أسوأ ما تصاب به أمة ان يتحد الدين مع الاستبداد بقلم:أ.د.حنا عيسى
تاريخ النشر : 2019-03-19
أسوأ ما تصاب به أمة ان يتحد الدين مع الاستبداد بقلم:أ.د.حنا عيسى


"أسوأ ما تصاب به أمة ان يتحد الدين مع الاستبداد"

(أ.د.حنا عيسى)

"ان الدين لم يكن أصدق عقيدة وكفى ، بل كان كذلك أصدق فلسفة" 

"يا الله؟ نحن نتبادل التحيات، لكننا لا نتبادل الكلام"

"الدين لا يمكن أن يختفي من العالم .. و إنما يتحول و يتجدد"

"إذا رأيت الناس تخشى العيب أكثر من الحرام وتحترم الأصول قبل العقول وتقدس رجل الدين أكثر من الدين نفسه فأهلاً بك في الدول العربية"

"من يحترم المكر السياسي باسم الدين ، إنما هو يمسخ الدين من حيث لا يشعر"

"استخدام الدين ضمن لعبة التوازنات السياسية المعاصرة , سيحرق الأصابع التي تلعب هذه اللعبة"

انه لمن الضروري أن نضع تحليلا لمفهوم الدين باعتباره احد مرجعيات الجدل الفكري الذي دار بين العقل والنقل في الفكر الاسلامي قديمه وحديثه، باعتبار كون التفاوت أو الاختلاف في النظر الى الدين كان مصدر ذلك الجدل، فالدين يختلف باختلاف المتدينين الباحثين في تاريخ الاديان.

ومن نتائج هذا الاختلاف أنه يصعب تحديد مفهوم الدين بصيغة تقبلها جميع الاديان، لان هذه الاخيرة متعددة ومتشبعة، واضافة الى ذلك فأن معظم المعتقدات الدينية هى من نتائج الوحدانية لدى البشر، وقد ضلت مسألة الدين حتى عصرنا هذا تأخذ هذا الطابع من الصراع والاختلاف على المستوى الايدولوجيا وعلى المستوى الاجتماعي والسياسي.

• تعريف الدين لغة واصطلاحا:

الدين أحد أهم مكونات شخصية الإنسان وتفكيره وسلوكه وتعامله مع نفسه ومع من حوله.

o الدين لغة: هو من الفعل دان أي اعتنق واعتقد بفكر ما أو مذهب ما وسار في ركابه وعلى هداه.

o الدين اصطلاحا: فهو جملة المبادئ التي تدين بها أمة من الأُمم اعتقادًا أو عملا.

• الدين في الاصطلاح الشرعي الإسلامي:

هو الاستسلام والتسليم لله بالوحدانية وإفراده بالعبادة قولا، وفعلا، واعتقادا حسب ما جاء في شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في العقائد والأحكام، والآداب، والتشريعات، والأوامر والنواهي، وكل أمور الحياة.

• أما في الاصطلاح العلماني:

فالدين هو شيء قديم من الموروثات، كان في مرحلة زمنية من حياة الأُمم، والدول العلمانية قد تجاوزته بفضل العلم ومعطيات العقل البشري ففصل عن مجالات التأثير الاجتماعي والسياسي.

• ويعرفه المفكر المغربي علال الفاسي:

"مجرد جانب واحد من جوانب الحيات المتعددة، لأنه ليس هناك أمر يماثل الطبيعة في شمولها وسريانها، فلا يمكن لأي أمة ان تختار في حياتها الا احد الأمرين اما التدين والايمان والسلوك وفق العقيدة، واما الإلحاد، اي التخلي عن الايمان والدين".

• أما المفكر الجزائري مالك بن نبي:

فقد حلل ظاهرة الدين في كتابة الظاهرة القرآنية وانتهى القول بأن "الدين ظاهرة كونية تتحكم في فكر الانسان وفي حضارته، كما تتحكم الجاذبية في المادة، والدين بهذا السريان الشامل في كل أجزاء الكون وفي الوعي الانساني يبدو وكأنه مطبوع في النظام الكوني أو كأنه قانون للوعي".

• ويعرفه ابن رشد : بأنه الشريعة وتعني القانون الالاهي 

فيقول: بأن الشريعة أو هو في الاصل ما أنزله الله على رسله وكان اولهم آدم، ثم دخلت عليه شوائب عدة وخرافات وبدع، فاختلف الناس شيعا ومذاهب، وكانو من قبل أمة واحدة على دين الحق.

• الدين عند الفلاسفة اليونان:

لم يكن مصطلح الدين موجودا في العالم اليوناني، فكان هناك مفهوم التقوى الذي مهد للفلسفة من خلال مقولة أن الآلهة هي المسؤولة عن الطبيعة والروح والمدينة، ومقولة الفصل القائم بين عالم الإنسان وعالم الآلهة.

أما أفلاطون استمد أدلته الأساسية على وجود الآلهة من حركة الأجرام السماوية بالقول: "إنه لا بد لحركتها العالية الدقة من آلهة تديرها".

