ومضة من كتاب الجندر للدكتورة أميمة أبو بكر بقلم: نادية عبد الهادي عتيق
تاريخ النشر : 2019-04-10
ومضة من كتاب الجندر للدكتورة أميمة أبو بكر  بقلم: نادية عبد الهادي عتيق


بقلم : نادية عبد الهادي عتيق

  ومضة من  كتاب الجندر  للدكتورة /اميمة ابو بكر 

كتاب “المرأة والجندر” ، يُعنى بجهود النساء الفكرية لخلق خطابات تمكينية وتحريرية من منظور معرفي إسلامي ،و فيه ترى الكاتبة بأن التجديد في الفقه من منظور نسائي ظهر نتيجة الهوة الكبيرة التي تفصل بين حقوق المرأة الثابتة والمكفولة شرعا في مجال السياسات العامة والقانون، وواقع المرأة المسلمة الذي يشهد عدم تنزيل هذه الآيات والأحكام الشرعية لأرض الواقع، بالإضافة إلى الثقافات والتقاليد التي لا تمت للإسلام بصلة وتُشوه واقع المرأة المسلمة، ولاسيما أن القرآن يؤكد في مواضع شتى على معاملة المرأة معاملة إنسانية وعادلة ويحث على احترام آدميتها. كما تدعو الى ضرورة دراسة الفقه وسياقاته الاجتماعية ومراجعة الآراء الفقهية والفتاوى التي غلبت فيها الثقافة المحلية على صريح النص أو مقاصده، وأُهدرت فيها أهلية المرأة العقلية والقانونية، وقدمت لها نظرة دونية تتعارض مع صريح النص القرآني والسنة ا.ولا تصنف دعوتها إلى مراجعة الفقه في خانة المطالب “النسوية”، وإنما هي عودةٌ للأصول وتحريرٌ للنص من سلطة الثقافة السائدة ، لأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان. 

 وتبين د. اميمة  من خلال استرجاع الأصول حرص النساء في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم على المشاركة في الشؤون العامة وعدم إقصائهن، وأنهن كُن جزءا ظاهرا من الحياة الإسلامية في مختلف جوانبها الدينية والاجتماعية وحظين بالمكانة والتقدير لمشاركتهن. كما تشير إلى مراعاة التنزيل لإحداث توازن بين شقي المجتمع والإنصات لصوت النساء، وهو ما يجسده مثلا بشكل جلي استماع الله جل وعلا قول التي جادلت الرسول صلى الله عليه وسلم في زوجها.

هناك فريق يرفض مفهوم الجندر ويؤكد ان دراسات الجندر لا مكان لها ولا فائدة في المجتمعات الإسلامية بل تنافي الأساس القيمي للإسلام 

الفريق الآخر يكتفي بالإيمان بهذا المنظور الجندري ولكن يرفض أي اعتبارات له ذات مرجعية دينية حيث أن الرجوع للدين بهذا الخصوص ينافي مبادئ دراسات المرأة حيث أن هذا النوع من الدراسات يبحث ويكشف آليات التهميش المتعلقة بالمرأة ويهدف للتحرر منها على عكس ما يفعله الدين ويطبقه بها.

بعيدا عن هؤلاء الفريقين الذين يرون أن لا ربط بين دراسات المرأة والمرجعية الدينية الإسلامية ,هناك وقائع تاريخية ومدونة في الاثر تبين  مفهوم الجندر في الثقافة الاسلامية الاولى : 

- عندما نادى الرسول في المنبر بلفظ يا أيها الناس وكانت حينها أم مسلمة زوجته فهّمت بالذهاب حيث تساءلت جاريتها بأنه قال الرجال وليس النساء فردت أم سلمه أنها من الناس وذهبت.وبذلك فهي –أم سلمه- والرسول لم يفرقوا بين الرجال والنساء في الدعوة إلى الأمر المنادى له وان ام مسلمة عرفت بأن الرسول يرى في النساء شئنا كالرجال بأن ينادي بهم جميعا.

