أميركا وإسرائيل تستبيحان الأرض العربية والكرامة العربية بقلم : حماد صبح
تاريخ النشر : 2019-03-25
أميركا وإسرائيل تستبيحان الأرض العربية والكرامة العربية بقلم : حماد صبح
بكل استهتار بالعرب وبالقانون الدولي وبالقيم والضوابط التي يليق بالدول الكبرى أن تمثلها ؛ كتب ترامب الخميس الماضي عبر تويتر : " حان الوقت بعد 52 عاما أن تعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل الكاملة على مرتفعات الجولان ... " ، وبرر حينونة الاعتراف ووجوبه بأن الجولان " ... تتسم بأهمية استراتيجية بالغة لدولة إسرائيل ... " ، وتابع في مباعدة مسرفة للصواب والنظر السليم : " والاستقرار الإقليمي " . ويمكن الذهاب في الرأي إلى أن ترامب لم يصغ هذه " التغريدة " التي يجب أن تسمى " تنعيبة " تشبيها لها بصوت البوم رمز الخراب ، وأن من صاغها له إما إسرائيل أو جهة في الدولة الأميركية العميقة وثيقة الصلة بإسرائيل . وترامب أساسا ما فاز في الانتخابات التي تفوقت فيها هيلاري كلينتون عليه بثلاثة ملايين صوت ، وحسم فوزه المشبوه المجمع الانتخابي ؛ نقول ما فاز أو فُوِز إلا ليصنع لإسرائيل ما تريد ، فاعترف بالقدس عاصمة لها في 6 ديسمبر 2017 ، وهاهو يمهد بتنعيبته المشئومة للاعتراف بسيادتها على الجزء المحتل من الجولان السوري . ويظهر الخبث والسوء المقصود في التنعيبة المنسوبة صياغتها إليه بعدم الإشارة إلى احتلال إسرائيل للجولان حين ذكر الرقم ( 52 ) ، فما الذي مضت عليه الاثنان والخمسون عاما ؟! ومثلما أسلفنا ، في التنعيبة السوداء مباعدة للصواب والنظر السليم حين يزعم ترامب أو الجهة التي صاغتها له أن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجزء المحتل من الجولان السوري البالغ 1200 كم مربع سيجلب الاستقرار الإقليمي . كيف تكون سرقة أراضي الدول جالبة للاستقرار الإقليمي ؟! أما حديثه عن أهمية الجولان الاستراتيجية البالغة لدولة إسرائيل فالرد عليه أن زمن أهمية الموانع الطبيعية في الحروب انتهى لتطور وسائل الهجوم والدفاع بالطائرات والصواريخ ، والقضية كلها توسع إقليمي إسرائيلي يمضي وفق مخطط مرسوم ، وإسرائيل ما كانت لتترك هذه الأرض برضاها حتى لو كانت سهلية رملية . ولنفترض بقاء أهمية المرتفعات السورية في هذا المجال ، فهل يوجب هذا سرقتها هي أو غيرها من الأماكن المرتفعة من جانب أي دولة أخرى ؟! لحدود الدول حرمات بصرف النظر عن صفاتها الجغرافية وأهميتها للدول الأخرى . القضية باختصار استهتار بالعرب وكرامتهم واستباحة مجرمة لأرضهم ، وهذا الاستهتار ، وهذه الاستباحة ، جعلا نتنياهو يقول لترامب بعد تنعيبته الآثيمة إنه بها يصنع التاريخ ! في رأي نتنياهو سرقة أراضي دول أخرى صناعة للتاريخ . وهذا قبح ليس مستهجنا من إسرائيل التي ما كانت لتوجد لولا سرقتها للوطن الفلسطيني ، وأميركا قبلها ما كانت لتوجد لولا سرقتها لأراضي الهنود الحمر ، ومن كان سارقا في الماضي القريب أو البعيد ليس مستهجنا أن يستمر في سرقاته متى سنحت له أي سانحة . أصوات دول كثيرة مؤثرة استنكرت ما قاله ترامب ، ومن هذه الأصوات روسيا وتركيا وإيران وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة . واتصف بيان وزارة الخارجية البريطانية بالقوة والوضوح والحسم إلا أن الموقف البريطاني في مجلس حقوق الإنسان جاء مفاجئا ومناقضا لموقف وزارة الخارجية ، فبريطانيا عارضت بيان مجلس حقوق الإنسان الذي أقر بسورية الجولان . المنبه للاهتمام أن المعارضة التركية والإيرانية لتنعيبة ترامب المعتدية الشريرة كانت أشد نبرة من معارضة الدول العربية ، وشارك تركيا وإيران في شدة نبرة معارضتهما بيان حركة حماس . فدول مجلس التعاون الخليجي عبرت عن " أسفها " متجاهلة متعامية عن حقيقة أنها من أسهم بنصيب وافٍ شيطاني في إيصال سوريا إلى هذه الحالة من الخراب والإضعاف ، وتخصيصا النظام السعودي وقطر والإمارات . الموقف العربي في جملته ردىء خاذل خائن ، وبعضه متآمر مع أميركا وإسرائيل ، ونرجح أن أميركا أطلعت بعض الدول العربية على موقفها الذي عبر عنه ترامب ، والذي نتوقع أن يصدره في وثيقة رسمية خلال زيارة نتنياهو الحالية إلى أميركا . ماذا نرجو من دول عربية أكثرها تابع خاضع لأميركا ، ومحالف لإسرائيل ؟! لو كانت هذه دولا حقيقية وتجسد إرادة شعوبها ما اجترأ ترامب على الدعوة إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على ما تحتله من المرتفعات السورية ، ولما اعترف بالقدس عاصمة لها . أميركا وإسرائيل تحسبان خطواتهما بعناية مركزة ، وتتعمقان مؤثرات نجاحها ومؤثرات إخفاقها ، وهذا ما حدث مع القدس ، وما يحدث الآن مع الجولان . لو كانت الدول العربية دولا حقيقية ، وحتى لو فوجئت بموقف ترامب وأميركا من الجولان ، ومن قبله القدس ، لاجتمعت فورا وهددت بقطع العلاقات مع أميركا إن لم توقف تصرفها العدواني الفادح الاستباحة للأرض العربية والمتمادي الاستهتار بالكرامة العربية .وهذا الاجتماع وهذا التهديد الحازم لا تقوم به إلا الدول الحقيقية ذات السيادة الحرة ، وهو ما لا تملكه ما تسمى دولا عربية . ولن تتوقف استباحة أميركا وإسرائيل للأرض العربية واستهتارهما بالكرامة العربية ، وستفعل دول أخرى مثلهما . ألا نشهد كيف تهم بعض الدول بنقل سفاراتها إلى القدس بعد أن شهدت لامبالاة وتآمر بعض العرب مع أميركا وإسرائيل ؟! من لا يدافع عن حقوقه وكرامته لا يدافع عنها أحد ، ويطمع حتى الضعفاء في سلب هذه الحقوق ، وفي وطء كرامته .