نتنياهو..الانتخابات الأخيرة أكثر بكثير من مجرد الفوز بفترة جديدة بقلم:د. سمير مسلم الددا
تاريخ النشر : 2019-04-15
نتنياهو..الانتخابات الأخيرة أكثر بكثير من مجرد الفوز بفترة جديدة بقلم:د. سمير مسلم الددا


نتنياهو...الانتخابات الأخيرة أكثر بكثير من مجرد الفوز بفترة جديدة

الدعم العالمي والعربي الغير مسبوق الذي تلقاه بنيامين نتنياهو في الاسبوعين الاخيرين اتى اوكله ونجح الاخير في الانتخابات التشريعية التي جرت في اسرائيل الاسبوع الماضي ليكرس نفسه زعيما تاريخيا كونه سيصبح اطول رئيس وزراء بقاءا في الحكم في تاريخ دولة الاحتلال منذ تأسيسها قبل اكثر من سبعين عاما اذا اكمل فترته الحالية, حيث سيكون قد احتل المنصب لحوالي 17 سنة متفوقا على ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء واحد أهم مؤسسي اسرائيل والذي لم يمكث في المنصب اكثر من 14 عاما تقريبا.
الاستقبال الملفت الذي رتبه الرئيس الامريكي دونالد ترامب لنتنياهو يوم الاثنين 25 اذار/مارس في البيت الابيض وكان محاطا بالإضافة الى نتنياهو بطاقمه اليهودي الصهيوني المتطرف (ديفيد فريدمان, جاريد كوشنر, جيسون غرينبلات ومايك بنس) ووقع خلاله على اعتراف امريكي بالسيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان, ثم التفت الى نتنياهو الواقف الى يساره ليهديه القلم الذي وقع به على القرار, في حركة استعراضية رأى معظم المراقبين أنها تحمل رسالة اعلامية واضحة لقوى اليمين في اسرائيل وللناخب الاسرائيلي بالدرجة الاولى باعتماد اوراق نتنياهو رئيسا للوزراء حيث ان وجوده على رأس الحكومة الاسرائيلية المقبلة كما قال الرئيس ترامب يوم الاربعاء 10/04/2019 "سيكون هناك فرصة افضل امام خطة السلام" او ما يسمى "صفقة القرن" والتي سيتم طرحها قريبا حسب تصريحات جون بولتون مستشار الامن القومي.
تجدر الاشارة الى ان اسرائيل احتلت هضبة الجولان في حربها التي شنتها بغتة في حزيران/يونيو عام 1967 على كل من سوريا ومصر والاردن وفلسطين، كما احتلت في تلك الحرب الغاشمة الى جانب الهضبة السورية كامل شبه جزيرة سيناء حتى السواحل الشرقية لقناة السويس، وما تبقي من فلسطين اي الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية ومنطقة الاغوار الحدودية وكلها كانت تحت السيادة الاردنية وكذلك كامل قطاع غزة الذي كان خاضعا للحكم العسكري المصري وفيما بعد احتلت جنوب لبنان بالقوة العسكرية ايضا في حرب شنتها على هذا البلد الوديع والمسالم عام 1978.
استعادت القوات المسلحة المصرية السيطرة قناة السويس وجزءا من الاراضي المصرية في سيناء عمقه حوالي 30 كيلومترا شرق القناة اثر حرب تشرين اول/اكتوبر عام 1973, وفي عام 1982 اعلن الرئيس المصري في ذلك الوقت حسني مبارك تحرير كامل سيناء نتيجة لمعاهدة كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري الاسبق انور السادات مع وزراء اسرائيل الاسبق مناحيم بيغن رئيس تحت رعاية الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر عام 1979.
ايضا في 25 ايار مايو عام 2000 أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي حينذاك ايهود باراك انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان من جانب واحد وبدون اتفاق مع أي طرف لبناني نتيجة ضغط المقاومة اللبنانية الباسلة.
