الصامتون عن الجريمة اشد جرما من مرتكبيها بقلم:د.إسحاق محمد ياسر
تاريخ النشر : 2019-02-12
جريمة سبايكر :الأهداف والمشاركون
الصامتون عن الجريمة أشد جرما من مرتكيبيها
د.إسحاق محمد ياسر
قال تعالى في كتابه الكريم في سورة يونس((..ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين..))آية 85.يقول السيد الطباطبائي(قده) في تفسيره الميزان الجزء(10) ص(108) في ضمن ما كتبه عن هذه الآية ( ذلك أن الذي يغري الأقوياء الظالمين على الضعفاء المظلومين هو ما يشاهدون فيهم من الضعف فيفتتنون به فيظلمونهم فالضعيف بما له من الضعف فتنة للقوي الظالم..))انتهى. فالداعون هنا يطلبون أن يرفع الله تعالى عنهم الضعف حتى لا يفتتن بهم الظالمون فيظلمونهم لأن الضعف قد يغري بعض الأقوياء على ظلم الضعيف. وهذا يعني أن من لا يسعى أن يكون قويا قد يكون مشاركا في وقوع الظلم عليه ولذا ورد في بعض الروايات(المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف).
لقد تم تنفيذ جريمة سبايكر بطريقة موغلة في البشاعة وتم تصوير هذه الجريمة البشعة وتم عرضها على مواقع الذين ارتكبوها أولا, ومن هناك انتشرت على كل شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي التي واصلت عرض هذه الجريمة ليلا ونهارا وبشكل شبه كامل تقريباً من حيث العرض المصور. لا اعتقد أن عراقيا لم يشاهد هذه الصور الحيّة ولم يعش لحظات من الألم والأسى والغضب وربما أصاب بعضهم الانهيار العصبي أو صدمة نفسية أو غير ذلك من ردود الفعل المؤلمة لمثل مشاهد هذه الجريمة. والسؤال: هو لماذا تم ارتكاب هذه الجريمة وماهي الغاية وراء تصويرها ونشرها بهذا الشكل الواسع؟.
سنعود للإجابة على هذا السؤال بعد أن نبين المشاركين في هذه الجريمة؟
ينقسم المشاركون في هذه الجريمة الى: أولا- المشاركون بالتخطيط والتنفيذ. وثانيا- المشاركون في تحقيق أهداف الجريمة.
أولا- المشاركون في التخطيط والتنفيذ:
1- المخططون وهم جهات دولية وإقليمية ومحلية.
2- المنفذون وهم من قاموا بتنفيذ هذه الجريمة من الجهات والجماعات المتطرفة و التكفيرية والارهابية.
ثانيا- المشاركون في تحقيق أهداف هذه الجريمة.
وقبل بيان هذا النوع من المشاركين يجب أن نقول أن هناك من شارك في تحقيق أهداف الجريمة بشكل متعمد وعالم بما يفعل وآخرون قد يكونوا ساهموا بشكل غير متعمد وغير مقصود ولكن طريقة تعاطيهم مع الجريمة حقق بعض أهدافها. والمشاركون من هذا النوع هم:
1- الحكومة والبرلمان العراقيين. إن صور مشاركة الحكومات ودورات البرلمان التي حدثت الجريمة في عهدها والتي جاءت بعد ذلك, كانت متعددة تمتد من قبل حصول الجريمة الى ما بعدها وحتى اليوم. فقبل الجريمة يبدو واضحا أن هذه الجريمة لم تكن لترتكب لولا الخلل والتهاون وسوء التخطيط وعدم متابعة الأمور والأوضاع والانشغال بأمور لا تمس العمل الحكومي الرسمي وعدم المراقبة والمحاسبة لعمل الوزرات وكثرة العمل بأسلوب الوكالة وحصر وظائف عليا في الدولة بيد شخص واحد أو مجموعة أشخاص وغيرها من الأخطاء والمفاسد لعبت دورها في وقوع الجريمة. وعدم مقاضاة المقصرين الحكوميين لحد الآن بل وعدم توجيه أية تهمة لأي فرد من أفراد الحكومة ولو بتهمة التهاون والتقصير وعدم أداء الواجب بشكل صحيح.
ومن صور مشاركة الحكومات ودورات البرلمان ,صورة الإهمال الواضح للتحقيق السريع في الجريمة وعدم الوصول الى نتائج مهمة إلا بعد مدة طويلة بل لم تحقق النتائج الكاملة عن الجريمة لحد الآن.
ومن الصور ايضا إهمال عوائل وذوي شهداء هذه الجريمة وعدم اعطائهم الحقوق المترتبة لهم ووضع أغلب هذه العوائل في وضع اقتصادي سيء جدا. ومن المعروف أن أغلب الشهداء هم من العوائل الفقيرة التي زادت فقرا بمقتل أبنائهم أو معيلهم.
