مِنْ حَكْىّ الواقع..بقلم:أحمد الغرباوى
تاريخ النشر : 2019-03-19
مِنْ حَكْىّ الواقع..بقلم:أحمد الغرباوى


 مِنْ حَكْىّ الواقع..

أحمد الغرباوى يكتب:

حُسْنُ خَاتِمةُ (مُنَى) والطّريقُ إلى الجَنّة

وترحلُ (مُنْى حِديوي).. وبإذنه تعالى؛ نَحْسَبُها مِنْ أهْلِ الجَنّة؟

ففى هذا العام تصرّ (مُنْى) أنْ تؤدّى العُمْرَة.. تَشْعرُ أنّ الله يناديها.. تزورُ أكثر مِنْ طبيب.. تتناسى الأوْجَاع.. وأىّ ألم يَحِلُّ بها.. وشَغَفُ حُبّ بالرّوح يغشى.. وبمَعْاوِل شوقٍ وسيّاط اشتيْاق تتخطّى بعزيمتها ارتفاع أسْوَارالاسْتِسْلام للدّعة والرّاحة..

فقط  تفارق (القرآن الكريم)؛ وهو توأم رِفقتها وألفة أُنسها بالمَكْتبِ؛ وانثيال زخّات الحُبّ بَيْن صدرها.. وبه تشارك  كُلّ مَنْ يرتاد محراب مكتبها..

إنّها رِحْلَة لبيْت الله.. وبَيْت حبيبه صَلّ الله عليْه وسلم .. 

أعذرونى أحبّاء الدّنيا.. إسْمَح لى زَوْجى الحبيب وشريك العُمْر.. فلا يبعدنى قليلاً عَنّك؛ إلا مَنْ نتنافس سويّاً في حُبّه.. ولا نقدر على تمنُّع لَبّ التمنّى للقاه.. 

وأعرفُ أنك تخافُ علىّ.. كما أكثر أخافُ على وِحْدَتك دونى..

وهى الزّوْجة الصّالحة، مَنْ أثلجت وسَكنت بأسْمَى وِدّها  فؤاد زَوْجها، وتدعّمه، وتشجّعه، وتأخذ بيْده خلال رِحْلة الأيّام؛ بحلوها ومُرّها.. وكانْت نِعْمَ الوتد وأوْفَى سَنَد.. دون لَمْحِ كَلّ، أو حتى أنفاس مَلّ.. أو طاعة على مَضَضْ..

وتُكْمِلُ رسالتها.. وتقفُ مَعْه في السّرَاء والضّراء.. وتفتحُ له خزائن حُبّها وحَنْانها.. ليْأتى فقدها عليْه أشدُّ وأجْزَعُ وأفزع وأفجعُ؛ وهو يتحاملُ على نفسه بالمقابر.. ويَسّاند على ملائكة وجنود بشرى رسالة سماء؛ يدعو لها.. ويبثّها وَجْده.. وقُطَيْرات دَمْعٍ تُعِلُن آخر مَدْى بغور جرح  فقده، وتهيّب تنبؤات افتقاده.. عندما يعود إلى البيت؛ ولايصّاعد درجات السّلم على يَدّ (مُنى).. وينتظرُ ويتمهّل ليرتشفُ مِنْ مَعين حَنْانها.. إخْلاص حُبّ في الله..  

وأوْلادى..

والحُمْد الله؛ في بَرْاء مساراتكما (حبايْب فؤادى)؛ تمسّنى نبوءة رِضْى ربّي؛ على أداء رسالتى وواجبى تجاهكما..

أنتم فلذات الأكْبَاد.. ومامنحتمونيه.. أسْعَد ما يهب من وفضل أقدرا ربّ لإمرأة أرض.. الأمومة..

 وفي رعايْة الخالق أترككما، ووالدكما الحبيب.. و مُرْاعاة  تعاليم ديننا الحنيف عَمْلاً وقولاً..

،،،،

وترحلُ (مُنى)..

