مالك البطلي "أنا ابن الندوب"بقلم:رائد الحواري
تاريخ النشر : 2019-03-03
مالك البطلي
"أنا ابن الندوب"
التراث الثقافي العراقي يبقى حاضرا في وجدان العراقيين، فالندب الذي مارسه السومريون منذ ألاف السنين ما زلنا نشاهده حتى اليوم، لكن بتوجهات وأفكار جديدة، الندب على الحسين، فالحالة الأدبية العراقية تمتاز بتناولها للحزن، ولا ادل على ذلك من الشاعر "منصور الريكان" الذي يتميز بحزنه الناعم والهادئ، وها نحن نجد شاعر آخر يحدث عن الحزن لكن بطريقة وشكل آخر.
يفتتح الشاعر قصيدته:
"أنا ابنُ الندوبِ والنائحات
في المَغربِ أَتوكأُ على الآه
أَنعى ، وأَبكي ،وأَتَشظى" رغم الحزن الذي (نفر منه) إلا أن الكاتب يجذبنا إلى نصه من خلال الصور الأدبية التي يستخدمها "أتوكأ على الآه" وأيضا من خلال حدثيه عن نفسه، فهذا يجعلنا نتقرب منه، حيث نجد قريب منا، لهذا اختارنا ليحدثنا بما في نفسه من حزن/ألم.
"ثمَ
أعودُ لأجمعَ نفسي حبّةً حبّةً
وأقِفُ إلى الأبد أَمامَ رحيلِك
منتظرًا هبوبَ لقاءٍ باهت" الحديث عن المرأة دائما يجذب المتلقي ويقدمه من النص الأدبي، فهي عامل جذب للقارئ، فهنا الحديث يدور عن الحبيبة، وهذا ما يجعلنا نتقدم أكثر من النص، لنتعرف على حالة العاشق الولهان.
"أَنظرُ كآخرِ نسمةِ هواءٍ
كيفَ تخرُّ الشمسُ وتتلوى على شرشفِ البحر
كأَنها رَحى المنيةِ يا وحيدَتي
تطحنُني
تطحنُني
لأسقطَ
وجعًا كأوراقِ
الخَريف المتَهاوية" يشبه الكاتب نفسه بالطبيعة، الهواء، والشمس، البحر، أوراق الخريف" وكلنا يعلم أن الطبيعة عامل مهدئ للكاتب، لكنها هنا جاءت لتعبر عن الحالة البائسة التي وصل إليها الكاتب، فهناك "تخر، تتلوى، تطحنني، وجعا، المتهاوية" كلها تخدم فكرة الحزن والألم لذي يحاصر الكاتب، لكنه يخفف علينا من خلال الصورة الأدبية التي جعلت الشمس تخر وتتلوى.
"واجلسُ حولي عند أولِ أخٍ في هذا القلب
لأَشعلَ
الشموعَ وأنعى ذاتي
في كلِّ ليلةٍ" بعد أن شبه نفسه بالطبيعة المحطمة والمتساقطة، يحدثنا عن نفسه وعن فعله، فهو يعيش حالة من الوحدة، لكنه لم ييأس تماما من التقدم من جديد إلى الحبيب، لهذا نجده "يشعل الشموع، فهذا الفعل يشير إلى أن العقل الباطن للكاتب ما زال يحمل شيئا من الأمل، لهذا نتخيله أمام الشموع متأملا مفكرا فيما آلت إليه أحوال الحبيبة.
"وها أنا الآن دونَك مستاءٌ في حوانيتِ الظَلام المُتعبة
موحشٌ مثل جيدٍ غجريٍ بلا قِلادة
أجرُّ
على مَتني حقائبِك الثَقيلة" حالة التأمل أوصلت الكاتب إلى استحضار الحبيبة ومخاطبتها، وهو هنا يقدمنا أكثر من النص، ويجلنا نتوقف لنستمع إلى هذا العاشق الذي يشكي همه لها.
"وأُلقي عليَّ تهويدةَ حُزني
لأغفوَ وأَدعو
ليلَ الغيابِ ليسيرَ دونَك
كما لو أَنَّه غَيمةً هاربة.!" الاستمرار في حالة (تعذيب) الذات، وكأن الكاتب يعدنا إلى طقوس ندب تموزي، وهنا يربط الكاتب حالته بالحالة العراقية العامة، فالحزن والندب يشكل أحدى روافد الثقافة العراقية، لكن علينا الاشارة متى سيكون احتفالنا بعودة تموزي إلى الحياة، لنعيد طقوس الفرح والأعياد التي قامت قبل آلاف السنين؟.