الشيخ أحمد الفلاح..حين يرحل صانع الخير ممتلئاً بحب فلسطين بقلم:د.عصام يوسف
تاريخ النشر : 2019-03-14
الشيخ أحمد الفلاح..حين يرحل صانع الخير ممتلئاً بحب فلسطين بقلم:د.عصام يوسف


*الشيخ أحمد الفلاح..حين يرحل صانع الخير ممتلئاً بحب فلسطين*

بقلم: الدكتور عصام يوسف
رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة

تؤكد سيرة "رواد الخير" الكويتيين، بشكل أو بآخر، على "محورية" الوضع الفلسطيني الإنساني في استحواذه على جانب كبير من جهدهم الخيري، وانشغالهم في التفكير بتقديم ما تستحقه "القضية الأكثر عدالة على مر التاريخ".

عدا عن ذلك، ارتباطات القضية الفلسطينية بوجدانيات الأشقاء الكويتيين، الذي يتمثل بتوق أبناء الكويت المستمر لزيارة الأراضي الفلسطينية، وتحقيق أمنية الصلاة في المسجد الأقصى، بل وربما النظر إليه "كمحج" لا يكتمل إسلام المسلم – من منطلق معنوي- دون أن تطأ أقدامه أرض الأقصى، وتحسس حجارته وأسواره التي تفوح منها رائحة القدسية.

ما سلف ذكره، دون شك، يعد قواسم مشتركة يجتمع فيها الكويتي بباقي أبناء الأمتين العربية والإسلامية، إلى جانب الإيمان بحتمية وضرورة دعم صمود الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، حتى استرداد حقوقه الوطنية، إلا أن للكويتيين طريقتهم في خلق نوع من التمايز في التعبير عن علاقتهم بفلسطين وأرضها وشعبها.

من جملة أشكال التمايز، ثبات الموقف الرسمي والشعبي الكويتي في مناصرة القضية الفلسطينية، حتى في أحلك الظروف، والتغريد بشكل منفرد وبما لا ينسجم مع "فلسفة" مرحلة "صفقة القرن" التصفوية، وإطلاق الصوت عالياً، وواضحاً، بأن لا تطبيع مع عدو يستبيح دم الشقيق، ويقتل أطفاله، ويسلب أرضه.

يتعزز الموقف الأخلاقي الكويتي من القضية الفلسطينية من خلال رؤية ثابتة، وتناغم لا مثيل له بين القيادة والشعب، يرتكز على علاقة تاريخية، تسبق نشأة الدول الوطنية في المنطقة، حيث يلعب فيها العامل الإنساني والخيري الدور "المحوري"، المشار إليه سابقاً.

يد الخير الكويتية الممدودة على الدوام للشقيق الفلسطيني، على مر التاريخ، تحوّلت إلى ثقافة ونمط حياة، أرسى دعائمها أجيال من رواد العمل الخيري، خلال عقود مضت، دأبوا على تعليم أبجدياته للنشء، وغرس بذور الخير والعطاء فيهم، وتوجيه بوصلتهم في الاتجاهات التي تخدم الأمة والهوية، وتشكل استجابة للتكليف الرباني في "إحياء" الروح والقيم الإنسانية.

الشيخ أحمد عبد العزيز الفلاح (رحمه الله)، أحد هؤلاء الرواد الذين أسهموا بشكل فاعل في تأسيس مدرسة العمل الخيري الكويتي، ومن صف الرعيل الأول، ذو الطراز "الرفيع"، ممن امتلكوا "الحس" الخيري الكبير، والمهنية العالية، والنظرة البعيدة القادرة على تقدير الحاجات، ووضع التصورات لآليات دعم المحتاجين.

تلك المدرسة التي تخرّج فيها الفلاح، جمعت أسماء كبيرة وعريقة، أمثال الشيخ "عبد الله المطوع، والمحامي مبارك المطوع (مؤسس لجنة المناصرة الخيرية لفلسطين ولبنان)، والشيخ عبد اللطيف الهاجري، والشيخ نادر النوري، والشيخ عبد الرحمن السميط، والشيخ بزيع الياسين، وغيرهم، ممن شاركوا قيادتهم الرشيدة، وأبناء شعبهم في تحويل اسم "الكويت" إلى رمزية لتصدر العمل الخيري والإنساني على المستوى الكوني.

استطاع الفقيد الفلاح، ورفاقه من "أعمدة" العمل الخيري الكويتي حفر أسمائهم على حجارة الأقصى، وفي نفوس أرامل وأيتام وفقراء وطلبة وعمال وفلاحي فلسطين، بعدما وصلت أياديهم البيضاء إلى بيوت الفقراء، ومدارس وجامعات الطلبة، داعمةً ومؤازرةً، وماسحةً لدمعة اليتيم.

رحل الفلاح وقلبه ينبض بحب فلسطين، وقد رسّخ مع رفاقه مبادئ العمل الخيري الأولى، التي تبدأ بنصرة من يعاني جراء الاحتلال الاستيطاني المتحفز للانقضاض على أمة بأسرها، يوازي ذلك دعم الفقراء والمحتاجين في أرجاء الأرض، ومؤازرة القضايا الإنسانية في كل مكان.

رحل ليلتحق برموز صنّاع الخير، الذين غابت أجسادهم، وبقيت الأرواح كجدار صلب يتكئ إليه المعذبون، والمظلومون، حين تشتد رياح الاجتثاث، لتكون الغلبة لـ"حق الحياة"، ورفعة الإنسان وسمو كرامته.