اغلاق مصانع السلاح .. الخطوة الاولى للسلام العالمي بقلم : خالد واكد
تاريخ النشر : 2019-03-21
     بقلم : خالد واكد

 ( اغلاق مصانع السلاح .. الخطوة الاولى للسلام العالمي )

التباهي بصناعة الأسلحة وتصديرها

معظم الدول الكبرى المتحضرةً تتحفنا كل يوم بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، وتتباهى وتتفاخر في ما بينها بتصدرها وتصديرها الأسلحة لشتى أنحاء العالم، فالولايات المتحدة المفروض بها أن تكون شرطي هذا العالم الذي تغلبه النزاعات والصراعات والحروب، تتباهى سنويًّا بتصدرها قائمة الدول المصدرة للأسلحة في العالم، لتأتي روسيا التي تتباهى بانتزاعها المركز الثاني من بريطانيا في قائمة أكبر الدول المصدّرة للسلاح. فعن أي سلم يتحدثون وهم من يصنع ويكدس ويوزع الأسلحة هنا وهناك لمزيد من الحروب بين الشعوب، والقتل بين الأفراد نتيجة صادراتهم ومصانعهم التي يتفاخرون بها برفد ميزانياتهم ودخلهم القومي بمئات المليارات من الدولار.

ازدواجية غريبة في الحين الذي تنشط فيه الأمم المتحدة التي أسست من أجل حل النزاعات والصراعات والتسوية بين الدول المتنازعة، وفي الدول التي تعاني حروبًا أهلية نجد الدول الكبرى راعية السلام، ودائمة العضوية، وصاحبة كلمة الفصل في هذه المنظمة، تستمر في تباهيها وعنجهيتها وازدواجيتها بتصدير السلاح في مناطق النزاع، دون الاكتراث لما يحدث من دمار وخراب وقتل وتشريد وهجرات لمختلف أنحاء العالم بحثًا عن الأمن والأمان والمعيشة والرزق والهدوء والاستقرار، للتلقف بعض الجماعات المتطرفة دينيًّا وعرقيًّا و… إلخ تلك الظروف التي يمر بها المهاجر لمضايفتهم وطردهم والتنمر عليهم واضطهادهم وإحساسهم بعدم القبول في المجتمع الجديد، ليتعرضوا لجميع أنواع العنف، بل والقتل كما حدث مؤخرًا في نيوزيلندا، ويحدث مع المسلمين في ماينمار والصين وتايلاند، وما حدث في البوسنة والهرسك.

مبادرة إغلاق مصانع السلاح

لن يعيش هذا العالم بأمن وسلام دولي ومجتمعي إلا متى فكر قادته وساسته ومسؤولوه باتخاذ قرار شجاع جدًا كان لا بد من اتخاذه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قرار كان سيوفر على العالم الكثير من الوقت للوصول إلى السلم الدولي، وإلى حياة سليمة خالية من التطرّف والعنف بين الإنسانية التي تقتل كل يوم في أنحاء شتى من العالم؛ بسبب الحروب والصراعات والجرائم المتعددة، قرار لم يسبق أن فكر فيه أحد من نوابغ وناشطي وسياسي وصانعي السلم والسلام الدولي، قرار ينشد دول العالم الصناعية الكبرى العالم المتحضر العالم الراقي المدافع عن حقوق الحيوان والإنسان، العالم الجديد الديمقراطي السلمي، العالم الحر، العالم التكنولوجي الذي وصل إلى مستوى من العلم والمعلوماتية والتقنية الحديثة لم يسبق أن وصلته البشرية، قرار #إغلاق_مصانع_السلاح الذي لا بد أن يتحقق في يوم من الأيام، السلاح الذي كان ولا زال السبب في كل هذا الدمار والخراب والصراع.

أطلقت مبادرة وحملة للتخلص من سلاح الألغام في وقت سابق ولم يكلف هذا العالم نفسه العناء والاستمرار في حملة منع صناعة السلاح من الخفيف إلى الثقيل، حتى تتدارك البشرية وتلقط شيئًا من أنفاسها للعيش بسلام وأمان، ولو لعقد من الزمان، كفاية صناعة للسلاح، كفاية إرهاب للبشرية من التطور والتقدم المذهل في صناعة الأسلحة الفردية والجماعية، أسلحة خفيفة وثقيلة وأسلحة دمار ودمار شامل، قفوا برهة لن يصل هذا العالم إلى مبتغاه والعيش بسلام إلا متى أدركت الدول العظمى الكبرى ضرورة التوقف عن صناعة السلاح، وهي مبادرة أطلقها، أغلقوا مصانع أسلحتكم كي يعيش العالم بأمن وأمان وسلام يسود الكرة الأرضيّة.

ازدواجية غريبة ومتخلفة

ازدواجية مقيتة غير مقبولة البتة ما يقوم به ما يسمى بالعالم الصناعي المتحضر الذي يتحفنا كل يوم بحماية حقوق الإنسان والبشرية، بل حتى حقوق الحيوان، ازدواجية غير مقبولة عندما يتم محاربة زراعة المخدرات وتجارتها، في الوقت الذي يغض النظر عن صناعة السلاح وتجارته، والذي لا يقل خطورة ودمار عن زراعة المخدرات. إنها دعوة لوقفة مع النفس أولًا، ويفهم ساسة العالم وقادته ومفكريه وناشطيه أن صناعة السلاح هو الخطر الأكبر الذي يجب التوقف عنده ومنعه بأسرع وقت ممكن في ظل حملة ومبادرة عالمية أممية.

