لماذا تَضربُني؟ بقلم مرثا بشارة
تاريخ النشر : 2019-03-20
لماذا تَضربُني؟ بقلم مرثا بشارة


لماذا تَضربُني؟

بقلم/ مرثا بشارة

"كُن رجلاً، لا تقف مكتوف اليدين، بل رُدّ الصاع صاعين لمنْ يضربك" عبارة هي الأشهر في أولى مباديء التربية في ثقافتنا العربية! غالبيتنا لم نسمع عبارة "إسأل مَنْ يضربك: لماذا تضربني؟" هذا لأننا  لم نتعلّم  سوى مواجهة اليّد باليّدِ واللسان باللسانِ، لكننا لم نتعلّم مواجهة العقل الذي يوجه كل الجسم! تعلّمنا في أمثالنا الشعبية: "إضرب المربوط يخاف السايب" فطغى علينا منطق القوة الذي يحكم الغاب، وعندما لا نمتلك القوة نلجأ لحيلة "العيار اللي ميصيب يدوش" فمنْ لا نستطيع هزيمته بالقوة، يُمكننا هزيمته بتشويه السمعة والتطاول وإشاعة الأكاذيب....

في الحقيقة يستوقفني هذا لأتسائل وأطرح عليك عزيزي القاريء نفس السؤال: من أين لنا بهذه الثقافة؟!     هل لأننا وُلِدنا على أرضٍ يذخر تُراثها وتزخم سجلات تاريخها بإنتصارات السيف أحيانًا والتقيّة أحيانًا أخرى؟! إذا كان هذا منطقنا في ردّ الإساءة فبئس الإنتصار! لكن دعني أحدثك عن منطقٍ آخر غير ذاك وتلك، إنه منطق المسيح كلمة الله الأزلي، ليس تحيزاً للمسيح المبارك ولا كراهيةً لآخرين وإنما هو منطقٌ أثبت تفرّده، فما هو؟   إنه منطق "لماذا تضربني؟"                                                        
تآمر كهنة اليهود وبمكرٍ أمسكوا بالمسيح المبارك وأتوا به للمحاكمة أمام الوالي الروماني، فسأله رئيس كهنتهم عن حوارييه وعن تعاليمه، فكان جوابه: "أنا كلَّمت العالم علانية. أنا علَّمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائمًا. وفي الخفاء لم أتكلم بشيءٍ. لماذا تسألُني أنا؟ اِسأل الذين قد سمعوا ماذا كلّمتهم. هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قُلت أنا" حينها ثار واحد من الخدم غاضبًا ولطم المسيح قائلاً: "أهكذا تجاوب رئيس الكهنة؟" لقد استخدم هذا الخادم يده ظنًا منه أنه بذلك يُخرس لسان الحق وينتصر على المسيح الأعزل!      لكن المفاجأة كانت في ردّ المسيح المبارك، إذ جاوبه: إن كُنتُ قد تكلّمت رديًّا فاشهد على الرديّ، وإن حسنًا فلماذا تَضربُني؟ عجبًا! ألم يكن في قدرة يده أن يأتي بنارٍ تحرق هذا الخادم؟! أو يستشيط غضبًا فيسبُّه ويلعنه؟! أو بما أنه مستضعفٌ تحت القيود يسعى للوقيعة بين هذا الخادم وبين كهنة اليهود؟! لكنه لم يفعل هذا ولا ذاك أو تلك! بل خاطب فيه العقل، فقط سألُه "لماذا"! هذا حقًا ما يشُلّ اليّدَ عن العنفِ ويُخرس اللسانَ عن التطاولِ!