الطبيعة والفرح عند الشاعر محمد زايد بقلم:رائد الحواري
تاريخ النشر : 2019-03-07
مناقشة كتاب "لا بد أن يعود" للقاص المناضل الراحل ماجد أبو شرار الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية وذلك في دار الفاروق
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها دار الفاروق تم مناقشة مجموعة "لا بد أن يعود" للقاص الفلسطيني المناضل الراحل ماجد أبو شرار، وقد افتتح الجلسة الروائي "محمد عبد الله البيتاوي" قائلاً: هذا الكتاب من إصدارات وزارة الثقافة الفلسطينية، وقد ضم قصص الراحل ماجد أبو شرار وهي مجموعة قصص "الخبز المر" بالإضافة إلى مجموعة من القصص التي لم تنشر من قبل ، مع مجموعة من المقالات النقدية التي كتبت حول ما نشر في مجلة الأفق الجديد التي كانت تصدر في القدس قبل احتلالها عام 1967، وهنا أود أن أنوه إلى أن مجلة "الأفق الجديد" والتي ترأس تحريرها أمين الشنار، كانت النافذة التي أطل منها مجموعة كبيرة من الكتاب الفلسطينيين، منهم نمر سرحان، وعمر عبد الرحيم، ومحمود شقير، وخليل سواحري، وصبحي شحروري، ويحيى يخلف وماجد أبو شرار الذي كتب أول قصة له في العدد السادس من المجلة، وحكم بلعاوي، فالمجلة كانت المتنفس والحاضنة لكل هؤلاء الكتاب والأدباء، ولا بد من الإشارة إلى أن ما كتبه "ماجد أبو شرار" من قصص يتوازى إبداعيًا وفنيًا مع ما كتبه غسان كنفاني، لكن العمل السياسي والتنظيمي لماجد أبو شرار كان على حساب الإنتاج الأدبي، من هنا نجد هذا الإنتاج قليلاً نسبيًا، وعندما نقول أن ماجد توازى مع غسان فنيًا وأدبيًا، فإن هذا الكلام يعتمد على أسس واقعية، وما هذه المجموعة من القصص إلا تأكيد على الإبداع والتألق الذي تميزت به أعمال ماجد أبو شرار، وقد نوه الناقد "صبحي شحروري" إلى أن ماجد أبو شرار تناول المرأة بطريقة متميزة، فقد تعامل معها كعضو فعّال ومؤثر في المجتمع، على النقيض من بعض الكتاب الذين تحدثوا عنها كجسد للمتعة.
ثم فتح باب النقاش فقال الشاعر "جميل دويكات: أننا في جلستنا هذه نحاول أن نشهر كاتب وأديب مشهور يُعترف بتألقه أدبيًا من قبل كافة القرّاء والأدباء، فهو ليس بحاجة إلى إشهار أو تعظيم، ويضاف إلى مكانته الأدبية مكانته الوطنية، فهو شهيد فلسطين،دفع حياته وهو يناضل في سبيل إحقاق الحقوق الوطنية والقومية للفلسطينيين وللعرب، وإذا ما قرأنا لماجد أبو شرار، سنجد قصصه نابعة من داخله، من هنا نجده ينحاز للفقراء والكادحين، ويدعو لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية،إضافة إلى الحقوق الوطنية والقومية، فرغم أن هذه المجموعة كُتبت في العقد السادس من القرن الماضي، إلا أنها تمتاز بالتألق الأدبي والفني، وأيضًا ما زالت تتقد بالحيوية والحياة، هذا جزء قليل يمكن التحدث به عن ماجد وأدبه.
