الانتخابات الإسرائيلية.. ماذا بعد؟ بقلم:محمد إبراهيم
تاريخ النشر : 2019-04-15
الانتخابات الإسرائيلية.. ماذا بعد؟ بقلم:محمد إبراهيم


الانتخابات الإسرائيلية.. ماذا بعد؟
محمد إبراهيم  وكيل المخابرات المصرية الأسبق 


بعيدًا عن الخوض في تفاصيل الانتخابات الإسرائيلية التي أُجريت في التاسع من أبريل الجاري، وما أسفر عنها من نتائج يعرفها الجميع، يبدو من الأهمية البحث بصورة أكثر تركيزًا في طبيعة المرحلة التالية لهذه الانتخابات. وفي هذا المجال علينا الإشارة أولًا إلى أربع حقائق رئيسية، نوجزها فيما يلي:

الحقيقة الأولى، أن نتائج هذه الانتخابات لا تُمثل مفاجأة لأيٍّ من المتابعين والمهتمين بالشأن الإسرائيلي، حيث وصل الأمر إلى أن الاستطلاعات والتقديرات التي أُعلنت قبيل الانتخابات بفترة كانت متقاربة إلى حد كبير مع النتائج الرسمية التي تم إعلانها.

الحقيقة الثانية، أن الصراع والتنافس في هذه الانتخابات لم يكن بين اليمين واليسار، بل كان بين اليمين المتطرف بأشكاله السياسية والدينية المختلفة، واليمين الأقل تطرفًا، وهو ما يؤكد أن المجتمع الإسرائيلي قد اتجه بالفعل إلى ناحية اليمين منذ فترة ليست قصيرة، وتحديدًا منذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000. وأصبحت مسألة التغيير في هذه التوجهات المتشددة أمرًا غير متوقع في المدى المنظور.

الحقيقة الثالثة، أن اليسار الإسرائيلي الذي ساهم بقوة في بناء الدولة، ودعم قدراتها السياسية والعسكرية والنووية؛ لم يعد له أي حضور مؤثر في الخريطة الحزبية، ومن ثم أصبح غائبًا عن عملية صنع القرار.

الحقيقة الرابعة، أن تطابقًا واضحًا طغى على المواقف السياسية للحزبين الكبيرين المتنافسين (الليكود، وأزرق-أبيض) إزاء الرؤية التي تحكم تسوية القضية الفلسطينية أو حل الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما وضح من تأكيد قيادات الحزبين خلال حملتيهما الانتخابية على فرض السيادة على القدس والجولان، ومعارضة حل الدولتين، وعدم الانسحاب من منطقة غور الأردن في الضفة الغربية، وتكثيف الاستيطان، بحيث كان من الصعب إيجاد فوارق واضحة بين “نتنياهو” و”بيني جانتس” في هذا الشأن.

ومن ناحية أخرى، شهدت هذه الانتخابات متغيرًا شديد الوضوح والعلنية لأول مرة، وهو التدخل الأمريكي الصريح في الدعم المتواصل لـ”نتنياهو”، ليس فقط بتصريحات مؤيدة له ولكن بقرارات تاريخية، أهمها قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، فضلًا عن الخطوة الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وهي كلها خطوات زادت من شعبية “نتنياهو” ولم يستطع الحزب الكبير المنافس له (أزرق-أبيض) إلا أن يؤيدها بقوة باعتبارها تصب في صالح إسرائيل، ولكنها دعمت في النهاية من أسهم “نتنياهو” قبيل الانتخابات باعتباره أجدر الشخصيات المرشحة والمؤهلة لتولِّي منصب رئيس الوزراء. وفي هذا المجال، من الواضح أن العلاقات بين “نتنياهو” و”ترامب” ستشهد مزيدًا من التناغم والتفاهم، ولن يتوانى الرئيس الأمريكي عن اتخاذ أية قرارات داعمة لإسرائيل وتُرضي اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، خاصة وأنه يسعى بقوةٍ للفوز بمدة رئاسية ثانية.

وفي الوقت نفسه، يجب الوقوف أيضًا عند مسألة مهمة، وهي دعم اليمين الإسرائيلي لـ”نتنياهو”، ليس فقط من خلال إعلان الأحزاب اليمينية والدينية أنها ستوصي رئيس الدولة بأن يسند إلى “نتنياهو” مهمة تشكيل الحكومة، ولكن الأمر الأكثر أهمية أن الليكود حصل على مقاعد تفوق ما حصل عليه في الانتخابات السابقة بستة مقاعد رغم قضايا الفساد التي أحاطت بـ”نتنياهو” وأسرته منذ فترة، والتي قد تطيح به مستقبلًا إذا ما تمت إدانته رسميًّا، وهو ما يشير إلى أن الناخب الإسرائيلي كان على قناعة بأن “نتنياهو” يعد العامل الرئيسي في كافة الإنجازات الداخلية والخارجية التي تحققت، وأنه الأكثر ثقة في مهمة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي.

