الأرض مصدر الشرعية وليس الشعب...بقلم زياد هواش
تاريخ النشر : 2019-04-17
الأرض مصدر الشرعية وليس الشعب...
في النظام الرسمي العربي وتحديدا الجمهوري منه.

ففي جمهوريات الموت العربية يساوم النظام القائم بسهولة على وحدة الأرض ويتنازل عن أجزاء منها في مقابل ضمان البقاء والاستمرارية الى الأبد بالفعل
في الوقت الذي لا يتنازل فيه عن ارهابه وقمعه للشعب او لعدوه الحقيقي والوحيد والنهائي والدائم

يتنازل النظام الجمهوري العربي عن مقاطعة بكاملها لدولة في الجوار تدعم وحشيته ودمويته ولكنه لا يتنازل عن رغبته وحاجته لمتابعة ومراقبة أي فرد من الشعب الإرهابي في أي مكان من العالم يستطيع الوصول اليه
انها فوبيا الجاسوس الذي يحكم او فوبيا العميل المزدوج

يدرك النظام ان أهميته لمشغله الإقليمي والدولي تكمن فقط في قدرته على الإمساك بأكبر مساحة من الأرض بالمطلق وبالمساحات التي تحتضن في باطنها ما يحتاجه العالم الرأسمالي المتوحش على وجه الخصوص وبالعاصمة المركزية الضامنة لشرعية قرارات السلطة السياسية المُخادعة

لذلك يميل النظام الجمهوري العربي في نسخة الالفية الثالثة او نسخته الثالثة الى التركيز على العاصمة المتجددة لإضفاء الشرعية الإعلامية الخارجية اللازمة والكافية لإظهار سيطرته وشرعيته وقدرته على إدارة الأرض من المركز الخالي من كل معارضة او إرهاب وفق تعريفه للمعارضة

ويقوم في الوقت نفسه بتفريغ الأرض الحاضنة للثروات الوطنية او للأمن الوطني من الشعب او المواطنين بتدمير المدن القائمة فيها وتهجير سكانها الى الأماكن الأقل أهمية او الى مخيمات النزوح او الى خارج الحدود ويفضل الجميع ان يهاجر الشعب عبر البحر الى مصيره المحتوم ويغرق في المياه الدولية

الثروات الوطنية هي الضمانة الحقيقية للأنظمة العربية والضمانة الوحيدة للنظام الجمهوري تحديدا ولذلك لا يملك القدرة على المناورة والخداع ولا يملك وسيلة غير القتل والتهجير والتدمير الممنهج ولا يملك ذريعة غير إطلاق صفة الإرهاب على الشعب كل الشعب في الأرض التي تضمن له بقاءه واستمراريته

ولذلك تنجح الثورات الافتراضية او ما يسمى بالربيع العربي في الجمهوريات التي أطلق فيها الشعب شرارة الثورة في المركز فقط وتفشل في الجمهوريات التي أطلق فيها الارهابيون شرارة الثورة في الأطراف والسودان اليوم مثال فاقع لدقة هذه المعادلة وعلميتها والجزائر التأكيد الثاني القادم !

وهذه المعادلة تصلح أيضا لقراءة بداية ونهاية "داعش" في سوريا والعراق ومصر وليبيا والتي لم تصل الى قلب العاصمة ولم تُحدِث أي فرق هذا إذا افترضنا جدلا انها كانت تريد اسقاط الأنظمة ولم يكن دورها ينحصر في تفريغ "الأرض الموعودة" لصالح الأنظمة القائمة والخارج من الشعب او من الارهابيين

وهذا لا يعني بالضرورة ان الثورات الاجتماعية العربية الانفعالية التي قامت والتي تقوم اليوم في جمهوريات الموت العربية قادرة على التخلص من ثنائية الاخوان والعسكر وبناء الدولة الوطنية المدنية بل لعلها تسمح لهذين الشريكين اللدودين بالتجدد والتمدد وتحديث النسخة وعصرنة المخالب والانياب

ربما يكون الدرس الأول المُستخلص من ربيع الفوضى الخلاقة في المنطقة أن ينتبه الشعب او الإرهاب في الأرض ذات القيمة الاستراتيجية الى انهم الهدف النهائي لأي فوضى او ثورة لا فرق ابدا وان من مصلحتهم ان يبقوا صامتين وخانعين لأن الثمن لأي حراك هو الإبادة والتهجير والتدمير وليس اقل من ذلك

وربما يكون الدرس الأخطر منه أن مركز الثقل ومركز التغيير هو العاصمة وفقط العاصمة وان سقوط العاصمة بيد الثورة لوحده لا يكفي لصناعة التغيير الحاسم والسريع بل هو بداية متواضعة وقلقة وغير مضمونة النتائج للبدء بعملية التغيير المؤلمة والمعقدة والمديدة والمستدامة لصناعة الوطن.
17/4/2019

صافيتا/زياد هواش

..