رئيس الوزراء المكلف د. محمد اشتيه بقلم المحامي زياد أبو زياد
تاريخ النشر : 2019-03-17
رئيس الوزراء المكلف د. محمد اشتيه بقلم المحامي زياد أبو زياد


الأحد...وكل يوم أحد                                      17-3-2019

رئيس الوزراء المكلف د. محمد اشتيه

بقلم المحامي زياد أبو زياد

كالعادة حالما صدر كتاب تكليف الدكتور محمد اشتية بتشكيل الحكومة الجديدة حتى انبرى البعض لنشر إعلانات التهنئة في الصحف المحلية وتباروا في حجم هذه الإعلانات والصفحات التي تحتلها ، دون أن ينتظر هؤلاء الى حين الإنتهاء من تشكيل الحكومة وأدائها اليمين الدستورية لتصبح حقيقة ثابتة وليس مجرد حكومة في طور الولادة التي يمكن أن تتم أو لا تتم ولو من ناحية نظرية.

هؤلاء الذين بادروا لنشر إعلانات التهنئة لا يلتقون وراء دافع واحد فلكل منهم أسبابه. فبعضهم كان مخلصا ً في التهنئة وأراد أن يعبر عن فرحته لرئيس الوزراء الذي الذي تربطه به صلة من المودة أوالصداقة أو المعرفة. وبعضهم أراد أن " يتمظهر " من خلال التباهي بأنه ذو صلة أو معرفة أو صداقة مع رئيس الوزراء. وأمثال هؤلاء نراهم في كل المناسبات ومع كل من يتبوأ مركزا ً مرموقا. فهم يخصصون ميزانيات لتغطية نفقات الإعلانات والولائم والحفلات.

ولقد أحسن الأخ د. محمد اشتية صنعا ً حين طلب عدم نشر إعلانات التهنئة بالصحف والتبرع بأثمانها للأعمال الخيرية ، ومع ذلك فإن البعض حاول تجاهل هذا الطلب وسعى بكل الوسائل لنشر التهاني.

والسؤال الذي خطر ببالي وأنا أتابع هذه الإعلانات هو : هل نهنيء الدكتور اشتيه أم نواسيه أن نتركه لشأنه والعبء الثقيل الذي وضع على عاتقه والذي يجب أن لا يحسده أحد عليه.

وثمة سؤال آخر ، ما الذي يجعل أي شخص عاقل أن يقبل أن يحمل هذا العبء الثقيل جدا ً وفي ظروف من أقسى الظروف وفي ظل احتمالات كبيرة للفشل ليس بسبب الشخص نفسه وإنما بسبب كل الظروف والملابسات التي تحيط به. وهذا سؤال لا أنتظر الإجابة عليه وأكتفي بالقول بأنني أتمنى لرئيس الوزراء أن يثبت بأنه قبل التحدي وأنه على مستواه.

أعرف الدكتور محمد اشتيه منذ قرابة ربع قرن من الزمن ، وبالتحديد منذ تشكيل الطواقم الفنية ببيت الشرق ومؤتمر مدريد ، واستمرت صلاتنا بشكل أو بآخر حتى اليوم. وأقول بشكل أولي بأن الدكتور اشتيه هو أفضل من يمكن أن تُناط به رئاسة الوزراء من بين أعضاء اللجنة المركزية لفتح .

ومع ذلك فلا بد من القول بأن من بين أعضاء اللجنة المركزية من هم أكثر منه دراية في شؤون الأمن ومنهم من هم أكثر منه دراية في الشؤون الدبلوماسية الدولية ومنهم من هم أكثر منه عراقة في العمل النضالي الميداني ولكن كل ذلك لا ينتقص من كفاءته وأهليته لأن يكون رئيس الوزراء القادم.

فالدكنور اشتيه هو أولا ً وقبل كل شيء من أكثر المسؤولين الذين عرفتهم أصالة وتواضعا ً ونأيا ً بالنفس عن المظاهر أوالتمظهر والتكلف وهم إنسان لم يقطع صلته بالناس أو بالشارع أو بالقرية. وهو باختصار شديد ما زال يتمسك بأخلاق القرية وطيبة أهلها. وهو أكاديمي يجمع بين العلم والخبرة الطويلة في العمل العام والمؤسساتي والتطوير والبناء والإدارة والسياسة أيضا ً.