وكذلك الحال، في عام 2005 أعلن رئيس وزراء اسرائيل حينها ارئيل شارون انسحاب جيشه المحتل من قطاع غزة من جانب واحد وبدون اتفاق مع اي طرف فلسطيني نتيجة ضغوط المقاومة الفلسطينية الباسلة.
أي ان اسرائيل تحت ظروف ودوافع مختلفة انسحبت من الاراضي التي احتلتها بالقوة المسلحة في كل من سيناء وجنوب لبنان وقطاع غزة ولكنها بقيت تسيطر على هضبة الجولان والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية بزعم انها "تشكل اهمية استراتيجية لأمنها القومي", علما ان حدود اسرائيل مع سوريا لم تشهد حتى إطلاق رصاصة واحدة منذ حوالي اربعين عاما والجولان تبعد اكثر من 150 كيلومتر مربع من تل ابيب تقريبا مما يفند هذا الزعم الاسرائيلي الزائف والذي يغطي على السبب الحقيقي وهو اطماع صهيونية في الاستيلاء على الاراضي العربية السورية.
في الوقت الذي تميزت فيه الجبهة السورية بالهدوء, شهدت الحالة الفلسطينية تطورات متلاحقة, مرورا بعدة محطات ابرزها اتفاقيات اوسلو وانطلاق المفاوضات العربية الاسرائيلية بما فيها المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية والمفاوضات الاسرائيلية السورية وكلا المساران وصلا الى طريق مسدود نتيجة سيطرة اليمين المتطرف على سدة الحكم في اسرائيل عقب قيام متطرف اسرائيلي يميني عام 1995 باغتيال اسحق رابين رئيس وزراء اسرائيل السابق الذي قام بتوقيع اتفاق اوسلو المتعلق بالقضية الفلسطينية وصاحب وديعة رابين المتعلقة بتسوية قضية هضبة الجولان.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال يوم السبت الماضي إنه اتخذ القرار المثير للجدال بالاعتراف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان عام 1981 بعد تلقيه درسا سريعا في التاريخ خلال حوار بشأن موضوع مختلف.
وقال ترامب متهكما أمام تجمع الائتلاف اليهودي الجمهوري في لاس فيجاس إنه اتخذ هذا القرار السريع خلال نقاش مع كبار مستشاريه بشأن السلام في الشرق الأوسط ومن بينهم ديفيد فريدمان سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل وصهره جاريد كوشنر ومبعوثه الى الشرق الاوسط جيسون غرينبلات.
وأضاف باستخفاف وسط ضحك من الحاضرين في لاس فيغاس "قلت أيها الزملاء اسدوا لي معروفا. حدثوني قليلا عن التاريخ بشكل سريع. تعرفون لدي أمور كثيرة أعمل بشأنها: الصين وكوريا الشمالية".
علما ان قرار ترامب حول الجولان يوجه ضربة قوية لعهود طويلة من السياسة الأميركية التي التزمت بعدم اتخاذ أي قرار يتنافى والقرارات الأممية فيما يتعلق بالجولان والقضية الفلسطينية، وينتهك قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981 الذي يؤكد الوضع القانوني للجولان السوري كأرض محتلة ويرفض قرار ضم إسرائيل لها عام 1981، ويعتبره باطلا ولا أثر قانونيا له.

ثانيا قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الاخر بركوب الموجة واستغلال هذا التطور ليقدم دعما انتخابيا ثمينا لنتنياهو وربما يفوق من حيث التأثير على الشارع الاسرائيلي قرار ترامب نحو هضبة الجولان.
