الفيسبوك وأخواته ودوره في إشباع غرائز البشر بقلم:لبيب فالح طه
تاريخ النشر : 2019-04-15
لبيب فالح طه

الفيسبوك وأخواته ودوره في إشباع غرائز البشر

بمجرد أن يصبح لديك حساب على الفيسبوك أو تويتر أو أخواتها يصبح لديك ناطقا إعلاميا مجانيا باسمك، ينقل رأيك في الأمور السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها من مجالات الحياة اليومية والمصيرية.

كل من لديه حساب على الفيسبوك أوغيره تصبح حياته مكشوفة للآخرين بمقدار ما يفصح عن حياته الشخصية وأفكاره وسكناته وهناته وحديث نفسه؛ فلو شاءت أي جهة أن تعمل تقريرا أو سيرة ذاتية لشخص له حساب على وسائل التواصل الاجتماعي فهي لا تحتاج إلا إلى قراءة ملفه هناك، وتقييم شخصيته وميوله ورغباته وأهوائه، لا يبقى لها سوى استيضاح بعض الأمور منه، واخذ رأيه فيما جمعته عنه، وأخذ اذنه للنشر حتى لا تقع تحت طائلة المسؤولية القانونية.

يمكن لأي وكالة  استخبارية أو منافس في مجال الأعمال والتجارة جمع معلومات عن شخص ما -إن لم يكن هذا الشخص متحفظا أو شحيحا في نشر المعلومات الشخصية عنه- إن كان مناضلا ثوريا، أو مطلوبا للقضاء في دولة ما، أو خصما سياسيا، أو حتى مطلوب جنائيا؛ هذا الشيء دفع المطلوبين لأجهزة استخبارات أو لهم منافسين تجاريين للتحفظ في إنشاء حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي والبوح عبرها بأسرارهم وأعمالهم، ومنهم من لم يستعمل وسيلة الهاتف إلا مشفرا أو تجنب استعماله بشكل كامل لعلمه أن أجهزة الاستخبارات العالمية تسيطر على الفضاء الرقمي في الكرة الأرضية.

وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة لها من المنافع الشيء الكثير، وهناك مجالات لسوء استخدامها، ولامتلاكها واستعمالها تداعيات نفسية واجتماعية وتربوية، ومن تداعياتها النفسية أنها تظهر أو تشبع الكثير من غرائز البشر.

الغرائز التي عرفها قاموس كامبريدج بأنها طريقة رد فعل أو تصرف الناس أو الحيوانات بشكل طبيعي دون الحاجة إلى التفكير في الأمر أو التعلم عنه،اختلفت الآراء والاتجاهات في تقسيمها وحصر أنواعها؛ هناك من يقسمها الى الغرائز الجنسية، وأخرى لاجنسية وهي على أقسام: التملك، الشك، الإذعان، حب الظهور، الهروب، الألفة، حب الذات، الخوف، العاطفة الأبوية، الفضول، غريزة القطيع (أو العيش ضمن جماعة) .. الخ. ويقسمها آخر الى غريزة الشهوات، وغريزة حب الظهور والاستعلاء، غريزة الادخار والاقتناء، وحب التنافس والتفاخر، غريزة الضعف البشرى،غريزة استعجال الخير والملذات، غريزة الجدل والانسياق مع الهوى، غريزة الخوف والغفلة، غريزة الإيمان بالله وإظهارها عند الشدائد.

هناك من يقسم الغرائز الى: الخوف، الغضب، الخجل، الفضول، التأثير، الحب الجنسي، الغيرة والحسد، التنافس، التواصل الاجتماعي، التعاطف، التواضع، اللعب، التقليد، الروح البناءة، السرية، وحب التملك.

بعيدا عن محاولة حصر عدد الغرائز وأنواعها، نجد أن الكثير مما ذكر يظهر حين يتواصل الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل غريزة حب الظهور والاستعلاء، التملك، حب الذات، العاطفة الأبوية، الفضول، غريزة الشهوات، وحب التنافس والتفاخر غريزة الجدل والانسياق مع الهوى، التقليد.

يلفت نظر متابع الفيسبوك وغيره حب الظهور عند الأعضاء؛ حيث صورة أحدهم أو إحداهن في ملابس أنيقة أو سيارة فارهة أو في مدينة عالمية، وربما التقط البعض صورة له مع شخصية سياسية أو أمنية أو فنية أو اعتبارية.

حب الظهور يدفع البعض إلى نقل حكم وأمثال وأشعار لمفكرين وشعراء وأنبياء وفلاسفة عن مواقع أو حسابات أخرى بغض النظر عن مستواه التعليمي والفكري والثقافي، بحيث يظهره لرواد الفيسبوك وتويتر وانستغرام وغيرها كرسول الثقافة والمعرفة والقيم السامية، حتى لو لم يكن كذلك في الحياة العملية. حب الظهور يرافقه صفة أخرى هي الاستعلاء، من يظهر نفسه بالطريقة المذكورة يريد ان يقول للآخرين أنه شيء نادر وفريد من نوعه، سيحاول ابراز مؤهلات استئنائية كانتمائه لعائلة عريقة، او شهادة مميزة أو امتلاك موهبة نادرة أو ثروة طائلة أو غيرها.