ولا شك أن “نتنياهو” وهو يتّجه لتشكيل الحكومة الجديدة وقيادة الائتلاف اليميني الديني سوف يحقق ما لم تستطع أهم الشخصيات فيما يُسمى بجيل الريادة تحقيقه، وهو “بن جوريون”، لا سيما بالنسبة لمدة تولِّي رئاسة الوزراء (أي الولاية الخامسة له)، وهو الأمر الذي سيزيده قوة وتشددًا أكثر من ذي قبل. وفي الوقت نفسه، سيكون “نتنياهو” مضطرًا للتعامل مع خمس قضايا شديدة الأهمية ستكون مؤثرة على الأمن القومي المصري والعربي، والتي لا بد له أن يتعامل معها بقوة حتى يُثبت للناخب الإسرائيلي أن خياراته كانت صائبة، وهي كلها قضايا مرتبطة بالمنطقة العربية ومستقبل عملية السلام.

القضايا الخمس التي سيواجهها “نتنياهو”

القضية الأولى: العلاقات مع مصر

من الواضح أن “نتنياهو” على قناعة تامة بأن علاقاته مع مصر تمر بفترة جيدة لا توجد بها أية مشكلات من شأنها التأثير على طبيعة هذه العلاقة. ومن ثم، سيحرص “نتنياهو” على استمرار التنسيق مع مصر، ولا سيما فيما مجالات الإرهاب وعملية السلام. كما لن يكون في عجلة من أمره إزاء فرص تطوير هذه العلاقة مستقبلًا، خاصة وأن الفترة الأخيرة شهدت انضمام إسرائيل لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي تم تأسيسه في يناير 2019 ومقره القاهرة، والذي يضم في عضويته: مصر، وفلسطين، والأردن، واليونان، وإيطاليا، وقبرص.

القضية الثانية: القضية الفلسطينية وصفقة القرن

من المؤكد أن “نتنياهو” يعلم الكثير عن صفقة القرن أو خطة السلام الأمريكية التي من المقرر طرحها بعد تشكيله الحكومة الجديدة، وهو ما يُفسر لنا مدى حرص الرئيس الأمريكي على دعم إعادة انتخابه، باعتباره أحد الأطراف الرئيسية التي من المفترض أن تساهم في تنفيذ هذه الخطة.

وإذا سلمنا بأن “نتنياهو” يترقب -مثل الجميع- طرح الخطة؛ فإنه سيكون حريصًا على عدم رفضها حتى لو تضمنت مبدأ حل الدولتين ما دامت لن تتجاهل المطالب الإسرائيلية (القدس عاصمة لإسرائيل، لا وجود لمبدأ حق العودة، تواجد إسرائيلي في منطقة غور الأردن يمكن أن يصل إلى ضم مناطق محددة تعتبرها إسرائيل ضرورية لأمنها، ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة على مراحل).

وفي حالة وجود أية مطالب أو مبادئ في خطة السلام الأمريكية لا تتماشى مع متطلبات الأمن الإسرائيلي فمن المؤكد أن إسرائيل ستتعامل مع هذه المسألة بتأنٍّ شديد، وستتحفظ علي هذه المبادئ دون رفضها علانية، وهو ما يعني أن “نتنياهو” لن يُبادر برفض الخطة إذا لم تحقق كافة مطالبه، وسيراهن أولًا على الرفض الفلسطيني أو العربي لها.

هناك احتمال قائم بأن تُثير هذه الخطة بعض المشكلات لـ”نتنياهو” داخل ائتلافه الجديد الذي سيضم معظم الاتجاهات المتطرفة. وفي تقديري فإن “نتنياهو” سيكون قادرًا على التعامل بذكاء مع هذه التطورات دون التنازل عن مواقفه الأساسية، ولكنه سيتجنب أي صدام علني مع الإدارة الأمريكية، على الأقل ردًّا لجميل دعم الرئيس “ترامب” له.

القضية الثالثة: قضية الجولان

لن تُشكل هذه القضية معضلة لـ”نتنياهو” باعتبار أن إسرائيل فرضت القانون الإسرائيلي عليها منذ عام 1980، وكذا في ضوء الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية عليها. وسيحرص “نتنياهو” على دعم الاستيطان في هذه المنطقة خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الأوضاع في سوريا لا تؤهل قادتها للبحث عن حل لقضية الجولان في ظل تركيزهم على كيفية استعادة الدولة المدمرة. كما أن إسرائيل ستظل تراقب الوجود الإيراني هناك، وتواصل تنسيقها وتفاهماتها مع روسيا حتى لا يكون هناك أي نوع من التهديد الإيراني لإسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية.