- في حادثة اخرى  وهو سؤال ام سلمى للرسول عليه السلام "يا رسول الله لا اسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيئ" فنزلت الاية " اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض "(ال عمران 3/195) 

- وتضيف اسماء بنت عميس وجه اخر لصورة المراة في ذاك الزمن عند عودتها مع زوجها جعفر بن ابي طالب من الحبشة , ودخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وقالت ( هل نزل فينا شيء) قلن ( لا ) فاتت لنبي صلى الله عليه وسلم فقالت (يا رسول الله ان النساء لفي خيبة وخسار) قال (ومم ذلك ؟) قالت (لانهن لا يذكرن في الخير كما يذكر الرجال )  فانزل الله تعالى " ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات  والقانتين والقانتات " الى اخر الاية "اعدت لهم مغفرة واجراً عظيماً"

وهذا يدل على حرص النساء في زمن ا لرسول صلى الله عليه وسلم ان يكون لهن شان ومكانة في الشؤون العامة من خلال ذكرهن بالقران الكريم وبذلك يصبحن جزءا مرئيا في المجتمع الاسلامي ، ومراعاة التنزيل لاحداث التوازن بين شقي المجتمع ،بالاضافة الى ان  ظروف تنزيل هذه الايات تؤكد على ضرورة احترام وجهه نظر المراة ومبادراتها والى اهمية الانصات الى المراة وتساؤلاتها حول موضوع يؤرقها.

اضافة الى  الوعي النسوي لظروف حياتهن ويكون لديهن ادراك خاص بوضعهن وبخصوصية قضاياهن, ففي الغالب يكون المجتمع بمؤسساته هو المسؤول عن التفرقة والتهميش والفصل  وبالتالي تولد مشاكل تعاني منها النساء  في حياتهن اليومية ، ومن هنا يكون الوعي النسائي الطريق لايجاد حلول لهذه المشاكل والوصول لمرحلة انخراط المراه في الحياة بكافة ابعادها  لى مستوى واحد من التكافؤ والعدل .

وتشير الكاتبة الى مقالة للباحثة مهجة قحف   اكدت فيها ان ( النموذج التعبير الانثوي الصحيح عن النفس ) كان موجود بكثرة في الثقافة الاسلامية المبكرة للقدرة على اعلان موقف محدد في المجال العام .كما هو ظاهر في واقعة أسماء بنت يزيد الاشهلية. التي  ذهبت للرسول وهو مع اصحابه  تشكي أنشطة النساء الدونية عن الرجل التي اقرها عليها المجتمع وتوصف له خوفها ونساء المسلمين بأن لا يأخذن من الأجر والثواب  فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله, أنا وافدة النساء إليك, إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك. وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم, وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج, وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله , وإن الرجل إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم. أفما نشارككم في هذا الأجر والخير..نلاحظ هنا ان  اسماء اثبتت وجود الوعي النسوي انذاك  بداية بان الله  عز وجل قد ارسل الرسول صلى الله عليه وسلم للرجال ,والنساء على حد سواء، كما انها قدمت وصفا للدور الاجتماعي والوظيفي الذي فرضه عليهن المجتمع  . منوهة الى ان نجاح الرجال في الاعمال يعود لمساندة النساء لهم والتي لا تلقى التقدير الاجتماعي المناسب  والسؤال هنا: هل سيؤخذ في الحسبان المعوقات الاجتماعية التي تحد من انشطة المراة وطلبها للثواب؟  ان رد الرسول الذي اشار ان اجر وثواب هذه الاعمال التي تقوم بها النساء تعادل اجر ما يقوم به الرجال  يسلم بوجود هذه الضغوط المعيقة في حياة النساء  وذلك حسب النمط الاجتماعي في ذلك الزمن  ولكنه رفع من قيمة هذه الاعمال (الدونية في نظر المجتمع الذكوري) الى درجة تستحق  الاجر والثواب وبالتالي يوليها الناس الاحترام والتقدير  .

مما سبق نرى ان النساء الصحابيات قد قمن بشكل ما وبطريق غير مباشر بنقد  الانماط السائدة  وتقسيم العمل بين الجنسين ، ولفت النظر الى ذلك  ولم يقبلنها بسهولة الا بعد تفنيدها وفهم منطقها والمصلحة من ورائها.

 وتعلق الكاتبة هنا (وهل نظل – بعد كل هذا – نعتقد ان النساء  المسلمات المعاصرات فقط هن القادرات على اظهار وعي نسوي معارض بتاثير من الغرب في الحصر الحديث؟

الامثلة كثيرة ممتدة عبر قرون التاريخ الاسلامي  التي تثبت سمة(0التعبرية اللفظية الصريحه)  للنساء وخطاباتهن النقدية والجدلية  والتعليمية ..الخ. ويتضح ذلك في الواقعة الشهيرة التي تواضع بها عمر بن الخطاب امام الحق حين  استوقفته امراة  لترد على قراره بخفض المهور  فقال ( اخطأ عمر واصابت امرة ) .

