ثلاث حكومات في الربيع بقلم:د. سامي محمد الأخرس
تاريخ النشر : 2019-04-20
ثلاث حكومات في الربيع بقلم:د. سامي محمد الأخرس


ثلاث حكومات في الربيع
يبقى الحال عما هو عليه في أكثر الجبهات تعقيدًا، وأكثر القضايا مظلومية، حيث كان في السابق طرفين هما حكومة الإحتلال الصهيوني من جهة، ومنظمة التحرير الفلسطينية وفيما بعد حكومة السلطة الفلسطينية من جهة أخرى، يتم فيهما تغيير الشخوص ولكن لم يتغير شيء على مستوى القضية الأساسية، حتى عندما وقع الطرفان اتفاق أوسلو كل ما تغير أنه أصبح لدى الشعب الفلسطيني وزراء، ووكلاء وزارات، وقضاة، ومدراء، وضباط وجيش من المسيمات الوظيفية، وتغير المسمى من فدائي إلى موظف، وتحول الصراع من صراع وجود لصراع مماطلات وتمويه...إلخ حتى صعد للمشهد طرف ثالث جديد حكومة غزة التي أنشأتها حركة حماس بعدما انفصلت عن جسد السلطة وأقامة كيانها في غزة بعد أحداث 2007، وعليه أصبح المثلث مكتمل الأضلاع، حكومة الإحتلال، حكومة رام الله، حكومة غزة، وشاءت التوقيتات أن يكون شهر نيسان (الربيع) تفتح براعم ثلاثة حكومات معًا، حيث جرت الإنتخابات الصهيونية وفاز نتنياهو بأغلبية مقاعد الكنيست والتي من خلالها يسعة لتشكيل حكومته الجديدة والمؤكد إنها بكل برامجها، استراتيجياتها، تكتيكاتها لن تتغير عن الإستراتيجية الرئيسية القديمة لحكومات الإحتلال أو لحكومات زعيم الليكود نتنياهو، أما الرئيس الفلسطيني فقد كلف الدكتور محمد إشتيه بتشكيل حكومة فلسطينية بعد إقالة حكومة د. رامي الحمد لله، واستطاع الأول أن يشكل حكومته الجديدة دون مشاركة الفصائل الرئيسية بمنظمة التحرير الفلسطينية، بل حافظت على قوامها من قوى وأحزاب فلسطينية كل هدفها وزير هنا ووكيل وزارة هناك، وضمان حصتها المالية من المخصصات، وعليه فقد صاحب تشكيل حكومةإشتيه حالة تشاؤمية عامة لدى الشعب الفلسطيني الذي يعاني أزمات عميقة تحتاج كتيبة من الحكماء والفدائيين للخروج من عنق الزجاجة، وعليه فإنها حكومة وظيفية لن تتمكن من تحقيق أدنى متطلبات الشعب الفلسطيني، التي يتوقع لها أن تكون حكومة قاصر أبعد ما يكون عن تحقيق الأهداف والمتطلبات الإستراتيجية الفلسطينية أو تقديم فعل ناج في ملفات مفاتيح شيفرتها بيد قوى إقليمية ودولية، ومع هذا الواقع سارعت حماس المسيطرة على غزة بالإعلان عن عملية تدوير وزاري، بمثابة حكومة جديدة تستهدف السير بالتوزاي مع خطوات السلطة الفلسطينية مستهدفة الإستجابة لمتطلبات فرضها الواقع عليها، أولها ملف التهدئة وتخفيف حدة الحصار عن حماس في غزة وهي أولية أولى لهذا التدوير الوزاري الداخلي في غزة، ولشمان تهيئة مناخ مناسب للمرحلة القادمة بعد تشكيل حكومة الإحتلال الصهيوني وإدارة مخرجات التهدئة وتخفيف الخناق عن غزة وحماس، أما الثاني فهو ململة الشارع الغزاوي وخروج شباب حرّاك (بدنا نعيش) ذو الأهداف والشعارات الاجتماعية – الإقتصادية، وهو ما أحدث زعزعة في القبضة الحديدة التي تمارسها حماس وحكومتها على الشارع الغزاوي، وأن شذوة النيران المشتعلة لم تنطفئ بعد، وعليها التحرك اقتصاديًا في هذا الشأن وهو ما فعلته – وإن لم تعلن عنه-، وعليه فهذا الحراك أحد أهم أسباب عملية التدوير الوزاري وهو تدوير لن يحقق أي من الأهداف التي تحاول حماس تحقيقهالأنها لا تمتلك من الإمكانيات ما يحقق ذلك رغم المساعدات القطرية التي يتم تمويل غزة من خلالها أو عبرها، وكذلك وإن أقدمت دولة الإحتلال على تخفيف حدة خنق غزة، فلن يتحقق ما تأمل به حركة حماس نظرًا للأزمات العميقة التي تعيشها غزة منذ عقد ونيف، وكذلك سياسات حماس الاجتماعية والاقتصادية التي لم تؤسس لبنى تحتية وطنية، بل أسست لبنى تحتية حزبية محضة، أضف لذلك عدم الإعتراف الإقليمي والدولي بحكومة حماس التي لم يتبق لها سوى قطر – إيران – تركيا، ناهيك عن الحالة التي عليها جماعة الأخوان المسلمين التي فشلت في كل الملفات العربية وأخرها الملف السوداني وسقوط نظام البشير.
إذن من خلال هذا الإقتضاب المبسط للحالة السياسية في الجغرافيا الملتهبة فإن الواقع يشير إلى بقاء حالة الثبات في معظم الملفات الرئيسية المطروحة على طاولة الحكومات الثلاث، وصعوبة وتعقيد إحداث اختراق لهذا الثابت في العلاقة بين حكومة الإحتلال وحكومة السلطة الفلسطينية دون تدخل دولي مؤثر وضاغط وهو مستبعد في المستقبل القريب، بما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيد ترتيب أوراق المنطقة عامة، وروسيا تعيد ترتيب حضورها في المنطقة متسللة عبر الملف السوري الذي لم يحسم بعد، أما على صعيد العلاقة بين حكومة الإحتلال وحكومة غزة فمن المتوقع إحداث اختراق جزئي في ملف عملية الترويض بين الطرفين من خلال بعض التسهيلات المجتمعية – الاقتصادية وهو الحد القصى من الطموح في الوقت الراهن للطرفين، أو وضمان عدم توتير المنطقة بما أن المصالح تلاقت وتقاربت، فدولة الإحتلال لا تسعى لحرب تزيد من أزماتها الإقليمية في الوقت الذي أصبحت تبني جسور المودة مع الدول العربية، وتقييم شبع علاقات وهو الهدف الإستراتيجي الصهيوني الذي سعت إليه دولة الإحتلال منذ زمن بعيد، وكذلك حركة حماس التي لا تريد أي أزمات جديدة تضعف من حالتها المهزوزة في السنوات الأخيرة، ويمكن لأي مغامرة أن تعرضها لسقوط كلي وتلاشي سيطرتها على غزة. إذن فحكومات الربيع الثلاث لن تغادر مربعاتها القائمة إلا بأضيق الحدود.
د. سامي محمد الأخرس
التاسع عشر من نيسان(إبريل)2019