"سيف" ذوي القربى بقلم : اللواء بلال النتشة
تاريخ النشر : 2019-03-25
"سيف" ذوي القربى بقلم : اللواء بلال النتشة


"سيف" ذوي القربى

بقلم : اللواء بلال النتشة

الأمين العام للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس

وأنا أراقب شاشات التلفزة غير "المأجورة" التي نقلت الأحداث الدموية الأخيرة في القطاع، توقعت للوهلة الاولى أن ما يحدث هو في دولة لا علاقة لها بفلسطين او ان الاحتلال قد عاد الى غزة وبدأ بقمع الناس لبسط هيمنته بالقوة . فركزت النظر والسمع واذا بي أتفاجأ بان من يضرب بكسر الراء ويبطش هو فلسطيني مسلم ومن يضرب بضم الياء وتهدر كرامته ويسيل دمه هو ايضا فلسطيني مسلم ؟؟؟؟ فاغرورقت كلتا عيني بالدموع من هول المشهد المؤلم الذي تسحق فيه عظام الناس الجائعة لمجرد خروجها الى الشارع ومطالبتها بحقها بالعيش الكريم . انه لأمر جد مؤسف ويبعث على القلق الشديد في النفس البشرية من القادم الاكثر قتامة وسوداوية اذا لم يعد من يديرون شؤون الحكم في غزة الى جادة الصواب والى مربع العمل الوطني الصادق الذي يصون الكرامات والاعراض ويحقق الاهداف الوطنية النبيلة .

توسعت رقعة الإحتجاج وثار الناس في شوارع القطاع وكان من الواجب أن تخرج القوى الوطنية وفي مقدمتها حركة " فتح" لمساندة الجماهير المطالبة باحترام حقوقها كبشر .... تلك الحقوق المكفولة بالقانون الدولي الانساني ، فكانت المفاجأة الاكبر تفجر الغل المحتقن في الصدور وترجمته على شكل قمع دموي وصل الى حد تكسير العظام والوجوه والجماجم على ايدي ذوي القربى ممن يطلقون اللحى ويحتمون بالدين لسفك الدماء البريئة وهدر كرامة الشرفاء على ارض غزة هاشم وكل ذلك لانهم قالوا " لا للجوع وكفاكم تكرشا" .

إن الاسلوب الذي تعاملت به قوات حركة "حماس" البوليسية مع المحتجين والمتظاهرين عامة وابناء حركة " فتح" خاصة وعلى رأسهم الاخ المناضل عاطف ابو سيف الناطق الرسمي باسم الحركة في القطاع لهو تعبير صارخ عن ان هذه الحركة حولت الحراك الاجتماعي المطالب بلقمة عيش كريمة الى حراك سياسي اتهمت حركة "فتح" بقيادته فدفعها خوفها على ضياع السلطة من بين ايديها الى استخدام القوة المفرطة والبطش الشديد لوأد الحراكك في مهده من خلال بث الرعب في قلوب الناس ومنعهم من التعبير عن ارائهم وانتقادهم لهذا النظام الظالم في القطاع، وبالمحصلة ذلك يعني أن "حماس" كحركة تحكم القطاع بقوانين دينية لم ترتق في وعيها الى درجة تتقبل فيه الاخر وتستمع الى رأيه ونقده، وذلك بعكس اوروبا التي تصالحت مع ذاتها واتفقت على ان الدين ليس بمنأى عن النقد فاصبح الكل ينتقد الكنيسة اذا اخطأت وكان البابا يخرج ويعتذر عن الخطأ بكل احترام للذات وللاخر . وهذا هو سر العلاقة الحميمية بين السلطة ايا كانت فيسجل الغرب وبين الجماهير التي تعتبر بنظر هذه السلة أعلى وارقى قيمة على وجه الارض فيتجلى التعاون بين الطرفين بما يؤدي الى تحقيق المصالح والاهداف المشتركة والتي هي بالضرورة تصب في مصلحة البلد . غير ان "ذوي القربى" يحاربون النقد الى درجة قد تصل حد القتل . ويرفضون الشراكة السياسية مع الكل الوطني وليس "فتح" وحدها . والا ما هو تفسير مطالبة " حماس" باعادة صياغة منظمة التحرير على مقاسها ؟ الاجابة انها تريد اقصاء الفصائل الصغيرة حتى تشتأر بمفردها بنظام الحكم متناسية عن قصد تاريخ هذه الفصائل الذي على أنقاضه قامت " حماس" واصبحت تشكل معادلة سياسية على ارض الواقع. وفي اعتقادي ان عدم الرغبة المطلقة بالشراكة مع الاخر تعود الى ان هذه الحركة ذات الاصول الاخوانية ترى في نفسها "حركة الهية وقوانينها سماوية" فلا يحق لأحد معارضتها او أن يقول لها " لا" .