2- الجهات الأمنية والجيش والاستخبارات والمخابرات وغير ذلك من الأجهزة المسؤولة عن الأمن العسكري والمدني ,فهذه الجهات لابد أن تكون مسؤولة عن منع وقوع مثل هذه الجرائم فلماذا لم تتمكن من القيام بواجبها وكيف حدث مثل هذه الخرق الكبير؟.
3- الصامتون. وأقصد بهم الكيانات السياسية والمعنوية ,الرسمية وغير الرسمية, الفردية والجماعية التي لم تطالب بالتدقيق في أسباب حصول هذه الجريمة وتعاملت بالصمت أو بالمطالبة الخجولة في ملاحقة أسباب الجريمة, وفي المطالبة بحقوق عوائل وذوي الشهداء المغدورين الذي يحتاجون الى رعاية خاصة من قبل الدولة والمجتمع على جميع المستويات, النفسية والمادية ,فالجروح العميقة التي أصابتهم لا تقتصر على الجانب المادي بل ما اصاب الجانب النفسي أكبر وأكبر, ولكن مع الأسف الشديد نجد أن نصيب هؤلاء هو الإهمال من الدولة والكثير من قطاعات المجتمع.
والآن ماهي النتيجة التي نصل إليها بعد هذا البيان للمشاركين في هذه الجريمة وصور المشاركة فيها؟. إن النتيجة التي نصل إليها هي أن الهدف أو الرسالة التي كان يراد إيصالها الى المجتمع العراقي من وراء ارتكاب هذه الجريمة هي أنك أيها الشعب العراقي عليك بالسكوت عن كل ما يجري من حولك والخضوع والتسليم للواقع الذي يحيط بك مهما كان سيئاً لأنك حين تعترض سيكون مصيرك هو مصير شهداء جريمة سبايكر ويكون مصير عوائلكم هو مصير عوائل هؤلاء الشهداء من الاهمال والتضييع والفقر, فلا تفكروا بالاعتراض على ما يجري وتراجعوا عن المطالبة بالتغيير والاصلاح ومحاسبة الفاسدين وإلا فإن ما سيصيبكم هو نفس ما أصاب ضحايا هذه الجريمة البشعة ,والضحايا هم ليس الشهداء فقط بل وايضا عوائل وذوي هؤلاء الشهداء.
يمكن القول أن هذا الهدف أو هذه الرسالة التي كان يُراد إيصالها الى الشعب العراقي ليسا هما الهدف أو الرسالة من جريمة سبايكر فقط بل هما هدف ورسالة أكثر الجرائم البشعة التي حصلت في العراق بعد 2003 الى اليوم ولا أعتقد أن أحد سينسى جريمة جسر الأئمة في بغداد وجرائم التفجير في كربلاء وغيرهما من الجرائم وصولا الى تفجير الكرادة الدامي بالمواد الكيمائية الحارقة وغيرها من الجرائم التي ترتكب بطرق أخرى وأساليب قد لا نسميها بالإرهابية ولكنها في مضمونها في قمة الارهاب مثل الذي جرى ويجري في مدينة البصرة.
إن على الشعب العراقي بكل مكوناته وكياناته أن يمارس دوره الفاعل في الضغط على الجهات الحكومية التنفيذية والتشريعية والقضائية أن تؤدي واجباتها بكل جد ومسؤولية وأن تعطي لضحايا هذه الجرائم حقوقها وتأخذ بحقهم من الذين ساهموا في هذه الجرائم بكل وسيلة ممكنة. على الشعب العراقي أن لا ينسى أو يتناسى مظلومية ضحايا هذه الجرائم (شهداء وجرحى وعوائل) وأن يعمل على إحقاق الحقوق لهم وأن يضغط بشكل واسع لبيان الحقائق التي تقف وراء هذ الجرائم والجهات المسؤولة عنها سواء كانت مُخطِطَة أو مُنَفِذة او مُتهاوِنة ومُقصِّرة من الحكومة والمسؤولين الأمنيين وأي جهة أخرى كان لها دور في هذه الجرائم وفي تحقيق أهداف هذه الجرائم.
إن السكوت عن هذه الأمور ونسيان أو تناسي ماجرى هو أمر خاطئ وخطير سيترتب عليه الكثير من المظالم وإهدار الحقوق ليس لضحايا هذه الجرائم وحسب بل لجميع أبناء هذا الشعب ,فالسكوت وعدم المطالبة بحقوق هؤلاء الضحايا سيعني بالأولوية السكوت عن حقوق غيرهم وهذا السكوت في الحقيقة ليس أقل جرما وظلما من جرم وظلم مرتكبي ومنفذي ومخططي جريمة سبايكر وغيرها من الجرائم البشعة.
((ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين))