ولروحك يا أمى السلام بقلم : على شعيب
تاريخ النشر : 2019-03-18
و لروحك يا أمى السلام
بقلم : على شعيب

مراسل بالإذاعة المصرية

أمى يا كلمة يقولها لسانى
تبقى ثوانى زهرة ف دمى
تزرع حب وتجنى أمانى
تطرح فرح يلون اسمى

دائماً لا نشعر بقيمة الناس إلا عندما يرحلون ويغيبون، ولكن يبقى رحيل الأم هو الأصعب والأكثر تأثيراً فى النفس ، ولذا فلا غربة عندما يقولون أن اليتيم هو يتيم الأم .
عندما رحلت أمى شعرت ساعتها أن الدنيا كلها رحلت معها ، رحلت بطيبتها و" البركة" التى كانت تغمر بها البيت ، لم تكن متعلمة ، ولكنها كانت " أستاذة" ، فمعاناتها بعد رحيل أبى وخساراتها لعدد من أبنائها أما عينيها جعلها تكتسب قوة وصلابة يحسدها عليها الرجال .. لم نكن أغنياء ، ومع ذلك لم ينقصنا أى شيىء .. كان بيتنا بمثابة مركز التقاء لكل سيدات الحارة ، يأتين لطلب المشورة ، أو حتى السؤال عن وصفات طبية لأطفالهن .
وفى مجال الطبخ فحدث ولا حرج ، فقد كانت أمى ست " عدلة" .. كانت الحياة بسيطة ولكن " النفس" فى الأكل كان شيئاً آخر، ولن احدثكم عن صوانى السمك والصياديا أو الملوخية بالأرانب ، ولست أدرى كيف سيكون حالى إذا لم تنتقل هذه الروعة إلى زوجتى والتى تعلمت الكثير من فنون الطهى على يديها حتى أننى كثيراً ما أشم رائحة أمى فى طعامها .
أتذكر يوم " الخبيز" ، كان يوماً مشهوداً ، كنا ننتظر خروج " الدفعة " الأولى من الخبز بفارغ الصبر .. نتلقفا بأيدينا غير عابئين بالحرارة الشديدة .. نجلس فى ركن وكل واحد منا " يحنى" رغيفه بالمش والجبن التى صنعتهما أمى بالطبع .
فى المساء ..كانت أمى تحكى لنا قصص الأنبياء ببساطة وبراعة مذهلين ، ولما سألتها يوماً عن ذلك .. قالت لى ان والدى كان يحب القراءة وكان يحكى لها كل ما يقرؤه .
كانت دائماً تدعو لى " روح ربنا يحبب فيك خلقه" ، وكانت " تخوفننى" من الظلم .. " إوعى تجبر على حد ربنا هو الجبار" .. أمى هى التى علمتنى حب الناس وعمل الخير .. " إياك ترجع حد خبط على بابك أجبر خاطر الناس علشان ربنا يجبر خاطرك ويقعده لولادك " .
أمى التى لم التحق بقسم الصحافة بكلية الآداب بسوهاج إلا لأجلها ، ولم أعمل بمجلة الإذاعة والتليفزيون فى منتصف التسعينات إلا لأكون بجوارها ، ولو عاد الزمان إلى الوراء لن افعل أكثر مما فعلته حباً لها وعرفاناً بجميلها ..
لرحيك يا أمى ألم دائم ، ولكن عندى أمل ان نلتقى سوياً فى جنة الخلد إن شاء الله ..