ولا شك بإن تعيين الدكتور اشتيه رئيسا ً للوزراء يشكل في رأيي نقلا ً للراية من الجيل القديم أو المتوسط الى جيل الشباب ، بل ويمكن القول جيل الانتفاضة الأولى ، ولهذا الأمر أهميته ورمزيته التي لا يستطيع أحد تجاهلها والتي سنلمسها من خلال أدائه والتي ربما تكون مؤشرا ً على كيف سيكون الرئيس القادم الذي سيكون هو الآخر قد ولد من رحم الإنتفاضة الأولى.

ولا شك بأن كل الإيجابيات والمؤهلات التي يتحلى بها د. اشتيه ليست كافية لضمان نجاحه في مهمته . فالعقبات التي تقف في سبيله والتحديات التي تواجهه هي أكبر من شخص واحد ولا يمكن تجاوزها إلا إذا توفرت له ظروف معينة سأتطرق إليها لاحقا ً ، وآمل أن تتوفر.

أولى هذه العقبات هي عقبة داخلية. فرئيس الوزراء يفتقر لقاعدة برلمانية تمنحه الثقة وتسانده قي مواجهة معارضة برلمانية تقف له بالمرصاد. ولكننا في الحالة الفلسطينية الراهنة لا يوجد عندنا برلمان ولا معارضة برلمانية ولا يستطيع رئيس الوزراء أن يقوم بأي عمل مستمدا ً قوته من الشرعية التي تمنحه إياها الأكثرية البرلمانية التي منحت الثقة لحكومته.

لقد تم اختيار رئيس الوزراء من بين أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح ، فهو ليس رئيس وزراء توافق وطني كما كان سلفه د. رامي الحمد الله ولا يحظى بالضرورة بدعم كافة الفصائل الوطنية والإسلامية التي قد يحاول بعضها التباكي على الحكومة السابقة رغم أنه عمل على إفشالها هي الأخرى. ولكن كون رئيس الوزراء المكلف عضو في اللجنة المركزية لفتح التي يوجد من بين أعضائها من يعتقد ، ولو بينه وبين نفسه ، أنه أحق من د. اشتيه برئاسة الوزراء سيجعل عمله صعبا ً وربما عرضة لمحاولات التدخل في أداء الحكومة من قبل بعض أعضاء اللجنة المركزية سواء من خلال مداولات واجتماعات اللجنة المركزية بحضور رئيس الوزراء ، أو من خلال أطر أخرى. ومن المؤكد أن الشهور الأولى من عمر الحكومة هي التي ستقرر ما إذا كان رئيس الوزراء سيقف بحزم ويصد أية تدحلات في عمل حكومتة من قبل زملائه في اللجنة المركزية أم أنه سيفسح لبعضهم المجال للتدخل مما سيؤدي الى إرباك عمل حكومته وربما إفشالها لا سمح الله.

وثمة عقبة أخرى تتصل مباشرة بالعقبة الأولى وهي أيضا ناتجة عن غياب البرلمان وهذه العقبة هي كون رئيس السلطة هو المرجعية الأولى والأخيرة للحكومة وهنا لا بد من الإشارة بأن الطريقة التي سيتعامل بها الرئيس مع الحكومة هي التي ستقرر مصيرها من حيث النجاح أو الفشل. وأقصد هنا بشكل خاص ما إذا كان بعض المستشارين المقربين من الرئيس سيتعاملون مع الحكومة بشكل موضوعي ويتحاشون التدخل في أدائها ويتركون رئيس الوزراء يمارس عمله وفق رؤيته واجتهاده في إطار القانون والخبرة الواسعة التي اكتسبها في حياته العملية وخاصة منذ انضم للوفد المفاوض وانغمس في العمل السياسي والإداري والمؤسساتي طيلة ربع قرن من الزمن ، أم أنهم سيستغلون قربهم من الرئيس ويحاولون من خلال ذلك التدخل في عمل الحكومة وإضعاف شخصية رئيس الوزراء وأدائه. كما أن الأمر يتوقف أيضا ً على من هم أعضاء الحكومة القادمة وهل سيكونون جميعا تحت إمرة رئيس الوزراء أم أنه سيكون من بينهم من يعتقد بأن مرجعيته هي غير رئيس الوزراء ويحاول أن يكون حكومة داخل الحكومة. وسيتضح ذلك فور الإعلان عن أسماء أعضاء الحكومة.

