ساق ناديا المبتورة من أعلى الفخذ بقلم : حمدي فراج
تاريخ النشر : 2019-04-20
ساق ناديا المبتورة من أعلى الفخذ بقلم : حمدي فراج


ساق ناديا المبتورة من اعلى الفخذ 19-4-2019
بقلم : حمدي فراج
أطلق عليه ابي عندما راى النور عام 1964 اسم "جمال" تيمنا بجمال عبد الناصر ، لم يتمكن من تحصيل اي درجات جامعية ، ولا حتى الثانوية ، من بين جميع اخوته وأخواته ، لعديد مرات اعتقاله ، اولها حين كان له من العمر ست عشرة سنة ، ولما ابعد الى لبنان صيف 1988 ، فاخر به الحكيم جورج حبش انه اصغر مبعد ، وجدت اسرائيل ان الطريقة المثلى لاحتوائه ، هي في إبعاده ، وسرعان ما عاد مع العائدين بعد اتفاقية السلام ، وسرعان ما زجت به اسرائيل في سجونها اداريا لمدة ثلاث سنوات ، خلالها وضع مشروع كتابه الذي صدر بعد رحيله بعنوان "بيوت العنكبوت" عن دار الفارابي اللبنانية في 518 صفحة من القطع المتوسط ، ليثبت ان التعليم الذي حصلّه في السجن ، أهم من كل تعليمنا وشهاداتنا ، بل استطيع البوح انه "المتعلم" الوحيد فينا ، فقد قال عنه المفكر العربي عادل سماره في تقديمه للكتاب "تأتي اهمية الكتاب الذي في حدود ما اعلم هو الاول في نوعه من حيث التغطية الجغرافية والتاريخية للاختراق التطبيعي في الوطن العربي . قد يتخيل القاريء ان الكتاب مجرد موقف سياسي عروبي او خطاب مقاوم للتطبيغ مع الكيان وحسب ، لكنه ليس كذلك ابدا ، بل هو دراسة توثيقية بصبر واناة قامت بالحفر عمبقا في تاريخ التطبيع" .
ذكرني جمال وكتابه بغسان كنفاني في "ورقة من غزة" كتبها عام 1956 ، عندما بعث برسالة الى صديقه مصطفى في سكرامنتو يلغي فيها عزمه الذهاب اليه هناك لمواصلة تعليمه الجامعي ، بعد ان رأى ابنة اخيه "ناديا" في المستشفى وقد بترت ساقها : تعال يا مصطفى لنتعلم من ساق ناديا المبتورة من اعلى الفخذ . ولهذا عاجلوه بقتل مبكر عام 1972، ومعه ابنة اخته الحقيقية لميس . غسان اصبح معلما عروبيا بامتياز ، قدم لمجلد قصصه القصيرة ، القاص المصري الكبير يوسف ادريس "اقرأوا قصص غسان مرتين ، مرة لتعرفوا انكم موتى بلا قبور ، ومرة اخرى لتعرفوا انكم تجهزون قبوركم بأيديكم وانتم لا تدرون ، قبور الثقافة بلا ثورة ، والثورة بلا ثقافة " ، و مجلده عن ادب الارض المحتلة ، قدمه محمود درويش يعترف له بفضله انه اول من اطلق على رعيله "شعراء المقاومة" .
ينادي الدكتور عادل سمارة في المقدمة ذاتها ان يكون الكتاب "مادة تثقيف حزبي لأي حزب او حركة سياسية عروبية التوجه " ، بل "منهاج تدريس الزاميا للطلبة في المدارس العربية" . ماذا يعني هذا ، غير ان جمال اصبح معلما دون ان يكون "متعلما" ؟
في طفولته المتأخرة ، اصبحنا نطلق عليه لقب "ابو خالد" ، تيمنا بجمال عبد الناصر ايضا ، فلما انجب ابنه الاول في سوريا ، كأنه استجاب لرغبتنا ، فأسماه خالد ، هو الذي يخوض اليوم اضرابا مفتوحا عن الطعام منذ خمسة وعشرين يوما ، رفضا لحبسه الاداري منذ سنة ونصف في سجن النقب الصحراوي ، ربما رفضا لحقيقة رحيل أبيه دون قبلة اخيرة او نظرة وداع ، لحسن الطالع ربما ان خالد المعزول حاليا المنسحق بجوع الشهر الاول لن يستطيع قراءة هذا المقال ، فإني اراه منطلقا من زنزانة العزل والجوع نحو قبر ابيه يقرأ الفاتحة وإما الى جواره في قبر آخر من قبور الثورة والثقافة وسط قبور هذه الامة الممتدة من خريف الى خريف ، يتخللها ربيع بملامح خريفية و"أكفان حريرية" ، "قبور الثقافة بلا ثورة والثورة بلا ثقافة " ، لكن القتلة يقرأون ، فعندما قتلوا جمال في عزله ، كان يضع مخططات "بيوت العنكبوت" ،، ربما تأكيدا لعهد بين الاب وابنه ، أستطيع تخمينه انه عهد قديم يتجدد لساق ناديا المبتورة من اعلى الفخذ .