في الوقت الذي تنبه العالم لخطورة الألغام الأرضيّة، وأعلن في عام 1997، اتفاقية حظر الألغام، وانضم أكثر من 150 بلدًا للاتفاقية، كان حري إضافة الأسلحة الخفيفة: المسدسات والرشاشات، وحظر استخدامها بل وتصنيعها.

صحيح أدت الاتفاقية، منذ صدورها إلى توقف فعلي للإنتاج العالمي للألغام المضادة للأفراد، وانخفاض بالغ في نشرها. وتم تدمير أكثر من 40 مليون لغم مخزون، وقدمت المساعدة إلى الناجين والسكان العائشين في المناطق المتضررة. وأُعلنت أعداد كبيرة للغاية من المناطق الملغمة والمشتبه في خطورتها مناطق خالية من الألغام الأرضية، وهيئت لاستخدامها استخدامًا مثمرًا. ونتج من هذه الجهود أن تراجع عدد الإصابات وهي بادرة كانت في محلها، وكان من المفترض أن تتبعها مبادرات وخطوات دولية مماثلة بمنع الأسلحة النارية الخفيفة، إلى منع الأسلحة الآلية، إلى السلاح الثقيل، وصولًا إلى قناعة منع أسلحة الدمار الشامل التي تتبناه الدول الكبرى، بل وتفرضه على العالم بقوة محتفظة لنفسها بامتلاك هذا النوع من السلاح المدمر، وعندما تسأل البعض لماذا تحتفظ الدول الكبرى لنفسها بحق امتلاك مثل هذه الأسلحة الخطرة على البشرية، وما الدافع لامتلاكها طالما ينشدون الأمن والسلم والسلام العالمي، يرد بعض مثقفيهم وساستهم ومسؤوليهم بأنهم هم الأكثر حرصًا وأمنًا وسلامًا على البشرية جمعاء، ليأتي إنسان أخرق معتوه يطلق عليه في ما بعد للتبرير فقط المختل عقليًّا، ويستخدم هذه الأسلحة ضد الإنسانية، متطرفوهم مختلون عقليًّا، ومتطرفو دول العالم إرهابيون. معادلة غريبة وعجيبة.

شيء غريب هذا العالم «الإنساني جدًا» يدرك خطورة السلاح النووي فيحضره ويمنعه عن البعض، ويتوصل في ما بعد إلى خطورة الألغام على الإنسانية؛ فيصدر اتفاقية تحضر الألغام عام 1997، يكافح ويحارب بشراسة زراعة المخدرات وتجارتها لكن لا يريد فهم ومعرفة وإدراك خطورة صناعة السلاح بشتى أنواعه الخفيف والثقيل، وضرورة تحريم مصانعه حول العالم ومنعها وإغلاقها، عل وعسى تهدأ وتنتهي الحروب والصراعات في هذه المعمورة.

التعايش والتسامح ضرورة إنسانية

عندما هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة وجد خليطًا من الديانات كاليهودية والنصرانية والوثنية، فأعطى لهم كامل حقوقهم، وجعل عليهم واجبات، وأحسن «التعايش» معهم عندما ارتبط الجميع في المكان ووسائل العيش نفسها من المطعم والمشرب، وأساسيات الحياة بغض النظر عن الدين والانتماءات الأخرى، يُعرف كل منهما بحق الآخر دون اندماج وانصهار، وهي منظومة من القواعد الواضحة لحفظ المجتمعات البشرية وإبعاد الفتن الطائفية عنها.

فالاختلاف سمة ربانية ينبغي أن يكون ذلك سبيلًا للتعارف والتواد والتراحم بين أطياف المجتمع الواحد، والسعي لإيجاد المصالح المشتركة بينهم، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، كما أشار الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة إلى أنه لا مجال للتفاضل بين الناس إلا على أساس التقوى، والقرب من الله -عز وجل-، ومدى تطبيق شرائعه والالتزام بما جاء به الرسل عن الله، قال تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ». أما من لم ينتسب إلى الإسلام من الأديان الأخرى التي جاءت من عند الله قبل مجيء الإسلام ولم يؤمن بالله، فإن القرآن الكريم لم ينظر إليهم بانتقاص، أو على أنهم ليسوا بشرًا، وأنه لا يحق لهم ما يحق للمسلمين، بل نظر إليهم نظرة تسامحٍ ولين، ولا ينبغي للمسلم تجاه من خالف الاعتقاد السليم من غير المسلمين إلا دعوتهم إلى الله على سبيل النصح، فإن أطاعوا فبها ونعمت، وإن أبوا إلا البقاء على معتقدهم؛ فلا إكراه في الدين ما داموا لم يعادوا دين الله ويحاربوه.

كما أعلن القرآن في محكم آياته أن الناس جميعًا خُلقوا من نفسٍ واحدة، مما يعني أنهم مشتركون في وحدة الأصل الإنساني، إذ قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»، فجميع البشر على وجه هذه الأرض يشتركون في الإنسانية، والإنسان مُكرَّمٌ لذاته، دون الالتفات إلى ديانته أو عرقه أو لونه أو منشئه، فجميع أفراد المجتمع أسرة واحدة، ولهم حقوق معينة، وعليهم واجبات قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا».

خالد احمد واكد
20/3/2019