السودان خطوة للأمام بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2019-04-15
السودان خطوة للأمام بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة 

السودان  خطوة للأمام

عمر حلمي الغول 

صباح الخميس الموافق الحادي عشر من نيسان/ إبريل الحالي (2019) نجح الشعب العربي السوداني في التقدم خطوة للأمام في حراكه الشعبي، وتمكن من إرغام مؤسسة النظام عن التخلي عن رأسها، الرئيس عمر حسن البشير بعد ثلاثين عاما من الحكم، بعد حراك شعبي إستمر طوال اربعة اشهر منذ التاسع عشر من كانون أول/ ديسمبر 2018 الماضي إحتجاجا على غلاء الأسعار وخاصة سعر رغيف الخبز، الذي تضاعف خمسة مرات، وإنخفاض مستوى المعيشة، وزيادة أسعار الوقود، وعدم إستقرار اسعار صرف العملة، بالإضافة لإعلان البشير لترشحه للإنتخابات الرئاسية مجددا. 

يأتي رحيل الرئيس السوداني بعد تسعة ايام من رحيل الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما يشي أن دوامة التحولات في العالم العربي مازالت حبلى بالتغيرات، وكأن ما جرى في البلدين الشقيقين مرتبط بالحبل الصري لثورات ما يسمى ب"الربيع العربي"، الذي بدأ في تشرين أول / إكتوبر 2010 في تونس، مع الفارق الكبير بين ما جرى آنذاك، وما يجري الآن، ففي الأولى تنصب جماعة الإخوان المسلمين على رأس المشهد، ولكن الحراك الحالي يخلو من هذا التلوث، وأن كانت كل الثورات العربية سارت بلا رأس واضحة المعالم، رغم تبوأ الأخوان المسلمين صدارة المشهد، ورفع الشعارات السياسية والمطلبية، التي تعبر عن مصالح الجماهير الشعبية شكليا. 

 المهم بعد 30 عاما أُجبر الرئيس البشير التخلي عن الحكم مرغما، ووضع تحت الإقامة الجبرية، أو حسب ما جاء على لسان الجنرال عوض بن عوف، رئيس المجلس العسكري، الذي تنحى طواعية مساء الجمعة الموافق 12 إبريل، ورشح الفريق أول، عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن لتولي رئاسة المجلس بدلا عنه، تم التحفظ عليه (البشير) في مكان آمن، وهناك معلومات شبه مؤكدة تقول، انه توجه في الرابعة فجرا إلى السعودية، بعد ان رفضت كل من تركيا وقطر والإمارات إستقباله. وكان عمر حسن البشير إستولى على الحكم في 30 حزيران/ يونيو 1989 بعد الإنقلاب على الحكومة المنتخبة ديمقراطيا بقيادة الصادق المهدي، وبدعم وإيعاز من جماعة الإخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي، والذي إنقلب عليه ايضا، وإعتقله في 1999. 