لقد سئم الناس التضليل والتزوير للحقائق والشارع يتساءل : ماذا تريدون ؟ فقد وصلتم الى المجلس التشريعي في انتخابات حرة وديمقراطية شهد لها كل العالم . كما كلفكم فخامة الرئيس " ابو مازن" بتشكيل الحكومة التاسعة - حكومة هنية - واعطيت لكم الفرصة والمساحة الكافيتين للحكم وادارة شؤون البلاد والعباد . الا انكم اخفقتم في ذلك واقصيتم الكل الوطني لانكم اردتم التفرد بالسلطة . وعندما اصبحت " فتح" في المعارضة وانتقدت الاداء ومارست حقها المشروع في النقد، جوبهت بالتكفير والتخوين وتلويث تاريخها المشرف وتناست "حماس" ان " فتح" التي سبقتها في النضال بنحو 22 عاما قتلت واسرت جنودا من جيش الاحتلال ينهازون الالاف ودفعت ثمنا لذلك شهداء عظام من قياداتها الكبار في مقدمتهم الشهيد الرمز "ابوعمار" الذي رفض بيع القضية مقابل حياته وقبل ذلك أعضاء في اللجنة المركزية للحركة منهم "ابو جهاد" و"ابو اياد" و"ابو الهول" والكمالين .... والقائمة تطول اكثر ، فجماجم شهداءنا تعانق الجبال واسرانا يملؤون السجون وجرحانا ما زالت اعاقاتهم نياشين شرف وعز وفخار على صدور كل ابناء شعبنا الشرفاء .

ان من يعتدي على ابناء شعبه ويحلل سفك دمائهم ويسحق عظامهم لا يستحق ان يبقى في الحكم ولو لحظة واحدة . ربما من يقول ان الضفة الغربية يمارس فيها الاعتقال السياسي ونحن نرد : اننا لا نعتقل سياسيا فالمعارضة تسبنا من جهة ومن الجهة الاخرى تأخذ مخصصاتها الشهرية بشكل منتظم من خزينة السلطة الوطنية وكل اركانها ممثلون في منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للكل الفلسطيني . ايضا نواب حركة "حماس" في المجلس التشريعي يتقاضون رواتبهم بانتظام من خزينة السلطة التي تنفق على القطاع " 100" مليون دولار شهريا لا نعرف اين تذهب بها قيادة الحركة الاسلامية . وعلى ذات الصعيد فان رايات "حماس" في ذكرى انطلاقتها تكون خفاقة في الميادين العامة في كافة المحافظات بينما أبناء الاجهزة الامنية التابعة للسلطة الوطنية يوفرون الحماية لها على الرغم من انه يتخللها كلمات تجرم القيادة الفلسطينية التي وقعت اتفاق اوسلو ، علما ان "حماس" وصلت الى السلطة . وفي المقابل منعت هذه الاخيرة حركة " فتح" من الاحتفال بذكرى انطلاقتها في القطاع ونكلت بانباء الحركة وقمعتهم واعتدت عليهم وزجت بهم في السجون . فأي ارهاب هذا واي حكم ظلامي يحيق بنا ؟