فإعادة رفاة الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل الذي فُقد أثناء الحرب مع لبنان في عام 1982 لم يكن عبثا، فالرئيس الروسي يدرك أهمية مثل هذه اللفتة الأيدلوجية عند الإسرائيليين ومدى تأثيرها على مستقبل المرشح بنيامين نتنياهو الذي كانت كل استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات الاخيرة تشير انه سيخسر السباق، فاستشف الثعلب الروسي انها اللحظة المناسبة للقيام بما قام به وتقديم هديته, وهو يدرك جيدا انه لا يوجد هدايا مجانية في السياسة والعلاقات الدولية وهو يدرك ايضا ان نتنياهو المخضرم هو الاخر يدرك ذلك، وخصوصا إن هذه لم تكن "المرة الأولى التي يقدم فيها بوتين هديّة ثمينة لنتنياهو, ففي أيار/مايو 2016، أعادت روسيا دبابة إسرائيليّة أصيبت خلال معركة السلطان يعقوب سنة 1982 على اثر زيارة نتنياهو لموسكو في ذلك الوقت, وفي آب/أغسطس 2017، تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي هديّة من بوتين عبارة عن جزء من أول طبعة للكتاب المقدس العبري (التناخ) الذي تمت طباعته في القرن الخامس عشر للميلاد مع تعليق وتفسير من الحاخام شلومو يتسحاقي الذي عاش في القرن الحادي عشر، والسؤال ما الذي يهدف اليه فلاديمير بوتين من وراء كل هذه الهدايا، بما فيها الخيرة (اعادة رفاة الجندي باومل).
في نظر الكثير من المراقبين ان الرئيس الروسي يهدف الى تعزيز نفوذ بلاده في المنطقة بعد نجاحه في سوريا مؤخرا, المحنك بوتين راقب التطورات الاخيرة التي شهدها العالم في ظل الادارة الامريكية الحالية التي توحي سياساتها في العامين الاخيرين نحو الانكفاء داخليا والاهتمام فقط بالمصالح الامريكية بدون مراعاة للمصالح المشتركة مع الاخرين, مما تسبب في توتر علاقاتها مع حلفائها وشركائها علاوة على انسحابها من العديد من الاتفاقيات الدولية, قرأ بوتين من كل ذلك ان الدور الامريكي في المنطقة بدأ يتراجع في ظل سوء تقدير ادارة ترامب للأهمية الاستراتيجية الفائقة لمنطقة الشرق الاوسط بفوقية بدون تقييم فعلي لأهميتها الاستراتيجية الفائقة, واختزال السياسة الامريكية نحو المنطقة في الابتزاز بهدف الحصول على مكاسب مالية ودعم مطلق لإسرائيل, فاستغل بوتين هذه الفرصة جيدا وبدأ بالتقدم نحو مناطق كانت قبل ادارة ترامب محرمة تماما على الدب الروسي, فوصل بكل اريحية الى المياه الدافئة في المنطقة, بل قام بنسج علاقات استراتيجية مع بعض دول المنطقة الرئيسية بما فيها دول خليجية وتركيا العضو في حلف الناتو ويشمل ذلك اتفاقيات استراتيجية وتفاهمات امنية والاهم صفقات اسلحة ضخمة.
فكان على روسيا التواصل مع طرف مؤثر اخر على الجانب الاخر من المعادلة الشرق اوسطية وقد يكون الاكثر تأثيرا وذلك بغية تعزيز وجودها وسياستها في تلك المنطقة الحيوية، وهذا ما يدعو الكثير من المختصين في الشأن الروسي الى تفهم سلوك الرئيس بوتين ودعمه لنتنياهو الذي يرى فيه اللاعب الاُكثر أهمية لتسهيل هذا التوجه الروسي, وهذا ايضا ما يفسر ابتلاع روسيا لحادثة اسقاط طائرة الانذار المبكر الروسية ومقتل 15 عسكريا روسيا كانوا على متنها على الرغم من ان وزارة الدفاع الروسية حملت اسرائيل كامل المسؤولية عن هذا الحادث الذي وقع في شهر ايلول/سبتمبر الماضي في الاجواء السورية.

