فاجعة كاتدرائية نوتردام بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2019-04-18
فاجعة كاتدرائية نوتردام بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة 

فاجعة حريق نوتردام

عمر حلمي الغول 

التحفة الفنية والتاريخية والدينية، كاتدرائية نوتردام تتعرض لهجوم حريق مجنون، عصف بالتاريخ والفن وأحد أعمدة باريس العاصمة الفرنسية السياحية. كانت الكاتدرائية الأهم، والأجمل بعد الفاتيكان على موعد مع لعنة النار الأبدية في الساعة السادسة وخمسين دقيقة بتوقيت فرنسا، التي إستمرت موجاتها المتوحشة، والمنفلتة بعوامل مختلفة تلتهم عظمة وإبداع الإنسان الفرنسي، فنالت من السقف والبرج الرئيسي، ولم تهدأ إلآ بعد ثمان ساعات طوال ضاربة عرض الحائط بالتاريخ والجمال والدين على حد سواء. 

عشية "الجمعة العظيمة" وفي "إسبوع الآلام"، وهي مناسبتان هامتان لإتباع الديانة المسيحية عموما، تغدر النيران بالكنيسة البديعة، التي تم البناء فيها عام 1160، وتقريبا تم الإنتهاء بعد مئة عام في 1260، وايضا بابناء الشعب الفرنسي وزوار الكنيسة من السواح الأجانب، وتحرق قلوب العالم أجمع، ليس لإنها مكانا مقدسا فقط، بل لإنها من اهم معالم الفن المعماري القوطي، وكونها تحتل مكانة رفيعة في حقل السياحة بعد برج إيفل، وبعض الخبراء، يقول، انها تسبق البرج من حيث الأهمية السياحية. 

ثمانية قرون ونصف تقريبا على بناء الكاتدرائية التاريخية، تمكنت فيها من تجاوز المحن، والحروب؛ وإشكاليات عصر النهضة وتحديدا في العام 1548 ذروة الإصلاح الديني، التي نتج عنها أعمال شغب دمرت العديد من التماثيل، التي نفذها البروتستانت، لإنهم إسوة بالتكفيرين من اتباع الدين الإسلامي، إعتبروها وثنية؛ وتداعيات كومونة باريس 1871، التي ألقت بثقلها على الكنيسة من الثوار وغيرهم، الذين نهبوا العديد من كنوزها، وحطموا وقطعوا رؤوس 28 تمثالا، إعتقادا منهم، انها تعود لملوك فرنسا السابقين؛ وحتى نجت الكنيسة الرائعة من خطر التدمير الكامل زمن نابليون في 1804، لكن حفل تتويج الإمبراطور تم في رحابها، وترأس الحفل البابا بيوس السابع، مما أعاد لها الإعتبار؛ والحربين العالميتين الأولى 1914/1918، والثانية 1939 / 1945، وغيرها من الأحداث التاريخية. ومع ذلك لم تتعرض يوما الكاتدرائية الإنجاز الإبداعي لفن العمارة القوطي لإي حريق خلال ال850 عاما الماضية. 

قمة فن العمارة القوطي وضع في بناء كاتدرائية نوتردام "سيدة باريس"، التي تعتبر من اهم المعالم السياحية الفرنسية، حظيت، وتحظى بمكانة هامة من الرعاية والحماية من منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) التابعة للأمم المتحدة. وهي محط إعجاب وتقدير كل من زار فرنسا، حيث يتوافد عليها حوالي إثني عشر مليونا سنويا من السواح، لما تتمتع به من جمالية الخلق والتصميم والبناء. وخضعت الكاتدرائية على مدار خمسة قرون بعد بنائها لعمليات تجديد وتطوير بشكل مستمر.

كما ان الروائي فيكتور هوغو منحها مكانة بديعة من الحضور الثقافي، عندما فتح ابواب جدرانها على مصاريعها لتصبح مسرحا بديعا لفصول روايته "أحدب نوتردام" 1831. ليس هذا فحسب، بل أن هوغو من خلال ما أشار له من ملاحظات في روايته عن الأضرار، التي لحقت بها، ساهم في تسليط الضوء على ضرورة القيام بجولة جديدة لترميم الكاتدرائية التحفة الفنية. 

حريق الكاتدرائية، واي كانت الأسباب طبيعية أو مفتعلة، فإنه حريق اشعل نيران الحزن والأسى والألم على صرح عظيم، وعلى تحفة معمارية نادرة اصاب العالم كله، وليس الفرنسيون فقط. لإن البشرية خسرت جراء الحريق الوحشي صرحا شامخا لبعض الوقت، وكاد ان يطوي حضورها عن الأرض لو قدر للنيران المشتعلة من مواصلة لعنتها، وكان يمكن ان تطال الأحياء المجاورة لها في الدائرة الرابعة من باريس، اي في الحي القديم، الذي يحتضن الأماكن الأثرية والتاريخية. لكن الله وجهود رجال الإطفاء تغلب على وحش النيران في الثالثة فجرا من صباح يوم الثلاثاء (16/ 4/2019). وهو ما يعطي الأمل لإعادة ترميم ما دمرته النيران الشيطانية، وبدأت الرئاسة والحكومة الفرنسية بجمع التبرعات لهذا الغرض لتعود الكاتدرائية لبهائها وعظمتها السابق، بل يمكن ان تكون أعظم مما سبق.

[email protected]

[email protected]