يوميات فرد بقلم : صلاح بوزيّان
تاريخ النشر : 2019-04-13
يوميات فرد  بقلم : صلاح بوزيّان


يوميات فرد

و كنتُ أنا ، وكان أنا ، و كانوا أنا ، و كُنتهُم ، وها أنا ذا هُمْ وأنتم ، وكلّكم أنا ، سراجٌ وهّاجٌ ، اقرأ وافهم ، وافهم واقرأ ، وهكذا مرّت أيّام و جوفي خاوٍ من كلّ حارّ و بارد ، شّيبني العشقُ وأسعدني ، أمر نورانيٌ ، أمضيتُ أيّاما طويلة بين الأشجار و القبور و المقاهي و الأزقّة و الأسواق لا أعرف بردا و لا ظلمة و لا رهقا ، أهل المدينة في سبات يلاحقون وهمًا وكذبة كبرى تتجدّد ، كذبة يحتفون بها ، وثلّة نجت من شباك الكذّابين ، مدائن كثيرة امتلأت لصوصا وكذّابين وقمامة وكهانة و شعوذة ، ومدائن متهدّلة الخدود ، لاهثة تائهة جائعة حائرة ، أنهكتها النقود و تيه الأبناء ، غبار كثيف وكرّ وفرّ ، صياح وصراخ ونُباح ، وهذا الرّجل أنهكه الوضع العام أينّما سرّح نظره ، وكيفما قلّبَ الأمور . ولكنّه استراح في حاله في فجّ من هذه الفجاج ، وتعود به الذّكريات إلى زمن النشأة ، فيذكرُ كيف كان يمشي حافيا ، يلاحق الخطّافات ، ويلعبُ بالماء في عين جارية بقرية رحيمة ، و يرعى المواشي في جبل بقرية مسيوتة و بقرية الكبّارة ويعدّ الأنجم في ليالي الصّيف الحارقة قرب العابد عمر عبادة ، ويقرأ أسماء الله الحسنى وسط البيت وفي مقبرة العابد عرفة الشّابي ، وكانت جدّته تردّد :{ لا تضربوا الأمين فهو عاشق ، وأخشى عليكم سطوة الملك العلاّم إذا ضربتموه }  وكان يذهب إلى الجامع الأعظم ليحفظ القرآن ، مرّت سنوات وبرع في ذلك ، وكانت أحوال العشق تزداد ، بعدها بأيّام  التقى بعبّاس ، فقال له :{ جيت يا عسكري }  و صار يلازمه ويقتفي أثره ، ويطيعه ، ويأخذ عنه مفاتيح العشق . تغيّرت الأمور، وأدركته الفيوضات فامتلأ عشقا ، وكان يبتهجُ بقدوم اللّيل ، فيعصّبُ رأسه و يلبس القشابية ، وينطلقُ في الصّلاة و المناجاة وكان يقول كلاما في العشق . و كان يجد في نفسه أحوالا من السّعادة والانشراح لا يعرفُ معها غضبا و لا نصبا ، و القيروان تزداد في كلّ يوم جمالا و حُسنا .