من جهته ساهم يوسف بن علوي وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني في بازار تقديم الهدايا والدعم الانتخابي لبنيامين نتنياهو، فقد صرح بن علوي قبل ثلاثة ايام فقط من الانتخابات الاسرائيلية في كلمته امام منتدى دافوس الاقتصادي الذي استضافته العاصمة الاردنية عمان "أن اسرائيل لا تشعر بالأمان وتريد الاطمئنان على مستقبلها" ,اضاف الوزير العماني في اللقاء الذى جرى على ضفاف البحر الميت : "علينا نحن الدول العربية تفهم ذلك والمضي قدما نحوه", لا ادري ان كان الوزير بن علوي يدري ان اسرائيل تمتلك رابع اقوى جيش في العالم قوامه حوالي 700 الف جندي معززين بأحدث ترسانة عسكرية في العالم, مكونة من منظومات دفاعية في غاية التقدم من طراز باتريوت وثاد وآرو وغيرها, بالإضافة الى اكثر من 5000 دبابة متقدمة من طراز ميركافاه مدعومة بحوالي 2000 طائرة مقاتلة من بينها اف 35 الاكثر تقدما في العالم والتي لا تمتلكها غيرها الا القوات الامريكية, وعشرات القطع البحرية المتطورة بما فيها غواصات دولفين الالمانية الصنع والقادرة على حمل رؤوس نووية, هذا بخلاف مئات بطارات الصواريخ الذكية والاكثر تطورا في العالم, هذا علاوة على ترسانة نووية قوامها اكثر من مئة رأس بحسب تصريحات ادلى بها العالم النووي الاسرائيلي مردخاي فعنونو لصحيفة صنداي تايمز في اكتوبر عام 1986 مصحوبة بصور سرية لمفاعل ديمونة حصل عليها فعنونو ابان عمله في ذلك المفاعل.
في ضوء هذه المعلومات العسكرية الاسرائيلية الموثقة, لا ادري ما زال الوزير بن علوي قلق على امن اسرائيل وسلامتها, في تقديري ان هذا التصريح العبثي يأتي فقط في سياق دعوة صريحة الى تطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية كهدية انتخابية ثمينة ومؤثرة لنتنياهو الذي يفاخر دائما انه نجح في تحقيق اختراق كبير في ملف التطبيع مع الدول العربية، ومثل ذلك دعما كبيرا لفرص نتنياهو في الانتخابات العامة التي جرت يوم 9 أبريل/ نيسان الجاري، والتي كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أنها لن تكون في صالحه.
كل هذا الدعم العالمي (الامريكي, الروسي وحتى العربي) كان يهدف الى لفت الانتباه الى نجاحات تحسب لبنيامين نتنياهو وفي نفس الوقت تشتيت انتباه الشارع الإسرائيلي عن إخفاقات نتنياهو وخصوصا فضائح الفساد والرشوة التي طالته وطالت أفراد من عائلته في الفترة الأخيرة".

اخر الكلام:
كانت الانتخابات الاخيرة مسألة حياة او موت لبنيامين نتنياهو، فقد كان معرضا هو وبعض افراد عائلته للسجن بسبب تهم فساد ورشوة, وكان ذلك شبه محقق في حال خسارته لتلك الانتخابات, وكان يدرك ان السبيل الوحيد للإفلات من هذا المصير الاسود (ولو في المرحلة الراهنة) هو الفوز بالانتخابات العامة ليس الا, وبالتالي الاحتماء خلف منعة منصب رئيس الوزراء والسعي (حسب ما تناقلته مؤخرا وسائل اعلام اسرائيلية) بالتنسيق مع شركاؤه في تحالف اليمين في الفترة القريبة المقبلة الى تشريع قانون يوفر حصانة لشخص رئيس الوزراء ضد أي تهم جنائية طيلة بقائه في المنصب, أي ان فوز نتنياهو لم ينقذه من دخول السجن فقط بل رفعه الى مكانة تاريخية مرموقة وغير مسبوقة في تاريخ اسرائيل, لهذا السبب شهدنا هذا الدعم الانتخابي المؤثر المباشر والغير مسبوق من الرئيسين الامريكي والروسي وكذلك من الوزير العماني.
د. سمير مسلم الددا
[email protected]