هجرة شباب غزّة كارثة يجب إيقافها!بقلم د. كاظم ناصر
تاريخ النشر : 2019-04-21
هجرة شباب غزّة كارثة يجب إيقافها!بقلم د. كاظم ناصر


إن أصعب وأقسى أنواع المعاناة يتمثّل في شعور الإنسان باليأس من واقع سياسي واقتصادي وأمني واجتماعي مزر يحاصره ويشعره بالعجز، ويسبّب له الإحساس بالغربة وهو في وطنه وبين أهله، ويدفعه مكرها للتفكير الجدّي بالهجرة والبحث عن مستقبله خارج وطنه في بلاد لا يعرف لغاتها، ولا يستطيع ان يقبل بعض عاداتها وتقاليدها وأنماط حياتها.
هذا ينطبق على آلاف الشباب الغزّيين الذين يتحيّنون الفرص المناسبة للهجرة بطرق شرعية عبر المعابر، أو غير شرعية بالسفر على متن قوارب الموت الصغيرة المتهالكة؛ فمنهم من يصل إلى بلاد المهاجر في أوروبا وأمريكا وكندا وغيرها لتتم إضافتهم إلى قائمة اللاجئين الفلسطينيين الجدد الذين قد لا يعودون إلى بلدهم أبدا، ويقدمون بذلك للصهاينة خدمة هامة تطيل عمر الاحتلال ودولته، ومنهم من يلاقون حتفهم غرقا قبل الوصول إلى أي مكان؛ ففي 19 يناير 2019 توفي شاب فلسطيني بعد غرق قارب كان يقل عشرات المهاجرين الغزيين قبالة السواحل اليونانية، وفي 27-3-2019 فقد ستة غزيين حياتهم في منطقة فتحية غرب تركيا، وفي 3- 4- 2019 توفي 19 شخصا جراء غرق قارب كان يقل قرابة 147 مهاجرا معظمهم من الغزيين قبالة سواحل جمهورية قبرص وهم يحاولون الوصول الى اليونان.
دولة الاحتلال تمارس المزيد من الضغوط الاقتصاديّة والأمنيّة والسياسيّة التي تهدف إلى إصابة الشباب الغزي بالإحباط واليأس، وتحاول ان تجعلهم لقمة صائغة لمؤامراتها ومحاولاتها لإفراغ الوطن الفلسطيني من الهوية الفلسطينية وتغيير بنيته الديموغرافية، وتحقيق مطامعها التوسعية! ولهذا فإنها تشجع وتسهل هجرة الشباب والكفاءات الفلسطينية التي تعتبر العنصر الفعال في عملية البناء والعطاء ومواجهة الاحتلال للهجرة إلى الخارج، خاصة إلى الدول الغربية المتطورة التي توفر لهم فرص عمل واستقرار في مجتمعات حديثة تجذبهم، وتشعرهم بالراحة والأمن، وتغريهم بعدم العودة إلى وطنهم.
لكن المؤلم حقا هو أن الأخطاء التي ارتكبتها القيادات الفلسطينية لعبت دورا هاما في إيصال غزّة إلى الوضع المأساوي الذي تعاني منه الآن، وساهمت في دفع شبابها للهجرة هربا من الفقر والظلم والاستبداد وقمع الحريات وانتهاكات حقوق الانسان ولا سيما حرية التجمع السلمي، وحرية الرأي والتعبير التي تمارسها حماس وفتح والفصائل الفلسطينية الأخرى المتناحرة على السلطة والنفوذ في " دولتين" فلسطينيتين إسميتين لا لون ولا طعم ولا رائحة لهما!
قيادات حماس وفتح والفصائل الأخرى تعاني من خلافات مزمنة على المكاسب الحزبية الضيقة، وتتجاهل الممارسات الديموقراطية الحقيقية وتداول السلطة، وفشلت في الاتفاق على استراتيجية موحدة في التعامل مع العدو، وما زالت عاجزة عن إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي ألحق ضررا بالغا بقضيتنا على الصعيدين العربي والدولي، ونتج عنه تدهور اقتصادي لم تشهده غزّة من قبل، وقد يقود استمراره إلى فصل غزّة وإقامة كيان انفصالي فيها، وإلى تهويد الضفة الغربية وتصفية القضية الفلسطينية.
هذا الوضع المأساوي قد يدفع حماس إلى قبول " تهدئة " مع دولة الاحتلال، تلحق بها، أي حماس، ضررا بالغا كحركة مقاومة، وتؤثر سلبا على الوضع الفلسطيني، لأن هذه التهدئة ستفشل كما فشل غيرها من اتفاقات التهدئة السابقة، ولن توقف هجرة الغزيين إلى الخارج، ولن تخدم الشعب الفلسطيني، ولن تساهم في إنهاء الانقسام وتخفيف معاناة أهلنا في غزة.
لو كان الهدف من هذه التهدئة المقترحة فك الحصار عن غزة وإعمارها ووقف هجرة شبابها، لكان من المستحيل أن توافق عليها إسرائيل وتباركها وتدعمها دول عربية تعمل مع أمريكا وإسرائيل لتمرير" صفقة القرن" وتصفية القضية.
لإيقاف هجرة شباب غزة لا بد من إنهاء الانقسام البغيض عن طريق إجراء انتخابات حرّة تمكّن الشعب الفلسطيني من اختيار قيادات تعيد توحيد شطري الوطن، وتنهي الحصار على قطاع غزة، وتعمل على إيجاد فرص عمل تدعم بقاء وصمود أبناء غزة في وطنهم، وتمكنهم من المساهمة في مقاومة الاحتلال.