نرى هنا ان حق الاعتراض الذي استخدمته المرأة  دفاعا عن حق اعطتها اياه الشريعة هو نفس الحق الذي طالبت به فتاة على زمن النبي عليه السلام   تشكو اباهاا الذي زوجها ابن اخيه  فقال "الايم احق بنفسها من وليها" فقالت ( يا رسول الله لقد امضيت ما فعل ابي  وانما قلت ما قلت ليعلم النساء ان ليس للرجال في هذا الامر ).

وفي مقالة لاماني صالح (الخارجات) على ملوك بني امية تسلط الضوء على النصوص والبلاغات لنساء سياسيات  تظهر (( موقفهن السياسي والعسكري كان تعبير عن نضج بالغ في احساس المراة بشخصيتها العاومة ودورها الاجتماعي ومواطنتها الكاملة لتجسيد اولئك النساء الثمرة  لما بداه الاسلام في عهد الرسول صلى الله  عليه وسلم من تغير حقيقي من ادراك المراة لمعنى ذاتها وبيئتها )).

ومن هنا يتبين لنا ان منظور الجندر – أي الوعي بالهوية النسائية واقرار الحقوق  والوعي بادوار الجنسين والتنميط الخاطئ لشخصية المراة والرجل  كلها ليست افكار غريبة تماما او مناقضة  في حد ذاتها للمنهج الاسلامي في التفكير وليس فيها ما يخرق المبادئ الاسلامية  وبالتالي  فمن الممكن اذن دراسة الخلفية الثقافية والاجتماعية للتعصب ضد النساء  من وجهه نظر المراة المسلمة

وهناك عدة ايات  في القران الكريم  تتضمن المساواة  ولكن الفجوة تكمن بين الحقوق المكفولة شرعا وواقع المراةالمسلمة ، حيث  ان الاقرار بهذه الحقوق  لا يكفي بل هناك حاجة ماسة لتفعيل النص وترجمته الى  واقع  بما يشمل من سياسات عامة وقوانين وسياسات عامة  بحيث تترجم النرؤية الاسلامية الى برنامج اصلاحي ومشروع للتغير  وان تاخذ المجتمعات بجدية مسالة المعاملة الانسانية العادلة للمراة كما اكد القران الكريم في مواضع عدة  منها ان خلق النفس البشرية من نفس واحدة وخلق لها زوجها { بعضكم من بعض}(التوبة:9/71)  فاذا كان الذكر والانثى بعضهم من بعض وخلقوا جميعا من نفس واحدة لماذا يلجا البعض الى تقليص مجال المساواة؟ أي في حدود الوظائف والفطرة  بمعنى ان وظائف المراةالبيولوجية تحتم عليها طبيعة ونفسية وعقلية مختلفة تجعلها بمرتبة ادنى من الرجل  في الحياة العامة .فهل المساواةالانسانية مشروطة بالوظائف البيولوجية!!! ، بكل تاكيد يفند الحديث الشريف هذا القول حين قال الرسول الكريم   ( النساء شقائق الرجال ). اننا  في المجتمع الاسلامي  بحاجة الى شرح  فجوة الاختلافات بين المبادئ الانسانية العادلة في القران والسنة (كاطار مرجعي ) والثقافات المحلية التي شكلتها  ممارسات تاريخية لا تمت للاصول بصلة . والتي هي عبارة عن موروثات وتقاليد اجتماعية  مستحدثة او وافدة  اصبحت تؤثر في كيفية فهم النصوص ومن ثم تقنينها واستبطانها داخل الخطاب الديني وبالتالي لا يصح تغيرها او حتى مناقشتها . 

    اما اذا نظرنا من منظور القيم  الاسلامية  نرى ان هذا المفهوم الوافد (تقسيم العمل) لايظهر كحقيقة ثابته او من مسلمات الوجود ، فالله  عز وجل لم يخاطب النساء باعتبارهن رموزا لدائرة ضيقة  ولم يثبت(عز وجل)ادوار اجتماعية او وظائفية محددة بل خاطب (سبحانه ) النساء كافراد من الجماعة .