عندما تضيق غزة بأحزانها
تاريخ النشر : 2019-03-23
عندما تضيق غزة بأحزانها


عندما تضيق غزة بأحزانها

     سليم النفار

هذا الشريط الساحليّ الضيق ، واسعٌ بعطائه من أجل الكلّ الوطني ، وصدر أهله واسعٌ باحتمال الأذى حتى من الأقربين ، فسرعان ما ينسى الضغائن ، أمام لحظةٍ فارقة يكون فيها الاختيار بين الكراهية والحبّ : أبجدية مرحلة جديدة تؤسس لفجرٍ جديد ، يستظلّ الكلّ فيه .

هذا الشريط الضيق والذي يسمونه غزة ، لم تكن ذات يومٍ محلّ اختبارٍ ناجح ، للقبول بالإهانة

فكيف تكون ذلك ، وهي التي تكتنز معنى العزة والمنعة باسمها ، وتاريخها الحافل منذ أعماق التاريخ الموغل في ولادات البشر فوق ترابها ، فقد تكالبت عليها أصنافٌ متعددة من

 المآسي ، الناتجة عن احتلالات أو كوارث مختلفة بهدف كسر ارادتها وخنق توقها للحرية واعلاء كرامتها ، وكانت دائماً تُفاجئ الساعين الى ذلك ، بشموخٍ وغضب نادرين ، كيف لا تفعل ذلك وهي التي ، لا تلين عزيمتها بغير انتصار ارادتها ، التي لا تقبل المساومة والتفريط مهما علت التضحيات ، فهل جاء الآن من يحاول غير ذلك ؟

أنصحكم ألا تحاولوا فما زال في الوقت ما يمكن استدراكه ، قد تختلف البرامج والرؤى

ولكن لا تختلفوا على حفظ كرامة هذا الشعب ، فهي رأس الأجندة واذا أسقمتموها  فإنها ستسقطكم ، فاحذروا أحزانها عندما تضيق ، فليس لها غير الانفجار الصاعق ، الماحق والذي سيأخذ كلّ شيء في طريقه ، ساعة لا ينفع الندم والاستدراك ، فتندمون ندامة الكسعي .

غزة الجميلة ببحرها ، السلسة السهلة مثل موجات الصباح ، تدلكم دائماً على طريقها العامر بالألفة والوئام ، تدلكم على الأخوة الطافحة بسذاجة المودة ، وخشونة العبارة التي لا تحمل تحت جلدها غير بدائية الحبّ  وعفويته ، الذي لا يعرف أحياناً كيف يُعلي انساق بلاغته ، لكنه

يذهبُ عميقاً نحو المعنى ، المُتجلي في كينونته المجبولة بعطر الحياة ، الذي لا تستطيع الهروبَ منه أو نسيانَ نسائمه الدافئة ، التي تُربتُ أنفاس الهواء الغريب ليستأنسها ، فيصير منها وتصير منه .

غزة التي تشيل أعباء العابرين وتحمّلهم فوانيس الطريق ، لا يليق بها الحزن ولا تليق بها الإهانة ، وهي لا ترضى بذلك وإن طال صبرها ، فلا تختبروها لأن التاريخ يدلكم ، فأقرأوا جيدا صفحاتها .