في حضرة الذاكرة..عيد أربعاء أيوب بقلم محمد جبر الريفي
تاريخ النشر : 2019-04-19
في حضرة الذاكرة..عيد أربعاء أيوب بقلم محمد جبر الريفي


(30)في حضرة الذاكرة : عيد اربعاء ايوب .....................................
في مثل هذا اليوم الاربعاء من شهر أبريل نيسان من كل عام كانت مدينتنا غزة وكانت مدينة صغيرة لم تكن بهذا الاتساع والعمران كما هي عليها الآن ، كانت تحتفل قبل سنين بعيد اسمه اربعاء ايوب ..في ذلك العيد كان الناس كلهم في غزة فرادى وجماعات ينتظرون هذا اليوم و منذ الصباح يهرون للبحر حاملين معهم ما اعدوه في الليل من طعام وشراب.لم يكن ذلك اليوم عيدا رسميا تعطل به الدوائر الحكومية غير أن الكثير من تلاميذ المدارس والطلاب كانوا يفرون بعد فترة الاستراحة ..اما الموظفين فقد كانوا في الغالب يلحقون باسرهم قبل نهاية الدوام ..هكذا هو عيد اربعاء ايوب عيد الشمس والدفء الذي بدأ يحس به الناس بعد فصل الشتاء البارد المطير حيث الغرف المغلقة ومواقد الحطب المشتعل واغطية الفراش الثقيلة التي تكتم الأنفاس ..كنت حين أصل للبحر في ذلك اليوم الربيعي المشرق مشيا على الأقدام من شدة الزحام على ركوب السيارات ينتابني الفرح فأحس ببهجة الحياة والحيوية والنشاط بعد وقت دراسي ممل فاركض فورا فوق رمال الشاطيء الأصفر الفسيح مختلطا بتلاميذ المدارس والطلاب ..امتلك الجرأة منطلقا أكثر في مداعبة زميلي في الفصل سمير فاغرف من مياه البحر قرب الشاطيء وارشق به وجهه الأبيض الجميل ..أرى في عينية العسليتين البراقتين الفرح والبهجة مثلي تماما فيجري متتبعا خلفي وفي كفه حفنة من رمال الشاطيء الناعمة المبللة بالماء يريد أن يصوبها نحوي .. طيلة ذلك اليوم البهيج كان نسيم بحر غزة يمسح وجهي بلطف فامعن النظر بعينين رطبتين لذلك الامتداد الازرق الازوردي الجميل ثم انظر الى عيني ابي الخضراوين الواسعتين حين يأتي بعد صلاة العصر مع باقي أفراد الأسرة الذين كانوا ينتظرون قدومه بفارغ الصبر واقول له :لماذا لا تحكي لنا يا أبي عن قصة النبي ايوب عليه السلام .. ؟لماذا تعطي مدينتنا الطيبة هذا اليوم من كل عام قدرا كبيرا من الاهتمام فنهرع جميعا للبحر ؟نقفز بين امواجه المتلاطمة بخفة وسرعة غير مستقرين في مكان ..لماذا حملت باقي الأسرة الأم والأخوة الصغار وجدتي الحاجة عيشة المسنة على عربة يجرها الحصان تغالب في ذلك مشاعرك العميقة الحزينة المخباة من سنين ؟لكن ابي الذي كان يتهيأ للنزول في البحر كالعديد من الرجال في مثل سنه ظل صامتا في تلك اللحظة ولم يرد لكنه بعد ذلك رأيته يخلع كوفيته من على راسه بسرعة وبلمح البصر اخذ يعانق البحر ، لحظتها لم يضحك ولم يبتسم ،فقط تطلع امامه وراسه مرتفع حيث ما زالت تسطع الشمس ،ترك النور يشرق من عينيه اللتين لونتا المياه الزرقاء بلون بنفسجي حزين ..كانه بذلك يقول لي :ايام الحزن كثيرة في حياتنا يا ولدي ..لكن هذا اليوم هو عيد النبي ايوب ،فيه نطوي الحزن قليلا ونصبر على البلاء ونلامس مياه البحر حتى غياب الشمس ،يملكنا احساس بعد ذلك بان اجسادنا الكليلة المتعبة من هول القهر بدات تصح و تتعافى وتمتلك قوة الاخصاب من جديد ...