إمْرِأة؛ وإحْدى قيادات مدرسة شركة بترول بلاعيم العريقة (بتروبل).. تَحْمِلُ سَمت المرأة المِصْريّة الأصيلة.. وبساطة الضّحكة العفويّة.. ونقاء السّريرة.. و طفولة العصبيّة الجميلة.. ذات وَجْه أسْمَر؛ نقىّ البَسْمِ، وصادق الحَرْفِ..  ذات قلب كبير.. مُتْخَمُ  بفيْضِ عطاءات أمومة.. ومُفْعَمُ بِحنيّة إمْرِأة؛ خلف حِصْن عباءة وقار إسْلامى؛ يُجْبِرُك على التبجيل والتقدير والاعتزاز.. وتبعثُ حَوْلها؛ وفي ظلّها كُلّ احْتِرام.. 

وكُلّ همّها إصلاح عمل يومها.. ولاتتطلّع إلا لكُلّ ما هو خَيْر ونافع؛ بإيمان صادق وخالص..

كَيْانٌ وسيرة، لَمْ يختلف عليها أحَد..! 

،،،،،

وتَرْحَلُ (مُنى).. التى قبيْل سفرها للقاء الحبيب وحِبَّهُ بالآراضى المقدّسة.. ويُحِمّلها المُحِبّون الدّعوات.. 

وتجدُها تقوم بأشيْاء غريبةٍ على مُقيمٍ في الدّنيا؛ ومتشبّث بجنباتها.. وليْس مِنْ شريعة عابر سبيل!

بل هى هِبات مِنْ الرّحمن؛ خَشية ألا تعدل.. فتمنحُ أكثر وأكثر.. وتنصفُ أهل بَيْتها عطاءاً..

وتوصى صديقتها الحبيبة.. وتوأم روحها:

- إنْ لَم أعُد..

لايقف فى (غُسلى) إلا أنْتّ.. وصديقة أخْرَى.. بالإسم تبلّغهم مَوْعد التنفيذ  يقترِبُ..

لايهمّ الكلمات.. يَكْفى الشّعور ورقّة وَصْلِ إحْساس مَىّ الوداع الأصفر.. يترجرج فارّاً بنِنّى عَيْنَيْها.. 

،،،،

وترحلُ (مُنى).. 

وهى التى كانت تفيضُ بعذَبِ نَهْرِ خَيْرها سِرّاً؛ على كُلّ صاحب حاجة دون أنْ يَسْأل.. ولا تَجْعَله بجودها ونُبْل شَخْصيّتها؛ أنْ يدنو إلى آثار خَطْوَها.. بل نَحْوَه تهرولُ..

وكأنْ مَلاك الله يقودُ مَلاك أرْضٍ، ولا أحَد.. لا أحَد يَدْرى ويعرف.. فقط وَحْدَها تَشْعُر..

وتحت ستار خفاءٍ عن أعين وأنفُس بشرٍ؛ تُبَادِرُ، وتندفعُ بطلب فتح بيوت زَوْجات، فقدن عائلهم.. وتكون أوّل المُسَاهمين في كُلّ تبرّع.. 

وتتحمّلُ شقاوة وتقصير أوْلادها الشّباب في العمل بتهذيب أمّ.. وعتاب أخت.. ومديرة تقود بالحُبّ.. وبرُقىّ ألفة؛ ورقة ودّ؛ تدير أسرة قطاع (التأمينات الاجتماعية) بشركة بترول بلاعيم.. 

وسُرْعان ماتذوب حِنْيّة.. وتغرقُ كُلّ مَنْ حَوْلها بضحكتها المُهَذّبة.. وبوح كلمها؛ يغدو وِسْادة راحة المُتْعَب وجائزة مُكِدّ.. حتى تكاد تلمحُ الدّموع بَيْن جفنيها؛ وتعجز عن التحّكم؛ فتغالبها..

وتجرى؛ تختفى مِنْ أمامك.. خجلا وحياءاً!

،،،،،

وترحلُ (مُنى)..

والتى لم تَكُن تَعْرفُ مُدَاءاً.. أو مُلْتَمِس عَوْنٍ؛ إلا وتدعو له.. وتسألُ عنه.. 