هذا المشهد المعقد والمركب يدعو للتساؤل: الى اين تريد لنا "حماس" ان نصل ؟ هل تريد ان تستأثر بالحكم الى الابد ؟ وهل تعتقد ان وصولها الى البرلمان في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006 نقطة البداية والنهاية ؟ هل تريد ان تحول الصراع من صراع سياسي وجودي مع الاحتلال الى حرب أهلية تأكل الاخضر واليابس ؟ هل تريد ان تتفق مع الاحتلال على اقامة دويلة في قطاع غزة تمتد الى سيناء لاستيعاب اللاجئين وتأمين الحدود مع اسرائيل وضمان سلامتها الامنية على حساب الثوابت الفلسطينية المقدسة ؟

ان من يتبع هذا المنهج الخطير يكون وبلا ادنى شك قد مرر صفقة " العار" الاميركية – الاسرائيلية الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية وهي الصفقة التي رفضها فخامة الرئيس "ابو مازن" ومازال وسيبقى وقال لترامب " لا" دون ان يلتفت الى الوراء بل راهن على قدرة شعبنا على افشال كل المؤامرات التي تهدف الى شطبه عن الخارطة السياسية والجغرافية وها نحن اليوم في " فتح" وجميع فصائل منظمة التحرير نواجه المؤامرة الكبيرة التي تستهدف شعبنا وقضيتنا المقدسة ونحن واثقون بان الارادة الفلسطينية ستنتصر في نهاية المطاف .

ان الخلاص الوحيد من الازمة الخطيرة التي تحدق بالقضية الفلسطينية تكمن فقط بالعودة الى الاحتكام الى الشعب الذي هو صاحب القول الفصل في من يريد ان يحكمه ونحن كما اكد الرئيس "ابو مازن" مؤخرا جاهزون لانتخابات تشريعية ورئاسية برقابة دولية ومن يختاره الشعب فليتفضل الى كرسي الحكم . والله من وراء القصد .

رسالة الى مخيم شعفاط ....

رأيت الاسبوع الماضي مئات الاطفال ذكورا واناثا يقفون على اطلال مدرسة "الرازي" الشاملة في منطقة رأس خميس بمخيم شعفاط وهم يرفعون لافتات تطالب بمنحهم الحق في التعلم . واستمعت الى الشيخ عكرمة صبري وهو يؤكد ان الاحتلال لن ينجح في سياسته الهادفة الى تجهيل ابنائنا داعيا الى ممارسة العملية التعليمية فوق الانقاض كتحد للاحتلال الغاشم وجرافاته التي هدمت مدرسة مؤلفة من ثلاثة طوابق فشرد طلابها ال"1400" في العراء . وانا أردد من خلف إحدى المرجعيات الدينية قائلا :" نعم لن تفلح سياسة التجهيل الاحتلالية ولن تتنصر على ارادة اطفال مخيم شعفاط الذي يدفع ثمن صموده في القدس من دم أبنائه ولحمهم " .

ان الرسالة التي اريد أن أوجهها الى أهلي وربعي في مخيم شعفاط .. المخيم الوحيد في قلب القدس هي : انكم لستم وحدكم في معركة الصمود والتحدي . وأن كل محاولات الغاء صفتكم كلاجئين لن تفلح طالما ان قيادتكم في المقاطعة تصل الليل بالنهار وهي تدافع عن حقوقكم بصمت ودون مهرجانات لانها لا تسعى الى الرضى الجماهيري بقدر ما تسعى وتعمل على صون كرامة الناس والحفاظ على حقوقهم المكفولة في القانون الدولى وهي ترفض الغاء وجود وكالة الغوث وطردها من القدس بل تعمل على تكريس وجودها لانها الشاهد الحي على نكبة شعبنا في العام 48 .

اننا معكم وسنبقى معكم وسنبني ما هدمه الاحتلال ولن نبقي ابناءكم في العراء وكونوا على ثقة بأن قضيتكم في أيد أمينة وأن بوصلة فخامة الرئيس "ابو مازن" متجهة نحو القدس ولن تنحرف وأن مخيم شعفاط هو عنوان الصمود والكرامة والتضحيات والذي نكن له الاحترام والتقدير والحب .