من جانبه، يطرح أرسطو سببين لوجود الإله: انتظام حركة النجوم وقدرة الروح على التنبؤ بالمستقبل.

ويبقى الإله في الفكر الأرسطي، متعاليا، ومحركا رئيسا، هو السبب الأول الذي إليه ترجع جميع الموجودات. بعد ذلك تأتي المدارس الفلسفية الهيلينية، ما بعد الأرسطية، التي أظهرت مزيدا من الاستيعاب للدين الذي أفضى، مع الفلسفة، إلى شكل من أشكال السعادة. وقد اتخذت علاقة الدين مع الإله شكل علاقة شخصية تتبلور أكثر فأكثر.

• الدين في الفكر الغربي الحديث:

يتحدث غروندان عن الدين عند مفكري الحداثة (ابتداء من القرن الخامس عشر). فنقد الدين، في كتابات هؤلاء، يأتي في إطار الصراع الذي دار بين الدين والعقل في القرون الوسطى. وتدريجياً، أخد هذا النقد حيزا كبيرا في كتابات المفكرين بفضل (أو بسبب) المعرفة التجريبية، حتى بلغ أنْ عُدَّ الدين معرفة هزيلة بالمقارنة مع العلم. ثم يعرض غروندان بعد ذلك إلى عدة فلاسفة تعرضوا بالنقد للدين، بدءا من سبينوزا الذي يقول بوجود نوعين من معرفة الله: معرفة عقلانية (يمنحها العقل الطبيعي)، وأخرى مستمَدّة من الوحي (وهي بالطبع تاريخية).

ثم يأتي بعد ذلك إيمانويل كانط  الذي يميز الدين التاريخي (وهو الدين الذي أتى به الأنبياء) والدين العالمي (المستمد من القانون الأخلاقي). وقد أدى هذا بكانط إلى إحداث تمييز آخر بين نوعين من الدين: الثقافي الذي يبحث معتنقه عن مكافآت من الله عن طريق فعل الخير، والأخلاقي: الذي لا يستند إلا إلى حسن السيرة والسلوك من دون انتظار مقابل. وهذا النوع، الثاني، من الدين في نظر كانط هو الوحيد الذي يحبه الله.




كان إلحاق الدين بالأخلاق، من طرف كانط، محطّ انتقاد وجّهه إليه عالم اللاهوت البروتستانتي الألماني شلايرماخ  الذي رأى أنّ الدين لا يمكن أن يخضع للأخلاق، بدعوى أن هذه المسألة ستضر بالاثنين (الدين والأخلاق). فالأخلاق، في نظر شلايرماخر، لا تحتاج إلى الدين من أجل البقاء. ثم إن جعْل الدين تابعا للأخلاق سيفضي إلى تجاهل خصوصيته. والدين، عند عالم اللاهوت البروتستانتي شلايرماخر، جزء من كل، إنه بتعريفه: الميتافيزيقيا التي تسعى لتفسير العالم، والأخلاق التي تريد كماله، والدين الذي يسعى إلى “حدْسه”.

بعد ذلك، ونظراً إلى أن الأخلاق والدين عند كانط مقولتان مجردتان، حاول هيغل  وشيلنج التفكير في مفهوم المطلق وإظهاره كمفهوم حقيقي وفعال، بغية رفع الدين الذي يظلّ، رغم ذلك، في مرتبة أدنى من مرتبة الفلسفة ليغدو المثل الأعلى للإنسانية جمعاء، ويتحقق فعليا في العالم الذي يعيش فيه الإنسان.

وإذ ينتقل غروندان عقب ذلك إلى نقد الدين بعد هيغل نجد كيركيغارد  يعترض على السيادة ـ التي أخدها المفهوم والفلسفة الهيغليان بإشكالية الوجود. هذه الإشكالية التي تبلورت بحدة (وتطرفٍ أحياناً) في القرن العشرين. هنا يشار، مثلاً، إلى كارل ماركس  الذي يرى في الدين “أفيون الشعوب”، وسيغموند فرويد الذي يرى فيه نوعا من العصاب الجماعي. زِدْ على ذلك التيارات الفلسفية المستوحاة من الفلسفة الوضعية والتي أسقطت الدين من حساباتها، كوجودية سارتر ، وتأويلية غادامر، وتفكيكية ديريدا

وينهي غروندان جولته الفلسفية هذه مع هايدغر الذي ناقش إشكالية الوجود من خلال قراءته كتاب “المقدس” لصاحبه عالم اللاهوت اللوثري رودولف أوتو. والمقدس عند هايدغر يظل غير مرجح الحدوث. أما الدين فهو في حد ذاته تخيل يقوم به العقل. ويختتم غروندان كتابه بجملة مثيرة للاهتمام، مفادها أن الدين يأتي ليعيد الفلسفة إلى فرضيتها الخاصة بها وهي الإحساس أو الإدراك أو المعنى.