساسية و تحديد الإمكانيات المالية المتوفرة لتلك الدول الفقيرة لمجابهة إندماجها في تكتلات الفضاء التجاري و المالي المشترك. فبالنتيجة إذا كانت تلك الإقتصاديات تعاني بالفعل من هشاشة هيكلية في بنيتها التحتية منها المالية و المصرفية, فلا يمكنها بأي حال من الأحوال مجابهتها للقدرة التنافسية الشرسة في الأسواق العالمية نظرا للضرر الذي يمكن أن تتكبده مؤسساتها و شركاتها الصناعية و لو أنها تعتمد علي السياسات الجمركية الحمائية.

 فمن أهم تلك التجارب التنموية الإشتراكية بالوطن العربي نذكر بالأساس التجربة الليبية في عهد حكم العقيد معمر القذافي و العراقية في عهد حكم صدام حسين و التجربة الحالية بالجزائر و سورية. إذ في هذا الصدد كانت الأسعار للسلع الإستهلاكية منخفضة جدا داخل المنظومة الإقتصادية لتلك الأنظمة الحاكمة بحيث كانت المنتجات الأساسية كالخبز و السكر و الملح و الحليب تحظي بالدعم الحكومي عبر صناديق التعويض. أيضا نذكر تجربة دولة الجزائر الشعبية الديمقراطية التي توفر لمواطنيها إستهلاك الماء الصالح للشراب بصفة مجانية و أيضا العديد من الخدمات الأخري المجانية كالتعليم و الصحة و غيرها من الفوائد و المنح الحكومية. إن الإستراتيجية التنموية المركزية أو بالأحري الإشتراكية تحقق للطبقات الإجتماعية الفقيرة الرخاء و الإزدهار بحيث تساهم صناديق الدعم و التعويض في تقليص نسبة الفقر بين الأفراد و الجهات و تساهم في تحفيز التنمية الإقتصادية منها إنشاء الصناعات الثقيلة العملاقة و التي تشغل الآلاف من العاطلين. إن المأساة الحقيقية لتلك الشعوب الثائرة في الدول الرأسمالية عبر إحتجاجاتها المتتالية تبرهن للعالم كله عن مدي السخط و التذمر الشعبي من تلك الأنظمة الليبرالية التعيسة و التي كرست مبدأ المحسوبية و دعم الطبقات الغنية علي الفقيرة بحيث زادت نسب البطالة و الفقر بتلك البلدان مع الغياب الكلي لأبسط الحقوق الشعبية ماديا و معنويا.

إن التجربة الإقتصادية الحالية لأغلب دول العالم أثبتت فشل تلك السياسات الإقتصادية الرأسمالية التحررية بحيث كانت نتائجها وخيمة علي جميع الأصعدة و التي ساهمت بالنتيجة في بروز كوارث إجتماعية حقيقية مع تزايد سلسلة الأزمات المالية المتتالية نذكر منها خاصة سيناريو أزمات الديون السيادية بدول أمريكا اللاتينية أو الأزمات المصرفية بدول جنوب شرق آسيا. أيضا تكون أغلب الأسعار للمواد الإستهلاكية مرتفعة جدا بتلك الأنظمة الحاكمة الليبرالية مع غياب الدعم للمواد الأساسية بحيث ترهق الضرائب الجبائية علي المداخيل و زيادة الأسعار مع إنخفاض الأجور عبء مصاريف إضافية علي الطبقات الإجتماعية الفقيرة مما تنتج بالنتيجة تلك الإحتجاجات الشعبية المطالبة بتحقيق "العدالة الإجتماعية و التوزيع العادل للثورة الوطنية".

إذا تعد إستراتيجية التنمية الإقتصادية المركزية بالدول الفقيرة في جوهرها الضامن الرئيسي لإستقرار و لإزدهار تلك الدول و رخاء شعوبها المهمشة و المحتاجة. بالتالي تتلخص هذه الإستراتيجيات التنموية في التوزيع العادل للثروة الوطنية بالتساوي علي جميع أفراد المجتمع, تدخل الدولة مباشرة في جميع القطاعات الحيوية الإقتصادية, إعتماد القطاع العام كمحرك رئيسي للتنمية, ضبط الأسعار بالأسواق مع توفير الدعم للمواد الأساسية, تحديد سعر صرف عملة مستقر من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية, و توفير التعليم العام المجاني, الصحة المجانية و النقل المجاني. 

إن أغلب دول العالم الفقيرة غير قادرة علي تحمل عبء تطبيق النظريات الرأسمالية التي لا تراعي للحد الأدني من مصالح الطبقات الإجتماعية المهمشة و المحتاجة و تقتصر مزاياها فقط علي تلبية الحاجيات الأساسية لقلة قليلة من أفراد المجتمع تختزل في دائرة رجال المال و الأعمال. كما لا يمكن أيضا بتحرير الأسعار و الأسواق في منظومة تعاني بدورها من الهشاشة المالية و الهيكلية و غير قادرة علي مجابهة المصاعب و الأزمات الإقتصادية التي تتكبدها في عجز ميزانياتها بحيث تتحول تلك العوائق و السلبيات في معظمها إلي ثورات إحتجاجية نتيجة لتدهور المقدرة الشرائية و الظروف المعيشية السيئة جدا و البطالة طويلة الأمد و التشغيل الغير قار بأجور زهيدة. 

عموما تعد الإستراتيجية التنموية المركزية أفضل تجربة إقتصادية ناجعة و ناجحة بحيث تساهم في تقليص نسبة الفقر بين الطبقات و الجهات و في تحقيق العدالة الإجتماعية عبر التوزيع العادل للثروات الوطنية. أيضا تساهم في القضاء علي البطالة الطويلة الأمد و علي الإستغلال التعسفي لليد العاملة الكادحة من قبل تلك الدائرة من رجال المال و الأعمال التي لا تراعي أبسط الحقوق لتلك الطبقات الفقيرة. كما تساهم أيضا في القضاء علي ظاهرة التشغيل بالتعاقد و الغير قار الذي يبتز حقوق الإطارات العاملة منها حقها في التغطية الإجتماعية و غيرها من الحقوق الوطنية. بالتالي تكون لتوزيع الثروة الوطنية علي مختلف الطبقات الإجتماعية نتائج إيجابية تسمح للدولة بتحقيق نمو إقتصادي جيد و إنجاز قفزة نوعية علي مستوي تطوير البنية التحتية. كما تقضي بصفة نهائية علي تلك الثورات الإجتماعية و التي كانت معبرة بكل وضوح للعالم كله من خلال العصيان المدني و التمرد الشعبي عن مدي سخطها الكامل و عدم رضاها الشامل علي تلك الأنظمة الرأسمالية السيئة التي سلبت أغلب حقوقهم الوطنية.