المشهد السوداني...عجائب لن تجدها الا هناك بقلم:د. سمير مسلم الددا
تاريخ النشر : 2019-04-15
المشهد السوداني...عجائب لن تجدها الا هناك  بقلم:د. سمير مسلم الددا


المشهد السوداني...عجائب لن تجدها الا هناك

المشهد السياسي العام في السودان كان يبدو شديد التعقيد في بداية الحراك الشعبي الذي بدأ قبل أشهر وخالجني قلق كبير مما يمكن ان تؤول اليه الامور في هذا البلد الذي كان قبل عدة سنوات أكبر بلد عربي من حيث المساحة ويتربع على ثروة هائلة من النفط واليورانيوم والذهب وغيرها، الا انه يصنف على انه من أفقر الدول في العالم.
بلا شك نظام الحكم الذي جثم على صدر هذا البلد الطيب خلال القعود الثلاثة الماضية هو المسؤول عن الحالة الكارثية التي آل لها الحال هناك, وهذا لا يعني اتهام هذا النظام باللا-وطنية, ولكن الإنسان الذي امتهن العسكرية لمدة ثلاثين سنة او حولها فان اكثر شيء يتقنه هو استعمال السلاح والقتال وعليه فهو يعتقد بأن كل مشاكل البلاد والعباد يمكن ان تحل بالقوة العسكرية (لأنه ببساطة لا يعرف غير ذلك), ومن السذاجة ان تتوقع منه برامج تنموية واقتصادية طموحة وخطط سياسية واستراتيجية ناجعة وعلاقات دولية ودبلوماسية فعالة (لأن فاقد الشيء لا يعطيه).
كنت اتفهم ما حصل في الجزائر وكنت اتوقع ان تصير الامور هناك الى ما صارت اليه رغم ما يميز اهلنا الجزائريين من الحزم والحدة, الا انه كان على رأس النظام رجل دولة متمرس يحترف الدبلوماسية والسياسة منذ أكثر من نصف قرن أي انه يلجأ الى ما خبراته مهاراته في حل مشاكل بلده وهكذا كان ان لجأ الى ما يتقنه في التعامل مع الحراك الشعبي الذي شهدته بلاده, فنجا ووصل بالبلد الى بر الامان, الا ان عمر البشير ليس عبد العزيز بوتفليقة, بل جنرال وعسكري جاء الى السلطة ثار انقلاب عسكري على حكومة الصادق المهدي عام 1989 وبقوة السلاح الذي لا يتقن التعامل مع أي شيء اخر اكثر من التعامل به, وهذا كان مبعث قلقي عندما كنت اراقب الحراك الشعبي في هذا البلد الوديع والمهادن.
الا انني أسجل اعترافي بأن توقعاتي لم تصب وكان قلقي غير مبررا (الحمد لله)
كان سلوك المسؤولين العسكريين السودانيين الجدد والذين لا اعرف احدا منهم قبل هذه الاحداث يدعو الى الاعجاب, فقد برهنوا لكل العالم أنهم أهل للمسؤولية ويحبون بلادهم وخصوصا رئيس المجلس العسكري الاول عوض بن عوف (بغض النظر عن ما له وما عليه), الا ان الرجل لم يتردد لحظة في ترك اهم منصب في البلاد ويحلم به كل السودانيين (والذي لم ينعم به اكثر من يوم او بعض يوم), ولم يتردد لحظة في التضحية بكل هذه القوة والسلطة وما يصاحبها من أهمية ونفوذ ورفاهية وامتيازات تأخذ بالألباب ناهيك عن سحر المنصب والوهج الاعلامي وعدسات التلفزة ووسائل الاعلام العالمية عندما شعر ان الشعب لا يريده فآثر ارادة الناس ومصالح أهله وخوفه على بلده على كل هذا الهيلمان, وهذا شبه مستحيل في عرف العسكر, مما يذكرني بطيب الذكر المشير عبد الرحمن سوار الذهب يرحمه الله الذي اطاح بجعفر نميري اثر انتفاضة ابريل عام 1985, على الرغم ان الرجل كان اكتسب على اثر ما قام به شعبية كاسحة (ليس في السودان فحسب بل في كل ارجاء العالم العربي) تؤهله بسهولة للفوز بالرئاسة في الانتخابات التي جرت في تلك الفترة, الا أنه آثر بلاده على نفسه ولم يرشح نفسه للانتخابات ومن ثم قام بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة برئاسة الصادق المهدي في مايو 1986, في امر كان محل اعجاب وتقدير العالم بأسره, رحم الله المشير سوار الذهب فقد كان شخصية تاريخية نادرة تدعو الى الاعجاب وتستحق كل تقدير، نعم راودتني تلك الذكريات عندما رأيت مآل اليه الحال في الخرطوم اليوم, مثل هذا البلد الذي ينجب مثل هؤلاء الرجال قطعا لا نخاف على مستقبله, يبدو ان هذا النوع من النفائس من الرجال لا ولن يوجد الا في السودان, حفظ الله السودان وحفظ اهله الطيبين.
د. سمير مسلم الددا
[email protected]