دولة العصابات وانهيار الحل السياسي بقلم:محمود التميمي
تاريخ النشر : 2019-04-15
دولة العصابات وإنهيار الحل السياسي
محمود التميمي 

لازالت ( إسرائيل ) بعد مُضي عقود على إعلانها ، دولة للعصابات الصهيونية ، والدليل والبرهان بسيط وواضح .

شاهد كيف تنقسم الأحزاب الإسرائيلية وتنشأ عنها أحزاب أخرى بمسميات مختلفة في كل دورة إنتخابية ، وكيف تتشكل بسرعة و يُسر أحزاب وتكتلات وتحالفات جديدة ، لا تلبث أن تنحل وتذوب أو تنخرط في تشكيلات متولدة هجينة ، في عملية مستمرة ومتكررة من الفك والتركيب ، لا يمكنك أن تشــــاهدها في أي مكان أخر ، ســـوى في ( إسرائيل ) وفي العالم السفلي للعصابات و المافيا.

لهذه الحالة سببان ، الأول ، أن جميع الأحزاب والتكتلات  ،بالكامل ، ومهما تلونت ، صهيونية ، لا فروق بينها فيما يتعلق بالمنظومة الفكرية والعقائدية و العداء للفلسطينيين والعرب، و سلب حقوقهم ، والثاني ، أن أياً منها لا يحمل فكراً خاصاً أو فلسفة محددة تميزه أو تفرقه عن سواه ، يصعب التخلي عنها. 

وبينما تتميز الأحزاب عادة ً، بنواة عقائدية صلبة ، وانتماء يصعُب محوه ، ويتطلب تغييره وقتا وجهدا ، فإن العصابات ، تنفرط وتتحد بسرعة ، وتتكاثر منها ، مجموعات و زمر ، متحالفة أو متنافرة  بحسب المنفعة والمصلحة ، تماما كما هي في الواقع الأحزاب الإسرائيلية  ، بظروف تكونها وانحلالها  وأساليب عملها وسلوكها.

وباستثناء " ميرتس " لو أحسنا الظن بمدى انسجامه مع شعاراته ، وقدرته في زمن الحروب والأزمات على ترك مساحة عن باقي الأحزاب الصهيونية الدينية و اللادينية ( وهو اختبار عسير ومخيب للآمال ، سقط فيه مرارا)  فإن قراءة الخريطة الإنتخابية الأخيرة والمقاعد التي حازتها القوى والأحزاب اليهودية ، بعد استبعاد مقاعد الأحزاب العربية ، تنبئُنا ليس فقط بأنه لا شريك للسلام في إسرائيل ، بل أنه لا وجود لمعسكر أو تيار سلام بتاتاً.

وباسم الواقعية والعلمية ولغة الأرقام ، وباحتساب أصوات " ميرتس " البالغة 156,217 صوتاً من أصل 4,304,564 صوتاً صحيحاً ( بعد حذف الأصوات اللاغية )   فإن نسبة الناخب اليهودي ، المستعد للقبول بحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967م وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية ، لا تتجاوز 3 بالألف . بمعنى أن 3 أشخاص من كل 1000 ناخب إسرائيلي ، فقط ، يقبل بحل الدولتين و بدولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل ، مقابل 997 إسرائيلي يرفضون ذلك ..

ولو تغاضينا عن برنامج حزب العمل ( المتفق مع الليكود وعموم الأحزاب اليمينية ، بالتمسك بالكتل الإستيطانية الكبرى وضمها إلى إسرائيل والإحتفاظ بالأغوار والحدود الشرقية تحت السيطرة الإسرائيلية ، وبقاء القدس عاصمة موحدة لإسرائيل ، وحذف قضية اللاجئين ) و بنينا الآمال و الأمنيات على وجود بعض الأصوات الأكثر اعتدالا في صفوف حزب العمل ، فإن الأصوات التي حصل عليها هذا الحزب بلغ 191,323 من أصل 4,304,564 صوتاً صحيحاً ، بنسبة 4 بالألف من مجموع الأصوات .. بواقع أن مجموع أصوات ميرتس وحزب العمل سوياً (ما يمكن مجازاً تسميته المعسكر المعتدل ، أو المؤمل بالوصول إلى تسوية معه ) لا يتجاوز 8 بالألف من مجموع الجمهور الإسرائيلي .. وبمعنى أوضح وأدق فإن 8 من كل 1000 إسرائيلي  يمكن ، أو يقد يكون بالمستطاع ، التفاوض معهم لحلٍ ما ،غير واضح المعالم ، مقابل 996 إسرائيلي من كل 1000 ، يعارضون قطعيا الوصول لأي حل عادل وشامل.

بالمحصلة فإن هذه النتائج هي نتائج فائقة الأهمية ، ليس فقط من ناحية قياس الحجم الحقيقي البالغ الضآلة  لما يسميه البعض " معسكر السلام في إسرائيل " و فهم البنية الأساسية لهذه الدولة الإستعمارية والحدود التي بلغها فيها منسوب التطرف و العنصرية ، الأخذ بالتصاعد ، بل ، وهو الأهم ، من ناحية،  أن نستفيد من هذه الحقائق والوقائع في وضع إستراتيجية مُحكمة للمرحلة القادمة ، نأمل أن تكون " حقاً عملية  " ، و" حقاً واقعية " ، و" حقاً مؤثرة " على أرض الواقع.