وتنتظرُ طلّتها الجميلة ذات حَيْاء ساحر.. وكأنها بتول تخجلُ مِنْ دخول أىّ مكتب.. وعَنْ أعز صديقاتها تسألُ؛ والتى تواصل رحلتها بالرضى بقضاء الله وقدره.. وترعى والدها ووالدتها وزوجها المريض.. عَفْاهم الله ووهبهم الشّفاء مِنْ كُلّ بَلاء..

و(مُنْى) قمرٌ يشعُّ نور هُدى وضَىّ روح.. مِنْ فتحة باب حجرة مكتبى؛ التمسُ أنْ يصلنى بعضاً منه، ويدثّر مَرْض ولدى رذاذ إخْلاص دَعوة من طُهر روحها..

ولاتنتظرنى..! 

بل تبادرنى.. وتؤسرنى بالدّعاء والسّؤال.. لَيْس مُجَاملة.. ولا تمشيْة حال.. ولا تمضيْة وَقْت.. ولا رَمىّ جُمل بلامَعْنى؛ عادة واعتياد.. 

إنّما يلتحفُك صِدْق أمّ، لا تشبع منه.. ورغبة أكيدة  بالاهتمام.. وتذكّرك بأفعال الخَيْر؛ والصّدقات المُسْتترة؛ وصلاة الحاجة؛ والأوْرَاد..

وكَمْ من حُضْنِ أمّ يأخذك مِنْ نَفْسك.. ويجفّفُ أنّ  شَكْوَاك؛ وإنثيْال بُكَاك؛ دون أنْ يمسّك..

،،،،،

وتَرْحلُ (مُنْى) ..

وبَيْن حُجْرة مكتبها وبَيْن غرفتنا مَمَرّ صغير.. وخطوات أقلّ..

هل حقاً دونك؛ يغلقُ اليوم بابك.. ولنْ نَجِدك فيه بَعْداً..

وماذا عنّا..؟

ومعه يُغلقُ  الملجأ الآمن لخجل عيوبنا؛ ولمّ شمل حاجات نواقصنا.. ونفتقر لجدران يتوارى خلفها؛ كل مِنْ في لهاثٍ لاحتواء روح (مُنْى)..

ونفتقدُ إلىُ هالات نور.. تجذبُ فراشات حزينة.. وندى فَجْرٍ يتوضأ به قَيْظ نوارس حائرة.. ويشتدُّ قيظ الحياة بنا.. 

فمَنْ يُزِل أسى النّفس.. ويَرْبَتُ على غور جَرْح.. أو يضمدُّ أدْنى عَطْبٍ، يحاولُ أنْ يَمِسّ حُسْن نوايْانا..

فما أقسى أنْ تعلمنا الحَيْاة؛ أنَّ الطريقة الوحيدة لمِعْرِفة قيمة مَنْ بجوارنا؛ هو فقدهم ورحيلهم وخُسْرَانهم..! 

،،،،،

وترحل (مُنْى)..

 بُعاد حَقّ مَوْعِد.. لا.. عليه لا يُختلف؛ ولن يؤجّل، رحيلٌ مقدس..

وإنْ ضرّنا حُزْن الفُرْاق..

ولكن يقين الله؛ سيمِنُّ عليْنا وعلى أهل بَيْتها؛ بأكثر مِنْ فرج؛ وتنوّع وتعدّد ألف ألف مَخْرَج..

وبإذنه تعالى؛ نحسبُك أختى الفاضلة (مُنى) مِنْ أهل الجنّة.. نبوءة حُسْن خاتمة؛ بإذنه تعالى.. 

وفي (مَغْسلة) أمانات الله؛ بمستشفى كيلوباترا.. نتفحّصُ وجوه الأحبّة.. سَيْدات وشباب ورجال.. إضاءات ربّانيّة..

فقد عادت مِنْ عُمْرة، وأطيْاف بَيْاض سُحِبٍ؛ تحفّنا وإيّاها يوم الجُمْعَة المُبْارك؛ والملائكة ترفرف على قلوب الجميع..