وعلق الشاعر "عمار خليل"قائل : " عظيمٌ جدًا أن نعودَ إلى هؤلاء الرواة، إلى المنتمين إلى الترابِ ومن الترابِ، إلى الأوائل في الوجعِ، والأوائلِ في كشف الحقيقة، إلى من زاوجوا في نضالهم بين السيف واليراع، إلى ماجد أبي شرار واحدا منهم، فهو صاحب الشرارة المتوقدة بالألم والحقيقة المرة.في كتاب لابد أن يعود، والصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية لعام2019، أعاد الضوء إلى عتمة الماضي السحيق، كما إعادة تلك الكلمات المكتنزة والحبلى بالماضي الحاضر، فما أشبه اليوم بالبارحة. في كامل نصوص أبو شرار، يتطاير الشررُ من شكلها ومضمونها، يسكنها الألم، يبتعد عنها الأمل بقدر ما يحن البرتقال إلى أمه، وشاطئ العجمي إلى نورسه.وبعيدًا عن تحيزنا لهذا النص، وارتباطنا الكاثوليكي به، وبقراءة نقدية أدبية محايدة، أستطيع القول أننا أمام نصوص امتلكت اللغة الصافية وازدحمت بالقضايا الوطنية والاجتماعية، ودخلت إلى عالم الرمز والترميز، وطرقت أبواب الفانتازيا والسريالية، وطافت سبعة أشواط حول المرأة العاشقة والمعشوقة.وكانت يافا -وما أدراك ما يافا-الروحُ النازفة، والبرتقالة المدهوسة بعجلات الخيانة والضياع.هنا حيث الخبز المر، وأخواتها الأكثرِ مرارة، استطاع الكاتب بحِرفية موجعة أن ينقل لنا الألم المعتق لأكثر من سبعين سنة، أي أكثر من عمر الكاتب، وهذا يرجع إلى الطريقة المبكية التي أدخلنا بها الكاتب إلى عالم نصوصه.فقد اختلفت النصوص في جودتها، ولكن أدناها كان جميلاً، واستخدم الكاتب في جل نصوصه البداية المبهمة والمفتوحة، فلم تكن البدايات في النصوص مباشرة مما أعطى للقارئ الرغبة في التقدم في النصوص )لو كان الفقر رجلا لقتله)، مقولةٌ جسدها الكاتب في أكثر من موقع، فقد أثبت لنا أن هذه الحالة الاجتماعية السوداء ما هي إلا من منتجات اللجوء الفلسطيني، ثم عرج بنا إلى ذلك الصقيع والزمهرير القاسي، ثم ولج بنا إلى رفاق السلاح وخنادق الموت. سؤال راودني وقدّ قميصي كله منذ قراءتي الصفحات الأولى لهذه النصوص، أين الأمل؟ هل يعيب غياب الأمل هذه النصوص، حتى في نص حفرة عمر، كدت أن ابتسم ويرتاح صدري من عناء الوجع الساكن بل القابع في حروف أبي شرار، إلا إنه يأبى إلا أن يهدينا الوجع في نهاية النص.نحن بحاجة إلى أمل ولو كاذب، لكن أبو شرار جسد لنا الحقيقة، ونقل لنا الواقع كما هو ولكن بفنية أدبية جميلة وبسيطة، ليقول للأجيال القادمة هذا هو الحال فكيف هو حالكم، ولو قُدّر لأبي شرار العودة كي يرى حالنا لشكر من قتلوهُ، ومضى".

ثم تحدثت الأستاذة "فاطمة عبد الله" قائلة: ينطلق السرد القصصي للكاتب ماجد أبو شرار من حياة التشرد وقسوة الغربة،ومن ذاكرة شبّت على النضال،وصبوة إعادة الحق المغتصب،اختارت وزارة الثقافة عنوان (الخبز المر)، وكانت القصة الافتتاحية (مكان البطل) مهداة إلى روح الشهيد ابراهيم أبو دية،فمن خندق مواجهة إلى خندق المقاومة يمضي نضال شعب ملك الإرادة الحديدية،واستمرارية البذل والنضال حتى في بقايا الجسد،وعن الروح لا تسأل فهي لا تخدش. اللغة والحدث في القص عند الكاتب يسيران جنبًا إلى جنب فتتلاحق المشاهد لأحداث ظاهرة لا غموض فيها،وسرد واقعي تراوح بين البساطة والشفافية وحسن انتقاء الألفاظ، مع فلسفة مرتبطة بخبرة إنسانية، في بعض النصوص نجد اللغة وقد امتزجت بنكهة شعرية فلسفية تعبر عن كينونة الشتات في الذات وغربة الزمان والمكان (حكاية الرحيل) ص85 (عمري تسعة وثلاثون عامًا،وأنا الآن في مدينة لها بحر منه الشمس تولد كل صباح، تلك كان لها بحر فيه الشمس أنام، وهذه لها بحر منه الشمس تولد،كان هناك لي بيت وأرض،وهنا لي بيت بلا أرض،هناك كان لي ماض، وكنت أملك ناصية يومي، كنت أزرع أحلامًا تشرق بهية في غدي،وأنا هنا بلا ماض، يومي بطاقة سوداء تسلمني بعناد ونزق إلى غد أشد سوادًا، هنا أنا بلا جذور، بلا دعائم، بلا أصل). وفي قصص كانت لغته تصويرية فنية تدخل نفس القارئ وتذيبه في المشاهد (في مدينتي) (أنا أعيش في مدينة جميلة، تسمرها أشجار باسقة بديعة على سفوح تلال خضراء ندية، يدغدغدها ضوء رحيم في الأيام المشمسة، ويلفّها ضباب كثيف بفرائه الأبيض في الأيام الباردة، وفي الليل تسامر مدينتي أضواء فضية تولد مع مولد القمر من بطن واد حالم في الشرق لتموت هذه الأشعة في نهاية الليل مشبعة بأنغام سمفونية خالدة، تبعثها أصوات بلابل مبللة بالندى، وضفادع ناعسة حالمة وزرازير بلون الليل،وحداء راع بكوفية بيضاء، وألف ألف صوت آخر). كما أن لغة الحوار لديه مكثفة عمقت دلالة المعنى (بستان الصقيع)ص99.
شخصيات عديدة يصفها الكاتب وصفًا دقيقًا من خلال لغته الناطقة،شخصيات جسدت القهر والحزن والحلم المنكسر،سكبت كؤوس الألم يتجرعها القارئ قصة تلو الأخرى، وقد أوصل الكاتب أفكاره عبر تلك الشخصيات وذلك بغرض سلوكها ومزاجها وأفكارها،ولم يتغاضى عن وصفها شكلاً وجسدًا،كشخصية كمال في (النجار الصغير)،وشخصية بكر في (الرازق)، وعريب في(الشمس تذوب)، ومحمد اسماعيل في قصة (الصورة)، تنتهي القصة وتبقى الشخصية متجسدة في مخيلة القارئ. أسلوب الكاتب شيقًا يشد القارئ دون ملل، نصوصه سردية مليئة بالحركة والتوتر والتشويق دون الوقوع في بئر الحكائية، فلا غموض تامولا انكشاف ظاهر،والقصص التي تنتهي بلا حل تعمل على إذكاء ذهن القارئ ومخيلته،واستكمال الفجوات. الزمان لدى الكاتب بالمجمل ما بعد حرب يافا،ما بعد النكبة، والمكان تنوع بتنوع القصص وشخصياتها بين مدينة وقرية ومخيم وحدود وخندق، (حفرة عمر) يبدو المكان غريبًا عن خيالنا، لكن بدقة وصفه للبطل ينقلنا إلى المكان فنتحسسه ونعيشه ونعرف أين نحن. المرأة في قصص ماجد أبو شرار مقهورة ضعيفة واهية، تسعى لإنقاذ نفسها ويظهر تعاطفًا كبيرًا تجاهها،فقصته (بستان الصقيع) ينتقد فيها عيوب المجتمع ومؤسساته وكيف قادت الفتاة المقهورة التي عجزت عن إنقاذ نفسها وعائلتها لتسقط في وحل الرذيلة. مجموعتان قصصيتان في كتاب حين نلتقي بعنوان المجموعة الأولى (الخبز المر) نلتقي بشقاء الحياة وبؤس العيش نشم رائحة الرطوبة في المنجم ونسعل بشدة مع (أبو خميس). (لا بد أن يعود) عنوان المجموعة الثانية،عنوان ينسجم بالخاتمة، وبين العنوان والخاتمة صراع كان وأصبح،وحرب دموية بويلاتها. الجزء الثالث من الكتاب( في ميزان النقد) يقرأ أبو شرار (جميلة بو باشا) من تأليف سيمون دي بوفوار. يخرج القارئ من مجموعتي قصص مؤطرة بالألم لقصة معروفة إطارها الظلم وامتهان الكرامة الإنسانية. ثم تتوالى قراءات وقصص تطرقت لها مجلة (الأفق الجديد) كقصة الزامور للكاتب والقاص صبحي الشحروري (رحمه الله)، وقراءة نقدية له للكاتب نمر وماجد نشرت كمقالة في مجلة (الأفق الجديد) وهي تساؤل إلى أين،حيث تتطرق إلى نهج كل من نمر وماجد فيما يخص المرأة، فعند نمر هي الإثارة والمتعة،وعند ماجد فهي الأنثىالمحزونة الملتاعة التي نذوب عليها حسرة ونتعاطف معهاص151. وفي الصفحة الأخيرة مناقشة يرد فيها صبحي الشحروري في عنوان (لا حاجة للهمس) على نقد لذات المقالة (إلى أين) انتقد صبحي الشحروري ماجد أبو شرار ولم ينكر الإعجاب بكتاباته من حيث المرارة التي يجرعها للقارئ في كل إنتاجه الأدبي. والآن أتساءل بأي سوداوية كان سيكتب ماجد أبو شرار في ظل هذا الوضع المحبط الذي يعيشه عالمنا العربي.
