الواقع التعليمي بين رحى النظام الجامعي و النظام التعليمي المدرسي
تاريخ النشر : 2019-02-14
الواقع التعليمي بين رحى النظام  الجامعي و النظام التعليمي المدرسي


الواقع التعليمي بين رحى النظام  الجامعي و النظام التعليمي المدرسي

           بقلم : د. سرمد فوزي التايه

ليس سراً ولا يكاد يخفى على احد أن هناك حلقة مفقودة متعلقة بمعضلة مسؤولية المؤسسات التعليمية بشقيها التعليم العام والتعليم العالي بين أروقة هذا الوطن من حيث دور كل منهما فيما يتعلق بالواقع التعليمي الذي يشوبه علامات الاستفهام في كثير من الأحيان؛ حيث يلاحظ ان هناك اشكالية حقيقية واقعية يعاني منها الكثير من افراد المجتمع الفلسطيني في ظل الافتقار للأبعاد التعاونية التوافقية او غياب او ضعف التواصل الفعال ذي الجدوى في العمل التربوي التشاركي.

يشير خبراء التربية وتشير كثير من المؤشرات والدراسات والأرقام الاستكشافية أن هناك أزمة حقيقية معلنة وليست سرية متعلقة بواقع العمل التربوي في المدارس الفلسطينية والتي تنعكس بالطبع على واقع الطلبة بمستوياتهم التحصيلية والقيمية والتفاعلية والمهارية وما إلى ذلك من الأمور التي باجتماعها معاً تعطي الشخصية القويمة الفذة والطموحة والمتمكنة إن نحن أحسنا صنعها وقولبتها وتربيتها بالصورة المثلى حتى نكون قادرين على خلق جيل واعد قادر على مجاراة الحاضر والسير بموازاة المستقبل الناهض، وهي على النقيض من ذلك فإنها قد تصنع الشخصية الضعيفة علمياً، والمترددة والمرتبكة والآيلة للسقوط أن نحن لم نستطع اعدادها بالصورة المثلى ليصبح الطالب اولاً والمجتمع ككل يعاني ويلات السقوط المؤلم نتيجة لذلك .

بالرجوع إلى التقارير الصادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي نرى أن هناك ضعفاً في تحصيل الطلبة في الاختبارات الوطنية والدولية، كما أن هناك تدنياً واضحاً في درجة امتلاك الطلبة للقيم الأخلاقية والاتجاهات الايجابية وأنماط التفكير والمهارات الحياتية، ناهيك عن تدني انخراط الطلبة في الحصص الصفية، غير غافلين عن ارتفاع نسبة الطلبة المعرضين للعنف بأشكاله وأنواعه المختلفة وما إلى ذلك من مؤشرات. 

إن هناك أزمة حقيقية تم تشخيصها والوقوف على نتائجها من داخل الوزارة بصورة أساسية، إضافة إلى تشخيص خارجي من المؤسسات الشريكة وغير الشريكة المحلية منها وغير المحلية، حيث كانت تكمن الإشكالية في أن هناك لغطاً حول المسبب الرئيسي لتلكما المعضلة. 

في نقاشات عديدة رسمية وغير رسمية مع أعمدة العمل التربوي في الجامعات الفلسطينية العريقة والمترامية الأطراف نستكشف أن هناك اتهام بصورة مباشرة لسياسات وزارة التربية والتعليم العالي كونها المسؤول الأول والأخير عن كفاءات وكفايات خريجيها عند انتهاء المرحلة الثانوية والتحاقهم بالجامعات؛ فتراهم يصدحون بعالي الصوت أن هناك فجوة في قدرات وإمكانيات ومعلومات هؤلاء الخريجين الجدد، وان الكثير منهم لا يرقى للوصول إلى مقاعد الدراسة الجامعية ولا يستحق تلك المجالس لا على الصعيد العلمي ولا على الصعيد اللغوي ولا المهاراتي؛ بالتالي كيف لهؤلاء الملتحقين الجدد أن يكونوا على قدرٍ عالٍ من المسؤولية والقدرة والكفاءة بعد أربع سنوات من الدراسة الجامعية بأن يصبحوا معلمين أكفاء وبقدرات تدريسية عالية طالما أنهم بالأصل يفتقدون ويفتقرون لمثل هذه الإمكانيات؟!