هذا على صعيد البيت الفتحاوي الداخلي، أما على الصعيد الوطني العام فإن التحديات التي تواجه حكومة د. اشتيه كثيرة وقد يصعب حصرها. أولى هذه التحديات هي الإنقسام المزمن وكيف يمكن له أن يفتح قنوات مع الشطر الجنوبي للوطن وكيف ستتطور الأمور في ظل جهود تبذل لتحقيق تهدئة بين حركة حماس وإسرائيل ستكون بمثابة بداية مأسسة إقليمية للإنقسام وتكريس له. والسؤال هو ما الذي يستطيع أن يفعله رئيس الوزراء لشعبنا في غزة يغير من وضعهم ويفتح آفاقا ً جديدة للعلاقة المضطربة والمشروخة والتي تعاني من التشكيك والإتهام. وكثير من هذا الأمر يتوقف على مدى المرونة ومساحة المناورة التي سيمنحها الرئيس للدكتور اشتيه بما في ذلك إعادة صرف الرواتب المجمدة وإعادة لملمة الصف الفتحاوي واحتواء الحركة لنفسها قي شطري الوطن. ولا شك بأن الحكومة الجديدة بحاجة للقيام بخطوات تُعيد بناء الثقة بين شطري الوطن.

وفي هذا السياق ، وعلى المستوى العام ، ما الذي يستطيع رئيس الوزراء تحقيقه لتوفير المال اللازم لإعادة عمل السلطة الى المستوى العادي وإعادة صرف الرواتب وتقديم الخدمات للمواطنين في الضفة والقدس والقطاع والمضي قدما ً في أعمال التطوير وبناء المؤسسات والبنى التحتية والنهوض بالريف الفلسطيني الذي ما زال يشعر بالظلم لأن اهتمام السلطة قد تكرس منذ إنشائها بتطوير المدن الكبيرة على حساب القرى والتجمعات السكانية النائية التي ما زالت تفتقر للطرق وشبكات المياه وإيصال الكهرباء وتطوير المدارس وتوفير الخدمات الصحية من خلال العيادات والمستشقيات.

وأخيرا ً وليس آخرا ، هو ما الذي نريده من الحكومة . هل ستعمل في إطار رؤية سياسية تقوم على أساس أنها حكومة سلطة مؤقته وأن الحل السياسي قادم لا محاله وأن هذا الحل سيوفر لها الاستقلالية التامة عن أي ارتباط بواقع أننا ما زلنا تحت الاحتلال ، أم أن هذه الحكومة ستعمل على أساس أن ليس هناك أي حل سياسي في الأفق وأننا لسنا دولة ولن نكون دولة مستقلة ذات سيادة في المدى المرئي للعين ، وأن واجب الحكومة في مثل هذه الظروف أن تعمل أولاً وأخيرا ً على تثبيت صمود المواطن فوق أرضه بتوفير كل وسائل دعم صموده وتمكينه ، وحمايته بالحد الأقصى الممكن من محاولات اقتلاعه من أرضه ، وانتظار أن تمر هذه العاصفة الهوجاء لحين أن تتغير الظروف الإقليمية لصالحنا وتقف الى جانبنا لإزالة الاحتلال وإنهائه أو إعادة صياغة العلاقة بيننا وبين الإسرائيليين بشكل يكفل أن تكون علاقة ندية قائمة على المساواة التامة في دولة ثنائية أو متعددة الأجناس.

كثيرة هي التحديات التي تواجه رئيس الوزراء الجديد د. محمد اشتية . هذه بعضها وهناك كثير غير ما ذكرت. نأمل ونتمنى له النجاح ونؤكد مرة أخرى بأن نجاحه رهن بالطريقة التي سيتعامل بها معه سواء الرئيس أو أعضاء اللجنة المركزية أو من يدور في فلك الرئيس. أتمنى لك التوفيق !