في حضرة الغياب مداخلة في عرس غياب القاص مهند يونس بقلم:غريب عسقلاني
تاريخ النشر : 2019-03-06
في حضرة الغياب مداخلة في عرس غياب القاص مهند يونس بقلم:غريب عسقلاني


في حضرة الغياب  مداخلة في عرس غياب القاص مهند يونس

 أهلا بكم في عرس غياب الفتى مهند يونس..

والشكر موصول لمؤسسة عبد المحسن القطان ومركز غزة الثقافي, ولكل من حضر المقام وفاء لعودة الذي مضى, لنقف جميعا عند محطة التباس بين الأمس والغد بين الفرح والأسى بين الغياب والحضور لمبدع شاب غمس قلمه بمداد الماضي وشخَّص فاستشرف المستقبل وعاش الآني أسئلة متعددة متشعبة وسجل حالة متفردة على المستوى الفني شكلا ومضمونا, وأكد أن القصة القصيرة فن مرواغ يستطيع استيعاب الفكر والفلسفة والاقتصاد والسياسة ومسيرة الحضارة أيضا.. ما يجعل هذا التكريم يليق به. 

 فهل اجتمعنا لنحتفي بكاتب وإطلاق كتاب جديد, أم تُرانا جئنا نعتذر للفتى مهند يونس, الذي تسلل فينا واتكـأ على كوعه الغض. ينظر ساهم يختبر قدرتنا على فهم جيل قذفته أكثر من صدفة, فاختار, الرفض تارة والتجاوز تارة الانسحاب إلى ذاته يشاغبها متى داهمه الفيض على نسق مغاير. 

أي لعبة اختارها وقد نفد إلينا وسحب ما يعتمل فينا وجدل منها سوطا من ياسمين يقرعنا وقد تعرينا بكل خبائثنا وعجزنا - نحن هواة الكتابة- غادرنا وشبحنا على صليب لا يشبه الصليب وكتبنا بحروف لا تشبه الحروف بحبر صنعه من مفردات الحياة ممزوجا برحيق مفاجئ وصادم. وفتح السؤال الوجودي على مداه.

واليوم يجمعنا المكان على مائدة فتى سكننا ولم يبرحنا, وكأن في غيابه في حضور وريقاته كائنات تتواصل مع الحياة.

 هذا ما فعله بعد طول ارق وتركنا نعيش الأرق في مطارح قصصه ونصوصه, وهواجسه التي أطلقها عصافيرَ تطير في سماء ملبدة بالغيوم. وكأن الأمر افتراض مؤقت, كما هو مع ركاب سيارة ضمت ركابها رجل خمسيني افترضه الأب وامرأة أربعينية افترضها الأم وفتاة عشرينية افترضها الابنة وطفل افترضه الحفيد كلهم يذهبون إلى بيتهم إلا السائق" هو" الذي لا بيت له.

سؤال كابوسي مفزع  يقذفه في وجه المرجفين بالسياسة حول البيت ولا بيت وحول الوطن ولا وطن.

وفي قصة الحوت الذي صفق باب الغرفة بذيله, ظلال حوت منتحر قذفه البحر على شاطئ غزه, وكأنه يرهص بحالات الانتحار التالية في علم ليس لنا 

وفي قصة البحر المفقود يعود بالعربي الفلسطيني إلى بداوته والصحراء, والحلم بشق الأرض ليركب الماضي في زمن جفت فيه البحار

وفي قصة أمنية مؤجلة, حيث يؤجل فكرة الانتحار حتى يتزوج وينجب أولادا يتزوجون وينجبون أحفادا, وعندما يحاول الانتحار تمرض زوجته فيقوم على رعايتها, وعندما تموت يصعد إلى أعلى البناية فيموت لضعف بنيته ومرضه!

 حالة سيزيفية معارضة في الفكرة والأسلوب, 

فهل هي لعنة الحياة في بيئة مفرغة من أسباب الحياة كما في غزة أنموذجا؟ 

لا أريد الإطالة فاليم عرس زغاريده الدموع, والمتلقي المحتفي بالفتى ليس صوفيا, ولا راكب صاروخ كما هو الحال في بلد يقاتل نفسه بوهم الانتصار, ولكنه ملك حظ متابعة القصص بمذاق أخر فأدركه الفيض فصرخ: 

- لماذا غادرت مبكرا يا فتى وتركت الآثار ترسم خلفها أقداماً!!