"مالية الحكومة الفلسطينية: أزمات متكررة وحلول غائبة" بقلم: يوسف دقة
تاريخ النشر : 2019-03-17
"مالية الحكومة الفلسطينية: أزمات متكررة وحلول غائبة"
بقلم: يوسف دقة

[email protected]

المتابع لهيكلية موازنة السلطة الفلسطينية يلاحظ انها لم تتغير منذ نشأتها من حيث استحواذ تحويلات المقاصة على اجمالي الإيرادات، وفاتورة الأجور على النصيب الأكبر من النفقات، وعلى وجود عجز مالي سنوي دائم منذ نشأة السلطة الفلسطينية.  وتشير الإحصاءات المالية المنشورة من قبل وزارة المالية الفلسطينية الى ان متوسط حجم إيرادات المقاصة السنوي يبلغ حوالي 65% من اجمالي الإيرادات الكلي، بينما تتوزع الإيرادات المحلية الأخرى بين إيرادات ضريبية وغير ضريبة، وعادة ما تقوم السلطة الفلسطينية بنشر موازنتها السنوية بعجز مالي تبلغ نسبته بالمتوسط حوالي 34% من قيمة اجمالي النفقات، وتقوم السلطة الفلسطينية بتمويل هذ العجز من خلال الدعم الخارجي للموازنة والتمويل من البنوك المحلية.  وتستحوذ فاتورة الأجور على نسبة تصل تقريبا الى 45% من اجمالي النفقات مما يجعل دفع الرواتب والأجور في موعدها المحدد مهمة صعبه لوزارة المالية الفلسطينية عند توقف تحويل امول المقاصة.          

عادة ما يربط الجانب الإسرائيلي بين تحويل أموال المقاصة وبين مواقف السلطة السياسية، ويقوم بوقف التحويل او باقتطاع جزء من التحويلات عند نشوب أي خلافات مع السلطة الفلسطينية كما حدث مؤخراً، كذلك التمويل الخارجي للموازنة فانه متذبذب ويخضع لابتزاز السياسي بعض الاحيان كما فعلت الولايات المتحدة الامريكية بعد رفض السلطة الفلسطينية لقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس.  هذا ما جعل السلطة الفلسطينية تمر بأزمات مالية متكررة كان ضحيتها غالباً الموظفين الحكوميين بتأخر صرف مستحقاتهم، وفي ظل غياب الحلول كان حلها يرتبط بإفراج الجانب الإسرائيلي عن مستحقات المقاصة او التمويل الخارجي من المنح الأجنبية من الدول العربية والأوروبية.

ان هذه الازمات المتكررة تعود الى سببين رئيسيين الاول في هيكلية السلطة الفلسطينية وذلك لغياب البعد الاقتصادي والمالي في الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، وتحكم الجانب الإسرائيلي في المعابر والحدود، والجمارك، واعتماد السوق الفلسطيني على الاستيراد من الجانب الإسرائيلي، والثاني الى عدم تعدد الموارد المالية للسلطة الفلسطينية حيث لم تقم السلطة الفلسطينية بخلق موارد مالية بديلة لحالات الطوارئ وسد العجز الدائم في موازنتها وبقيت معتمده على تحويلات المقاصة والتمويل الخارجي. 

قد تنفرج الازمة المالية الحالية قريباً من خلال ضغوط دولية على إسرائيل للإفراج عن كافة المستحقات ومن خلال تحويلات مالية من قبل الدول العربية خصوصاً المملكة العربية السعودية، والاتحاد الأوروبي والدول الاجنبية، ولكن التحدي الأكبر الى متى ستبقى موازنة السلطة الفلسطينية رهينة لإجراءات الجانب الإسرائيلي والتحويلات الأجنبية؟ وما هي الإجراءات التي يجب على السلطة القيام بها لتفادي هذه الأزمات المتكررة؟ وهل ازمة الحكومة المالية هي الازمة الوحيدة التي تشكل خطراّ على الاقتصاد الفلسطيني؟ ماذا عن البطالة، وتباطؤ النمو الاقتصادي؟ والفقر والدخل المحدود للأفراد؟ وغيرها من مثبطات الاقتصاد؟!

على السلطة الفلسطينية بداية التحرك الفوري لتوحيد الشعب الفلسطيني واراضيه حيث ان بقاء الضفة الغربية مفصولة عن قطاع غزة أحد أسباب تشرذم الموارد المالية للسلطة الفلسطينية وضعف الرقابة على النفقات. ان توحيد الأراضي الفلسطينية وإزالة الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة سبب مقنع للممولين الدوليين لزيادة تمويل موازنة السلطة الفلسطينية وذلك بسبب وجود رقابة موحدة على الانفاق العام للسلطة الفلسطينية، كما ان استغلال موارد قطاع غزة بشكل أمثل سيؤدي الى زيادة الإيرادات بشكل ملموس خصوصاً ان هناك سلطة على بعض معابر القطاع بالإضافة الى إمكانية انشاء ميناء بحري او مطار جوي بدعم دولي، في ذات الوقت يجب حشد المجتمع الدولي لمزيد من الضغط على الجانب الإسرائيلي بعدم احتجازات تحويلات المقاصة وجعلها أداة للابتزاز السياسي المتكرر.   وعلى المدى الطويل يجب الرجوع للاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع الجانب إسرائيلي وإعادة النظر فيها، والتشديد على المجتمع الدولي للوقوف عند مسؤولياته في هذا الجانب، حيث ان استمرار الوضع الراهن على الوضع الحالي سيبقي موازنة السلطة تعتمد على تحويلات المانحين. 

من جانب اخر على السلطة الفلسطينية اتخاذ إجراءات مالية ورقابية صارمة فيما يخص بعض النفقات مثل التحويلات الطبية ونفقات السفر والمؤتمرات وغيرها من النفقات التي قد تشكل عبئ على خزينة السلطة، ومراجعة الضرائب المحلية التي يتم جبايتها والتعامل بحزم مع التهرب الضريبي.  كما يجب التفكير بإمكانية استخدام موارد صندوق الاستثمار الفلسطيني للمساعدة في حل هذه الازمات المتكررة، والتشاور مع القطاع الخاص ورجال الاعمال للوقوف عند مسؤولياتهم واقتراح الحلول للمساعدة في الخروج من الازمة وتجنب المخاطر المالية مستقبلاً. 

لا يمكن بأي حال من الأحوال ترك الموظف الحكومي وحيداً في وجه الازمة، يقتطع من قوته وقوت أولاده ويأقلم نفسه مع جزء من راتب بالكاد يكفيه كاملاً، وعلى الحكومة الفلسطينية الجديدة ان تثبت للفلسطينيين التي اعطوها الثقة قدرتها على إدارة الازمة والخروج منها وتوفير سبل العيش الكريم للشعب الفلسطيني، ووضع خطة اقتصادية نهضوية شاملة تحد وتمنع تكرار هذه الازمات مستقبلاَ.