التحول الدراماتيكي في السودان لا يندرج في قائمة التحول السلمي وفق التطورات، التي عاشتها البلاد على مدار الشهور الأربعة الماضية، وخاصة فجر وصبيحة يوم الخميس الماضي (11/4/2019)، انما يأتي في نطاق ما يمكن وصفه بالإنقلاب العسكري الشكلي، من قبل المؤسسة العسكرية على رمز النظام الأول، رغم ان الفريق أول، عمر زين العابدين، رئيس اللجنة السياسية في المجلس العسكري، أعلن الجمعة الماضي (12نيسان/ إبريل الحالي)، أن الجيش لن يملي قراراته على الثوار، وإنما خلع البشير لتلبية تطلعات الشعب، ولترتيب التداول السلمي للسلطة. وعمق هذا القول "الإيجابي" الوهمي بإستحضار ميراث الراحل الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب، حينما اشار، إلى ان أعضاء المجلس العسكري، هم ابناء سوار الذهب، وهذا قول فيه شك. لماذا؟ لإنه شتان ما بين تجربة الرئيس الأسبق، سوار الذهب وجنرلات اليوم بقيادة بن عوف، الذي تخلى طوعا وتكتيكيا عن رئاسة المجلس، وللترشح لاحقا كرئيس محتمل للسودان، لإن الرئيس الراحل كُلف لقيادة البلاد لمدة عام لحين إنتخاب قيادة جديدة للبلاد. لكن جنرلات اليوم، أولا هم من نصب نفسه، ولم يكلفهم الشعب، أو قواه السياسية، ليس هذا فحسب، بل ان الشعب وقوى الحراك ترفض حكم العسكر، واصدرت بيانا بذلك؛ ثانيا منحوا أنفسهم الحكم مدة عامين، ثم تسليم البلاد لحكم مدني! ولم يغفر للعسكر قول الجنرال زيد العابدين، بأن المجلس "مستعد لتقصير الفترة الإنتقالية وفق الظروف الأمنية." ومن يعرف ما هي الظروف الأمنية، التي يقصدها المجلس العسكري؟ وما هي المعايير الأمنية والسياسية، التي يراها العسكر مناسبة؟ وعن اي حكم مدني يتحدثون؟ وبالتالي فإن الحكم العسكري، وإن إدعى، انه سيبقى على تماس مع الشارع ونخبه السياسية، وانه سيحارب الفساد، ويعمل على رفع الحصار الأميركي عن البلاد، غير ان كل تلك الشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، لانها ستذهب ادراج الرياح بعد هدوء الحراك الشعبي. 

وهذا بالضبط ما اكده بيان "قوى إعلان الحرية والتغيير"، الذي يمثل قوى التغيير السودانية، وجاء فيه، انهم يرفضوا "إنقلابيي النظام". ولعل إعلان الجنرال محمد حمدان حميدتي، قائد قوات الدعم السريع بإنحيازه للشعب، ورفضه عضوية المجلس العسكري، ومطالبته المجلس العسكري بتسليم البلاد لحكومة مدنية فورا، ما يشي بأن حركة وزير الدفاع، عوض بن عوف، ومن رشحه لتولي المنصب بعده، الجنرال البرهان ليست بريئة، وتحمل في طياتها إلتفافا واضحا وصريحا على الحراك الشعبي. 

ومع ذلك، فإن المشهد السوداني لامس بعض التغير النسبي يوم السبت (امس)، من حيث تغير لهجة خطاب المجلس العسكري، الذي عكسه الفريق البرهان بنبرة تصالحية، غير فوقية ولا زجرية، واكد إستعداده لملاحقة كل من اساء للجماهير، واصدر قرارا بالإفراج الفوري عن كل السجناء؛ كما تم إقالة صلاح قوش، رجل المخابرات القوي، الذي إستخدم القوة ضد الجماهير، وتم إلغاء حظر التجول في كل السودان؛ وفي الوقت ذاته، اعلن الجنرال حميدتي عن قبوله تلوين المجلس العسكري بعد عزل المتورطين في جرائم ضد الشعب، وعن تشكيل حكومة مدنية؛ كما واعلنت قوى الحرية والتغيير إستعدادها لفض الإعتصامات أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة في حال توفرت الشروط  التالية من المجلس العسكري: اولا ضمان إنتقال السلطة الفوري لحكومة مدنية إنتقالية؛ ثانيا إلغاء أي قرارات تعسفية من قيادات لا يمثلها، ولا تمثل الشعب؛ ثالثا التحفظ على كافة رموز السلطة الماضية من المتورطين في جرائم ضد الشعب. وهذا ما وعد به البرهان؛ رابعا تشكيل جمعية وطنية من كل اطياف اللون السياسي لقيادة عملية التشريع، والإتفاق على دستور جديد للبلاد ...

التحولات الجارية في السودان الشقيق لم تنته بعد، ومازالت محل ترقب وإنتظار ومتابعة، لإن الشعب السوداني وقواه الحية مازال مرابطا في الشارع، حتى بعد إلغاء منع التجول على البلاد من قبل المجلس العسكري. والأيام القادمة حبلى بالتطورات والسيناريوهات.

[email protected]

[email protected]