اللهم بلغنا رمضان- الحلقة الثانية : الاستعداد لرمضان بقلم:د.تيسير رجب التميمي
تاريخ النشر : 2019-04-18
اللهم بلغنا رمضان- الحلقة الثانية : الاستعداد لرمضان بقلم:د.تيسير رجب التميمي


هذا هو الإسلام

اللهم بلغنا رمضان

الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي/ قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس

الحلقة الثانية : الاستعداد لرمضان

شهر شعبان شهرٌ تشعَّب فيه الخير وتنوَّعت مجالاته وصوره ، وتعددت فيه القُرُبات إلى الله تعالى والطاعاتِ ، جعله الله تعالى موسماً من مواسم الخير التي اختصها ببعض العباداتِ ووصلها ببعضها على مدار الأوقاتِ ، ليدومَ اتصال العبد بربه فينيرَ بالإيمان قلبه ، ويحرسَه بعنايته ويشملَه برعايته .

وأما مسيرة التقرب إلى ربنا عز وجلَّ في شعبان استعداداً لرمضان فلها صور كثيرة جداً :

* أولها قضاء الصيام ، فيحسن بالمؤمن أن يسارع في شهر شعبان إلى قضاء ما عليه من صوم واجب قبل دخول شهر رمضان المبارك ، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها { كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان } رواه البخاري .

* ومنها أن يستزيد المؤمن من صالحات الأعمال ؛ فيبدأ في شهر شعبان بالإقلاع عما يعيق عبادته أو توبته وعودته إلى ربه ، ويحرص على صلاة الجماعة والصلاة في المسجد ، ويحافظ على الصلاة في أوقاتها ، ولا ينسَ صلة الرحم وبر الوالدين ، ولْيسارع في الخيرات ، فمن علامة قبول العبادة إتباعها بعبادة أخرى .

* محاولة تعويد النفس على التخلص من سهر الليل وقضائه في اللهو والعبث وما هو غير مفيد ، حرصاً على صلاة الفجر في وقتها وعدم فواتها ، واستعداداً للسحور في رمضان وفي غيره من الأيام نظراً لأهمية هذه الوجبة للصائم ، واقتداء بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولو كان بجرعة ماء أو بشق تمرة ، فصلاة الفجر مشهودة من الملائكة ، قال تعالى { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } الإسراء 78 ، وقال صلى الله عليه وسلم { تسحروا فإن في السحور بركة } رواه البخاري ، وقال أيضاً { السحور بركة فلا تَدَعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين } رواه أحمد .

* التحلي بحسن الخلق ، فهو من أثقل الأعمال في الميزان يوم القيامة واقتداء برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي وصفه الله سبحانه بقوله { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم 4 ، وقال صلى الله عليه وسلم { إِنَّكُمْ لا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ , وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ } صححه الحاكم ، فإذا اقترن حسن الخلق بالصيام والقيام كان أثقل .

* الاعتدال في العبادة بعيداً عن إرهاق النفس وتكليفها ما لا تطيق ، فخير العبادة أدومها وإن قلَّ ، وترويض النفس عليها شيئاً فشيئاً والتدرج فيها استعداداً لقدوم شهر رمضان المبارك وبالأخص عبادة القيام ، فإنها من أروع العبادات التي يجد لها المؤمن حلاوة في قلبه وتهفو إليها نفسه كلما واظب عليها ، وتبلّغه منازل الصبر والثبات ومجاهدة النفس ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } المزمل 1-6 .

* ترك الشحناء مع الآخرين والمبادرة إلى المصالحة ، والاستعانة بالله سبحانه وتعالى لتطهير النفس والقلب منها ، فهذا حالهم يوم القيامة ، قال تعالى عنهم { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } الحجر 47 ، فإن دخول رمضان على المؤمن وهو نقي الصدر والسريرة يجعله أقرب إلى المغفرة وقبول التوبة ، أما البغضاء والقطيعة فمضيعة لكل عمل صالح ، قال صلى الله عليه وسلم { ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً ... وذكر منهم : وأخوان متصارمان } أي متقاطعان ، رواه ابن ماجه .

* الاستعداد لصلة الأرحام والأقارب والأخوان والجيران ، فقطيعة الأرحام ملازمة للفساد فقال سبحانه { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } محمد 22 .