كما يدفع حب الظهور الشخص أحيانا لتصوير نفسه في أي مكان تواجد أو أي حدث يطرأ معه، وكأن العالم يتلهف لتلقف أخباره ونشاطاته حين أوهم نفسه أنه مركز الكون الذي تدور حوله الكرة الأرضية. يضع صورته وهو يتكلم بالهاتف أو يجلس في مكتب فخم مما يعطي الانطباع أنه شخص مهم للمؤسسة وللوطن، وله ثقل وظيفي وإداري بالغ الأهمية.

تظهر غريزة التملك والاستحواذ في الطلب ممن يعرض إحدى المأكولات أن يزودهم ببعض منها أو يدعوهم لتناولها. في إضافة أصدقاء إلى المجموعة تتبدى هنا أيضا نزعة التملك في طلبه إضافة كل من هب ودب إلى قائمة أصدقائه، ليفتخر بأن متابعيه بالمئات وآخر بالآلاف وهكذا.

حب الذات هي غريزة تظهر في تثمين الإنسان لنفسه، تقدير قدراته وإمكاناته ومواهبه، وهي شيء إيجابي كجزء من غريزة الحب بشكل عام فمن باب أولى أن يحب الانسان نفسه، وهي تختلف عن الغرور المذموم. تبدو غريزة حب الذات في وسائل التواصل في ذكر الناس انجازاتهم ومؤهلاتهم ونجاحهم وعدم الانتقاص من قيمتهم أو السماح لأحد ما أن يذكرهم بما يسؤهم حتى لو كان ما يقوله حقيقيا.

تبدو غريزة العاطفة الأبوية أو عاطفة الأمومة واضحة في نشر صور الأبناء على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر ما يتعلق بهم من إنجازات دراسية أو أعياد ميلادهم وما شابه.

غريزة الفضول تتضح في محاولة كشف المجهول أو الغموض أو الملتبس، تظهر هذه الأشياء على وسائل التواصل في استفسارات البعض واجابات الاخرين. الفضول يدفع البعض لطلب صداقة اشخاص لا توجد له معهم علاقة قوية في الحياة العملية وربما يكون السبب غريزة الفضول للتعرف على الشخص وطباعه واهتماماته مقرونة بغرائز أخرى.

لا يحبذ الانسان العيش لوحده حيث لديه غريزة العيش ضمن جماعة، وهي التي تدفع الانسان الى الانضمام الى وسائل التواصل الاجتماعي. الانسان الذي قال ابن خلدون عنه في مقدمته إنه كائن اجتماعي بطبعه يصبح له جماعة أو مجموعة ينتمي اليها في  العالم الافتراضي بمجرد أن يصبح لديه حساب على الفيسبوك أو غيره.

تبدو الشهوات غريزة واضحة في الاهتمام بالفتيات اللاتي يبدين جمالهن، وشهوة حب المال والسعي لكسبه. هناك من استعمل وسائل التواصل للوصول الى الفتيات أو المال  أو الاثنين، وكانت الوسائل أخلاقية وشريفة كالزواج في حال الفتيات أو التجارة والاستثمار في حال المال، ومن الوسائل ما لم يكون أخلاقيا او مشروعا.

غريزة حب التنافس والتفاخر، تظهر في التفاخر بالابناء والعائلة والإنجازات سواء كانت وهمية أو حقيقية، يتنافسون أحيانا في نشر صور موائدهم وطعامهم وشرابهم وما يهم أو لا يهم من يتابعهم على حساباتهم.

يبدو الجدل متأصلا في الانسان؛ فغريزة الجدل منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، تكفي مقولة أو كلمة أو رأي يخالف توجهات وقيم المجتمع لإشعال منصات التواصل الاجتماعي لأيام وأسابيع عديدة في سجالات ومناقشات حامية الوطيس.

غريزة التقليد توجد مع الطفل عند ولادته حيث يبدأ بتقليد أمه والمحيطين به، وتستمر هذه الغريزة مع الإنسان عندما يكبر فيرى معظم الناس لهم حساب على الفيسبوك أو تويتر فيسارع الى تقليدهم، هذا قراره الذي عليه أن يتحمل ما يترتب عليه من تبعات وآثار.

تملأ وسائل التواصل الاجتماعي الدنيا وتشغل الناس، تظهر الكثير من الغرائز التي يتداخل بعضها كغريزة حب الظهور والتنافس والتفاخر، وحب الذات والتملك. وسائل التواصل الاجتماعي سهلت الحياة وقربت البعيد الذي لديه وسيلة تواصل اجتماعي حتى لو كان في الطرف الاخر من الكرة الأرضية، وأبعدت القريب الذي يسكن على مرمى حجر إن لم يكن لديه وسيلة تواصل اجتماعي، وغيرت الكثير من القيم والسلوكيات والتصورات.