مفارقة نوتردام والمسجد الأقصى بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2019-04-22
مفارقة نوتردام والمسجد الأقصى بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة

مفارقة نوتردام والمسجد الأقصى

عمر حلمي الغول

كان حريق كاتدرائية نوتردام التاريخية، والتحفة الفنية، والمنارة السياحية الأهم في فرنسا في مساء الخامس عشر من نيسان / إبريل الحالي (2019)، والذي إستمر حتى فجر السادس عشر من الشهر، على مدار ثلاثة عشر ساعة، حدثا هز فرنسا والعالم قيادات سياسية ودينية وثقافية وشعبية. وتنادى الفرنسيون عموما وأصحاب رأس المال خصوصا للعمل من اجل إعادة ترميم الكنيسة، التي شرع في بنائها في 1160، وتم جمع حوالي 700 مليون يورو خلال يومين، وهو ما يدلل على حرص الفرنسين على تراثهم الحضاري والتاريخي والديني، ومدى تمسكهم ودفاعهم عن قوميتهم وميراثها التاريخي والديني، مع ان الشعب الفرنسي ليس مولعا بالمسألة الدينية، ولكن إدراكهم الأهمية التاريخية والحضارية والسياحية، حثهم على التكاتف ومواجهة لعنة النيران، التي أتت على المعالم الأساسية للكاتدرائية.

والشيء بالشيء يذكر، فإن المسجد الأقصى المبارك، ثالث الحرمين الشريفين، وأولى القبلتين يتعرض للحرق، والإقتحامات الصهيونية اليومية لتدنيسه، والحفريات تحته وحوله، مما يعرضه للتدمير، وللتهديد اليومي المباشر. كما أن العاصمة الفلسطينية الأبدية، القدس، التي تحتضن المسجد العظيم، وكنيسة القيامة الأهم من كاتدرائية نوتردام، والعديد من المساجد والكنائس والأديرة تتعرض للسلب والنهب والمصادرة والإستيطان الإستعماري في وضح النهار من قبل دولة الإستعمار الإسرائيلي وبدعم غير مسبوق من الإدارة الأميركية الحالية،وايضا بدعم من اباطرة المال الصهاينة. وإلى جانب ذلك، يجري ذات الشيء مع الحرم الإبراهيمي الشريف، في مدينة خليل الرحمن، والعرب والمسلمون يقفون بلا حراك، إلآ ما نذر من المساعدات والدعم المشكور من قبل بعض الدول العربية الشقيقة والإسلامية، التي على اهميتها لا تسمن ولا تغني من جوع. رغم ان مؤتمرات القمة العربية، ومؤتمرات منظمة التعاون الإسلامي إتخذت العديد من القرارات المتعلقة بدعم الشعب والقيادة الفلسطينية لحماية القدس، وأنشأت العديد من الصناديق، ورصدت نظريا لها ملايين الدولارات الأميركية، إلآ انها لم تف إلآ بالفتات بما أبدت الإستعداد لدفعه. وهو ما يشير إلى ان الأشقاء العرب الرسميين واصحاب رؤوس المال من الملوك والأمراء ومن في مقامهم يطلقون الوعود اللفظية والشكلية دون ان ترى النور حتى الآن، مع ان إسرائيل المارقة والخارجة على القانون الدولي تتغول في تنفيذ مخططها الإستعماري في القدس خصوصا، ودولة فلسطين المحتلة عموما دون واعز أو خشية من أي فعل عربي، لا بل لإنها مطمئنة إلى ان العرب ليسوا بوارد عمل شيء جدي حتى اللحظة.

وبعيدا عن القدس وفلسطين وما يصيبها من عملية تدمير منهجية من دولة التطهير العرقي الإسرائيلية وبرعاية أميركية واضحة وضوح الشمس، فإن المرء يتساءل عن نخوة ودور الأشقاء العرب تجاه ما قامت بتدميره الجماعات التكفيرية الإسلاموية وبرعاية من دول شقيقة وإسلامية للمساجد والكنائس في العديد من الدول العربية: اليمن وسوريا والعراق وليبيا ومصر، أين هم مما جرى ويجري في هذة الدول من عملية تدمير منهجي للأثار التاريخية والحضارية، وذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للحضارة الإنسانية؟ هل بادرت دولة من الدول لرفع صوتها لتقول: لا لما يجري، وكفى عبثا بالتاريخ والحضارة الإنسانية، التي تحتضنها الأرض العربية؟ وما أهمية وقيمة المال العربي إن لم يحمي التراث التاريخي والحضاري في أرض العرب؟ وهل الدول العربية والإسلامية، التي دفعت المليارات من الدولارات الأميركية لتدمير الدول الشقيقة، تعي الأبعاد الخطيرة لما يجري في الأرض العربية، أم انها تجهل ذلك؟ وهل يمكن للعرب والمسلمين ان يتعلموا من الدرس الفرنسي الإيجابي تجاه كاتدرائية نوتردام؟

لا أعتقد ان أي من القيادات العربية والإسلامية ومعها أداتهم الإخوان المسلمين خصوصا، والجماعات التكفيرية عموما المتورطة في التدمير المنهجي لإماكن العبادة والآثار التاريخية تجهل ذلك، لا بل انها تعي تماما أبعاد وأخطار ما تنفذة إستجابة لمصالح إسرائيل الإستعمارية وشرطي العالم الولايات المتحدة. ومع ذلك، اتمنى ان يستلهم الأشقاء العرب وقادة الدول الإسلامية الدرس والعبرة مما جرى في فرنسا، ليعيدوا الإعتبار لذاتهم وتاريخهم وحضاتهم، التي هي جزء أصيل من الحضارة العالمية. فهل يفعلوا؟

[email protected]

[email protected]