ثم تحدث "رائد الحواري" منوهًا إلى أن المتعة حاضرة في المجموعة رغم الألم والحزن الكامن فيها، وهذه المتعة لوحدها كافية لتجعلنا نقول أننا أمام قاص وأديب متألق، يعرف صناعة الأدب المتقن والمتألق، وما يُحسب لهذه المجموعة أن القاص استطاع أن يتناول الحالة الفلسطينية رغم الرقابة الصارمة التي كانت تراقبه في حينها، من خلال الحديث عن يافا وبرتقال يافا، وهذا يعيدنا إلى الرمز الفلسطيني قبل الاحتلال، وكيف كان البرتقال هو رمز فلسطين قبل أن نتحول إلى الزيتون واللوز الذي أصبح رمزًا بعد احتلال بقية فلسطين عام 1967.
أما المسرحي "سمير أبو زاهر" فتحدث قائلاً: من ميزات الثورة الفلسطينية أنها ضمت بين صفوفها رجالا مثل ماجد أبو شرار، فهو ليس سياسيا فحسب، بل أديب ومبدع ومفكر، لهذا نجد الحياة في أدبه وقصصه رغم مرور ما يزيد على الخمسين عامًا، فقصصه جميلة وممتعة ومتألقة، وتحمل الهم والمعاناة الفلسطينية، ونجد فها الألم الطبقي والحالة التي عاشها الفلسطيني بعد أن هُجّر من وطنه فلسطين، والجميل في هذه المجموعة أننا نشم رائحة برتقال فلسطين، ذلك البرتقال الذي ما زلنا نحلم بالعودة إليه، ومن المميزات الأخرى لأدب ماجد أبو شرار اهتمامه بالمرأة، إن كانت أمًا أو أختًا، أو زوجة، وهذا يشير إلى البعد الفكري عند القاص، فقد تنبه إلى ضرورة أن يكون للمرأة مكانتها ودورها في الحياة.
ثم تحدثت الروائية "خلود نزال" قائلة: من يكتب بهذا التألق بالتأكيد هو أديب متألق، فالجامع لهذه القصص هو يافا وبرتقالها والهم الاقتصادي، من هنا يمكننا القول أننا أمام (رواية) إذا ما نظرنا إلى مجموعة القصص كوحدة واحدة، لكن لي ملاحظة،وهي: لماذا لم يذكر القاص الاسم الكامل "لجبر" الذي قدم روحه فدى رفاقه في السلاح، وذكر فقط ابراهيم أبو دية؟ وهناك مجموعة من الأخطاء كان على الوزارة الانتباه لها قبل الطباعة، خاصة إذا عرفنا أن هذا هو الإصدار الثاني لماجد أبو شرار.
وفي نهاية اللقاء اتفق أعضاء اللجنة الثقافية لدار الفاروق على أن تكون الجلسة القادمة يوم السبت الموافق 16/3/2019، لمناقشة كتاب " مختارات من الشعر الروسي"، وهو من إصدارات وزارة الثقافة الفلسطينية حيث صدر في مطلع العام 2019.