وكذلك العمل على إصلاح ذات بينهم حفاظاً على أعمالهم وعباداتهم ، قال تعالى { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } الحجرات 10 ، وقال صلى الله عليه وسلم { ألا أُخبركم بأفضل من درجة الصِّيام والصَّلاة والصَّدقة ؟ قالوا بلى يارسول الله ، قال إصلاح ذات البين } رواه البخاري .

* طلب المسامحة من أصحاب الحقوق سواء فيها الحقوق المادية والمعنوية ، قال صلى الله عليه وسلم { من كانت عنده مَظلمةٌ لأخيه فليتحلَّلْه منها فإنَّه ليس ثَمَّ دينارٌ ولا درهمٌ، من قبلِ أن يُؤخَذَ لأخيه من حسناتِه فإن لم يكُنْ له حسناتٌ أخذ من سيِّئاتِ أخيه فطُرِحت عليه } رواه البخاري ،

ومن لم يتسنَّ له استسماحهم أو أن يتحلل من حقوقهم دعا واستغفر لهم في ظهر الغيب ليدفع بالحسنات سيئاته بحقهم فلعلَّ الله جلَّ في علاه أن يخفف عنه السؤال والحساب .

* إغاثة الملهوفين ومؤازرة المستضعفين والتفريج عن المكروبين ما استطاع المؤمن إلى ذلك سبيلاً ، ولو بكلمة طيبة أو ابتسامة حانية أو وجه مشرق بالاستبشار ، قال صلى الله عليه وسلم { تَبَسُّمُك فِي وَجْهِ أَخِيك صَدَقَةٌ لَك } رواه الترمذي .

* تدريب النفس على تلاوة ما تيسر من كتاب الله تعالى وتدبر ما أتلو ؛ لأتمكن من المواظبة عليه في رمضان وصولاً إلى ختمه بختام هذا الشهر المبارك ، فتلاوته مستحبة في كل وقت التزاماً بقوله تعالى { وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } المزمل4 ، وقال صلى الله عليه وسلم { من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف } رواه البخاري

* الصدقة قليلها أو كثيرها فهي من أسهل العبادات وأنفعها ، قال صلى الله عليه وسلم { ... والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ... } رواه الترمذي ، وهي استعداد لأداء الزكاة المفروضة في رمضان نظراً لعظيم ثوابها فيه ، واستعداد أيضاً لأداء صدقة الفطر في ختامه تزكية للنفس وللصيام من اللغو والآثام .

وصدقة التطوع من أبواب الخير ، قال تعالى { ... وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ... } البقرة 272 ، وهو جزء من المسؤولية التي يتحملها المجتمع في رفع الضيق والحرج عن أبنائه من الفقراء والمساكين والمعوزين ، وهو من صور التعاون ، قال تعالى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان } المائدة 2 ،

* التوجه إلى الله تعالى بالدعاء والرجاء والسؤال والطلب والإلحاح فيه ، فهو عبادة عظيمة وعنوان الإيمان والعبودية لله سبحانه ، قال عز وجل { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } البقرة186 ، فيقيننا بالله أنه لا يرد الداعي خائباً ولا صفر اليدين ، ولا يقتصر الدعاء على المضطر أو من كان له حاجة ، بل يدعوه في كل وقت وحين ، قال صلى الله عليه وسلم { مَن سرَّه أن يستجيبَ الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء } صححه الحاكم ووافقه الذهبي

* التوبة والاستغفار وترطيب اللسان بذكر الله ، فالتائب من ذنوبه حبيب للرحمن ، لأنه يستبدل بالحسنات سيئاته ويمحو عنه زلاّته ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ... } التحريم 8 .

* ترطيب اللسان دوماً بذكر الله تعالى وتسبيحه ، وهذا من أيسر العبادات والقربات إليه سبحانه ؛ قال صلى الله عليه وسلم { يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ؛ وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ؛ وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعاً ؛ وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة } رواه البخاري ،

والتسبيح من الباقيات الصالحات ؛ قال صلى الله عليه وسلم { كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده } رواه البخاري .

* وشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك للصلاة والمرابطة فيه ولمواجهة ما يتهدده من مخاطر ، وهذا مطلوب جداً من أهل فلسطين ومن كل مسلم يمكنه وصوله وزيارة مدينة القدس ، فالصلاة فيه كما أخبرنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم تفضل الصلاة في غيره من المساجد مئات المرات إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي ، وهذا استعداداً لإحياء سنة الاعتكاف وإحياء ليلة القدر فيه بحلول شهر رمضان المبارك .