قمعوه وما كادوا يفعلون..بقلم:أ. حسين عمر دراوشة
تاريخ النشر : 2019-03-05
قمعوه وما كادوا يفعلون...

أ. حسين عمر دراوشة(كاتب وباحث) 

كان النصب التذكاري يقبع في مرتكز المدينة المنكوبة التي مُنيت بخسائر فادحة في العمران والأرواح التي زُهِقَتْ تحت دواليب عنجهيتها وأفعالها الصبيانية الهوجاء، لقد سرت الوطنية في دماء تلك المدينة وأوصالها، ويجسد ذلك النصب جندياً وسط ميدان البلد، لم يعرف أصله من فصله، لكنه تاريخ حافل بالمشاهد واللقطات الساخنة، وأبت طائرات الغدر أن تفض عذرية شرفه وأن تستهدفه بجنون نوافثها، فشاءت الأقدار أن تسقط سلاحه ويبقى صامداً شامخاً ينظر في الأفق السحيق، وانتاب أهل المدنية شعوراً لا يوصف من صمود هذا الجندي الذي أصبح رمزاً للقوة والشجاعة بالرغم أن لا روح فيه، ولكنه سكن أرواحهم ذات التصرفات العمياء...

وتستمر الحياة مع تقادم الزمن وتوزع قسماتها بين الأهواء والأنواء، وتهب العواصف بالرياح والغبار والأتربة التي تضفي غشاوة على الرؤية والبصيرة، ومع ازدحام الأفكار والعواطف الجيّاشة، التي جابت مخيلة حابس في أن يلحق الأذى بذلك الجندي الذي أخذ مكانة مرموقة يحلم بها حابس ولكنه فشل مرات عديدة في الوصول إلى مبتغاه، فاشترى لذلك عربة أخذ في بداية الأمر يعمل عليها سائق أجرة، ولا ينجو من تصرفاته العاهرة  إلا ما ندر ممن خالطهم من بني البشر في تلك المدينة الملعونة التي تحشد في أحشائها ملايين من ضروب البشر...

وبدأت نزواته الشريرة تطفو على السطح، فأحضر حبلاً ثخيناً، وذهب تحت جنح الليل؛ ليلبي رغباته وملذاته، وبعدما احتسى مشروباته الروحانية المفضلة، وسال لعابه وانسكبت على محيا جسدته، فانبعثت منه الروائح النتنه، وهو بين الشعور واللاشعور وفي منطقة بين الحضور والعدم، والبقاء والفناء...  ألقى بحبله الذي يسعى إلى نفث الحقد الدفين على جسد الجندي الطاهر الذي ما زال صامداً وشاهداً على عنجهية بني البشر .... وجعله متصل بالعربة التي يعمل عليها، وانسالت القهقهات اللاإرادية في حالة من النشوة العارمة، التي أسقطت فيها معاني العزة والكرامة، لتستمر حياة أولئك الأوغاد يا سادتي... غير آبهين بالمصير المحتوم..