الجزائر والعهدة الخامسة بقلم نسيم قبها
تاريخ النشر : 2019-03-20
الجزائر والعهدة الخامسة

بقلم نسيم قبها

لامتصاص غضب الناس في الجزائر ، قامت الطغمة الحاكمة بمناورة مكشوفة بعد ضغط الشارع وتوصيات القوى الدولية المؤثرة في الوسط السياسي الجزائري ( أمريكا وفرنسا) من عدم ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة.
فقد كانت الحركة الالتفافية على مطالب الشارع الجزائري لإنهاء عهد الرئيس المحنط وتأسيس ندوة وطنية ، واستفتاء شعبي لدستور جديد كبادرة سياسية قد تلاقي استحسان الناس المقهورين ، إلا أن إنهاء مهام رئيس الهيئة الوطنية العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال والأعضاء المعينين بذات الهيئة، يبشر بمرحلة أكثر حساسية
. ويبدو أنه لن تقتصر مهمات الندوة الوطنية المراد تشكيلها على إعداد دستور جديد بل سيكون من مهامها أيضًا "تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخاب الرئاسي" الذي لن "يترشح" له بوتفليقة.
وفي إطار امتصاص غضب الشارع أيضًا ، فقد أقدمت السلطة الحاكمة على إحداث تغييرات (شكلية) على مستوى الحكومة. فقد تم تسليم رئاسة الحكومة إلى وزير الداخلية نورالدين بدوي بعد استقالة (إقالة) أحمد أويحيى _من رجال الجنرال توفيق الموالي لفرنسا_. وتم استحداث منصب نائب الوزير الأول وسلم لرمطان العمامرة الذي تولى أيضًا منصب وزير الشؤون الخارجية.
ومن الملاحظ من أجل استكمال (مسرحية) التغيير، أنه تم الاتيان بعبد العزيز بوتفليقة(لا حول له ولا قوة) على وجه السرعة من الخارج ، حتى يكون حاضرًا بشكل علني عندما يتم الإعلان عن كل هذه التعديلات.
ومما لا شك فيه أن الإجراءات الأخيرة قد تمت بعد اللقاء الثلاثي الحاكم، بين السعيد بوتفليقة القائم بأعمال الرئيس, وأحمد قايد صالح رئيس الأركان, والجنرال توفيق المدير السابق لجهاز المخابرات العسكرية _الموالي لفرنسا_. ويبدو أن هذه المراكز الثلاثة للقوة قد وصلت إلى اتفاق جديد في مواجهة المطالب الشعبية ، ضمنت به ما كانت تتوخاه من إعادة ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة أثارت استفزاز الناس الذين واجهوها باحتجاجات واسعة, حيث أن ترشيح بوتفليقة للعهدة الخامسة إنما كان لعدم وصول مراكز القوى في النظام الجزائري إلى (قرار توافقي) بخصوص خلافته.
ومن أجل كسب مزيد من الوقت، وجعل الطبخة أكثر نضوجا، ريثما تتفق تلك القوى على إعادة تشكيل النظام وإعطائه (روحًا) جديدة من خلال تعديلات دستورية يسترضون ويدغدغون بها مشاعر الناس, ويضمنون فيما يكسبونه من وقت إمكانية الاتفاق دون أن يؤدي تنافسهم وصراعهم الداخلي إلى (فوضى) تؤدي إلى فقدان مكتسباتهم الشخصية وتسيدهم الأناني على البلاد، وما يعنيه ذلك من تهديد لمصالح أسيادهم.
أما ما رحبت به فرنسا من عدول بوتفليقة عن العهدة الخامسة كما صرح بذلك وزير الداخلية الفرنسي مضيفًا: "نأمل بانطلاق دينامية جديدة قريبا تلبي تطلعات الشعب الجزائري" إنما يؤكد أن هناك تعاونًا بين فرنسا وأميركا قد تم من أجل حل أزمة الرئاسة عبر التصدي لحركة الناس المطالبة بالتغيير. وظهر ذلك في اتفاق القوى الثلاث قبل يوم واحد من إعلان التعديلات الجديد، كما ظهر ذلك أيضًا في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الجديد رمطان العمامرة إلى فرنسا قبل يوم واحد من القرارات الجديدة.
وإذا كان الإتيان بالعمامرة إرضاء للسيد الفرنسي، فإن بدوي هو صنيعة العم سام ، وهو دمية في يد السعيد والناصر، إخوة بوتفليقة. وفوق ذلك فقد أخرجت أميركا الأخضر الإبراهيمي من (الأرشيف السياسي) لإعادة إحيائه ، والذي يتوقع أن يتم تكليفه بإدارة "الندوة الوطنية" المزمع تشكيلها قريبا إن سارت الأمور كما يخطط لها.
وبما أن الإبراهيمي كان من الذين حظوا بلقاء بوتفليقة اليوم 11 آذار/مارس بحجة الاطمئنان على صحته، فقد كان هذا مؤشرا للدور المرتقب له، معبرا( الابراهيمي) بعد هذا اللقاء أن "مرحلة جديدة بناءة ستبدأ في مستقبل قريب، ستعالج الكثير من مشاكلنا"، داعيًا إلى "الاستمرار في التعامل مع بعضنا البعض بهذه المسؤولية والاحترام المتبادل وأن نحول هذه الأزمة إلى مناسبة بناء وتشييد".
وفي المحصلة نقول إن الفئة الحاكمة في الجزائر قد أقدمت على انقلاب دستوري على مطالب الناس - غير مبالين بالحسّ العام لدى الجزائريين - سواءٌ اعتبرنا هذه التعديلات تمريرًا مقننًا ومكشوفا للعهدة الخامسة، أو تمديدًا مراوغًا للعهدة الرابعة.
ولكن وفي كل الأحوال فقد أثبتت هذه السلطة الحاكمة في الجزائر، عن مدى خضوعها للإملاءات الغربية، ومدى حرصها على مصالحه؛ لأنها لا تعدو أن تكون سوى امتداد داخلي لنظام الوصاية الدولية الذي يستميت في إبقاء الأوضاع على حالها ولو اضطر بأن يقوم بتعديلات شكلية تدغدغ مشاعر الناس ولكن دون أن تمس جوهر سيطرته.
إن الجزائر بطاقاته الباطنية والشعبية والسياسية والجغرافية ، قادرا على أن يكون من أعمدة الدول المؤثرة بوجود سلطة نزيهة وطنية ، لا تابعة مستأجرة ، لذلك ستكرس الدول الغربية المؤثرة جهدها لتبقى الجزائر تحت وصايتها بإيصال الوسط السياسي التي تصنعه للجزائريين ، الأمر الذي يبقي الجزائر تابعا لا متبوعا.