القضية الرابعة: قطاع غزة وحماس

من الواضح أن حسابات “نتنياهو” خلال مرحلة ما قبل انتخابات الكنيست كانت تتركز في ألا تصل الأمور مع حماس إلى مرحلة الانفجار أو الحرب حتى لا تتأثر شعبيته؛ إلا أن الوضع سوف يختلف بعد تشكيل الحكومة، خاصة إذا انضم إليها وزير الدفاع السابق “أفيجيدور ليبرمان”، وستكون سياسة “نتنياهو” تجاه غزة أكثر قوة وصرامة وتشددًا، ولن يمانع في شن حرب رابعة على غزة إذا اقتضى الأمر ذلك، حيث سيكون قد تحرر من الضغوط الانتخابية التي قيدت حرية حركته، وإن كان سيحرص على أن يستنفد كافة السبل قبل لجوئه لشن حرب على غزة، ولا سيما إتاحة المجال أمام إنجاح جهود التهدئة التي تقودها مصر دائمًا.

وفي الوقت نفسه، سيحرص “نتنياهو” على ألا يصل الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى مرحلة الانهيار، بل سيتيح المجال أمام إقامة المشروعات الدولية والقطرية لتسهيل الحياة في القطاع. وهنا سيكون “نتنياهو” مؤيدًا بشكل كبير لما يُسمى بالسلام الاقتصادي كبديل مطروح عن عملية السلام، أو على الأقل سابقًا لها، وهو ما يمكن أن نجده متضمنًا في خطة السلام الأمريكية. ولا يجب أن ننسى أن “نتنياهو” يؤيد بقوة موضوع السلام الاقتصادي وسبق له طرحه منذ سنوات كرؤية لتغيير الوضع الراهن إلى الأفضل (اقتصاديًّا) في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة.

كما أن “نتنياهو” سيكون أكثر حرصًا على استمرار حالة الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، وسيسعى بكافة الطرق إلى إفشال أية جهود تُبذل من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية. وهنا علينا أن نعيد التركيز على تصريحات “نتنياهو” خلال حملته الانتخابية بأنه لن يسمح للرئيس “أبو مازن” بالعودة إلى قطاع غزة، وأن هذا الانقسام يعد مصلحة إسرائيلية.

القضية الخامسة: العلاقات مع الدول العربية

حقق “نتنياهو” خلال الفترة السابقة قدرًا من التطور التدريجي الهادئ في علاقاته العربية، كان آخرها زيارته لسلطنة عمان منذ عدة شهور، وهو الأمر الذي سيحرص معه على تطوير هذه العلاقة بصورة أكبر من ذي قبل، وتوسيع نطاق حركته العلنية والسرية مع الدول العربية. وهنا قد يلجأ إلى مساعدة الرئيس “ترامب” له من أجل تحقيق طفرة في علاقاته العربية، استثمارًا للاهتمام العربي والخليجي بمواجهة الإرهاب وإيران، إضافة إلى التنسيق المتوقع بين إسرائيل وبين بعض الدول العربية بشكل مباشر أو غير مباشر في أعقاب طرح صفقة القرن التي ستتطلب مشاورات على مستوى المنطقة كلها.

الخلاصة

في ضوء ما سبق، وارتباطًا بالتطورات شديدة الحساسية التي ستشهدها المنطقة في المرحلة القادمة، تظل مصر بعلاقاتها المتميزة مع كافة الأطراف الرئيسية على المستويين الإقليمي والدولي هي أكثر الدول المؤهلة لتكون عنصر التوازن في هذه التطورات التي سيأتي على رأسها خطة السلام الأمريكية، وذلك من خلال قيام مصر بقيادة محور الاعتدال العربي (مع كل من الأردن وفلسطين ودول الخليج) لتكوين رؤية واقعية تتعامل مع الخطة الأمريكية بموضوعية بعيدًا عن الرفض المسبق، واستثمار النقاط الإيجابية الواردة بها كنقطة انطلاق نحو استئناف المفاوضات مع إسرائيل. أما في حالة ابتعاد الخطة تمامًا عن الموقفين العربي والفلسطيني فلا مجال أمامنا إلا أن نُعلن تحفظاتنا عليها بصورة موضوعية لا تُثير الموقف الأمريكي ضدنا، وسيكون عندئذ لكل حادث حديث.