بالصورة المعاكسة والمغايرة ومن وجهة النظر الأخرى فإننا نقول: كيف لخريج ضعيف ويفتقد لأبسط معايير الكفاءة والمعلومات والمهارات الحياتية والاتصال والتواصل أن يقف ذات يوم بحصة صفية ويصبح هناك الراعي الرسمي لتلكما الحصة وسيدها وحامي حماها والآمر الناهي في هذه المملكة ليلقى على عاتقة تربية أجيال وتأديبهم والرفع من شؤونهم ورفعتهم وهو بالأساس فاقد لذلك الشيء ومفتقر إليه ؟؟

من الناحية الاخرى، فلا يكاد يخفى على احد متابع للشؤون التربوية او منهمك في الشؤون الحياتية ولا له ولا عليه في خضم هذا المجال أن هناك خريجين انهوا مرحلة الثانوية العامة والتحقوا بالكليات العلمية منها والانسانية المحلية والاقليمية والعالمية ليكونوا بعد تخرجهم منارات في الطب والصيدلة والهندسة والحقوق والزراعة والعلوم...... وما الى غير ذلك من المجالات المترامية الاطراف، حتى وأنه يشار اليهم بالبنان واضحوا قادة عظام واصحاب امجاد في مجال تخصصهم وطنياً ودولياً. 

يظهر أن المشكلة تكمن في طبيعة الطلبة الملتحقين بكليات التربية على طول الرقاع الجامعي؛ حيث انه من المعروف والمتداول به وعلى الملأ وفي السر والعلن( وليس بتعميم) أن الطلبة ذوي التحصيل المتدني في امتحان الثانوية العامة والذين لا تؤهلهم معدلاتهم للدخول للكليات المرموقة ومجاراة ومنافسة اقرانهم فإنهم يلجؤون وكَحَلٍ رضائي لذاتهم ولذويهم للولوج لكليات التربية واعداد المعلمين كونها قادرة على استيعابهم ضمن هامش علاماتهم ومعدلاتهم المتواضعة والمُتحصل عليها، وبالتالي فالكل يستطيع أن يتنبأ كيف سيكون حال هؤلاء الخريجين عندما يلتحقوا بسلك التربية والتعليم كمعلمين جدد!! 

إذاً، لا بد من التفكير المتمحص والمنطقي والاستدلالي والاستقرائي للبحث عن حلول جذرية تعمل على وأد هذه المعضلة وهي بالمهد قبل وصولها إلى النضوج الذي قد لا يُحمد عقباه عَلَنا نعمل على ردم حالة التشظي والضبابية والخروج بقرار يمنع  تفاقم وتدحرج هذا الهم حتى لا يصبح ككرة ثلج تأخذ بالانتفاخ ونصل بالنهاية إلى جيل غير قادر على القيام بمسؤولياته والنهوض بذاته وبمجتمعه وصولاً إلى مصاف الدول الحضارية والراقية والتي ترنو إلى طموحات عالية وواعدة تقود الأمة للرفعة والسمو. 

بوجهة نظر متواضعة وكاقتراح لحل هنا فإنه ومن باب أولى أن يتم النظر إلى كليات التربية واعداد المعلمين في الجامعات الفلسطينية بذات النظرة التي يُنظر بها إلى كليات الطب والهندسة والعلوم  والصيدلية وغيرها من الكليات الريادية  من حيث قبول الطلبة والتحاقهم؛ لا بالعكس، فإنه أولى وأحرى أن يتم قبول الطلبة للدخول بكليات التربية وتأهيل المعلمين بمعدلات أعلى من مثيلاتها بالطب والهندسة وذلك بسبب منطقية هذا الطرح كونه ما أن صلح معلمي هذا المجتمع حتى يصلح طلبتهم بذات الخصوص وبالتالي يصلح المجتمع بذات العموم .