وفي الإعْياء والألم؛ لاتثقل على أحَد.. ولا يُطِل الربّ أوْجَاعها كثيرا.. وكأنها نجحت في امتحان الدّنيا (بَدْرى.. بَدْرى) .. وآن لله أنْ يُكَافئها بعاجل الاستدعاء؛ حَفْاوَة وبُشْرى وتكريم..

فما جَدْوى البقاء بَيْننا..! 

و(مُنْى) مِنْ الطيور الجميلة.. التى تَجْعَلُ الحَيْاة غناءاً جميلا.. في رَوْاحِ ومجيء أيّامها معنا..

ولكنّ الخالق العظيم، أبى ألا تظلّ بقيْد الدّنْيا طويلا.. ليَمْنَحها الحُريّة.. ويُبْهِج ويُسرّ نفسها برائحة الجنّة؛ إنْ شاء الله تعالى..

وفى ركب  وزحام سيارات بطريق المشير (N. A) ؛ لا يتخلّف أحَد.. لايتعرقل.. لا يتأخّر.. ولا حادثة بسيطة.. رغم تكدّس السيارات، والجهل بعنوان المقابر..

وكأنّها إشارات مرور مِنْ حُرّاس جِنْان الرّحْمَن..! 

حتى سائق سيّارة الجسد الطاهر البريء؛ مِنْ وَجْهه يشعّ  نوراً و..  ويبثّ هدوءاً، لم يره متابعوا جنازة في حَيْاتهم..

وتعلو شفتيه ابتسامة.. تستبشرُ بها؛ كيْف هو حال مأوى صاحب السّفر الطويل؛ رَوْضة مِنْ ريْاض الجنّة..

واشْعرُ والله أنّه يبتسمُ..

وعلىّ يسلّم، وكأنّه يقولُ لى:

ـ أبْشِر، فإنّ مَوْعِدها الجنّة.. مُبْارَك لأهل بَيْتها.. وبارك الله لكم جميعاً..

إنّنا لا نكرّم ولا نودّع جسداً، بل نزفّ روحاً.. عروس سماء.. والقبر فقط؛ هو لقصرها في الجنّة أسْرَع  وصل.. ودُرّ مأوى.. وبشارة المقام الجميل.. وإنْ شاء الله تعالى برفقة الأوْليْاء والصّالحين..

ومَنْ أنْتّ أيّها العَبْد المؤقت.. إلا عَنْ طريقها ومِنْ خلال صالح أعمالها؛ سيمنحكُم الربّ الثواب فضلاً.. وأيْضاً؛ مِنْ أجْل ذاكَ

 الراحل الطاهر لمثواه الدائم..

،،،،،،،

وترحلُ (مُنى)..

 وأحْسَبُها - إنْ شاء الله تعالى - مِنْ أهل الجَنّة في حُسْنِ خاتمتها.. 

وإذ بِكَ تلتمسُ منها مَنْحاً، وحَوْل كُلّ فردٍ؛ يقفُ حول قبرها وروحها تطوفُ.. وتناجى الربّ؛ أنْ يجعلها مِنْ روّاد الجنان المهرولين؛ الذين يشفعون لك يوم العَرْضِ الأكبر..

وقد سترها الخالقُ بسترهِ جميلٍ.. وجعل تحت السّتر ما يرضيه، يفوق ويفوق أكْثَرُ ممّا كانت تتمنّى دُنْيا وآخرة..

وترحلُ (مُنْى حِدِيوى).. وتنقطعُ الأنْفاس.. وتستمرُّ وتستمرُّ الحسنات.. 

فالعمل الصالح؛ لا يَنْضب العطاء إثر رحيل..

وبِيْار الخَيْر لا تجفّ أبداً.. أبَدا.. 

......

• السيدة / منى عبد الحميد حديوى، مدير عام بالشئون الإداريّة بشركة بترول بلاعيم، وزوجة الزميل العزيز مجدى عبد المحسن، مديرعام تنمية الموارد البشرية الأسبق (بالمعاش)، وافتها المنيّة؛ ورحلت إلى ربّها يوم الجمعة الموافق 15 مارس 2019م..