غــزة العنيدة بين الحصار و المقاومة بقلم سعيد أبو غـــزة
تاريخ النشر : 2019-02-11
غــزة العنيدة بين الحصار و المقاومة بقلم سعيد أبو غـــزة


غــزة العنيدة بين الحصار و المقاومة

بقلم / سعيد أبو غـــزة

لم يشهد التاريخ من عُمر غزة الذي يتجاوز الأربعة ألاف سنة أن إستسلمت للغزاة إلا بعد حصار شديد و قتال مرير، يُسجل التاريخ في صفحاته المُصفرة سجلات البطولة و الإيباء لغزة العنيدة التي كانت و لا تزال عصية على الإنكسار أمام جبروت الطغاة و الغزاة، و الذي سجل أن الفلسطينييون بنو غزة و إستوطنوها قبل إحدى عشر قرناً قبل أن تسقط في يد بني صهيون لتكون جزءً من مملكة شمال السامرة قبل أن يُسقط الأشوريين حكم بني صهيون في غزة. حاصرها الإسكندر الأكبر ما يزيد عن خمسة أشهر قبل فتحها بعد قتال عنيف من أهلها الصناديد لتصبح غزة منارة للعلم و الفلسفة في المنطقة، فتوالى على إحتلالها السلوقيين و البطالمة و الحشمونيون في صراع مرير بين الحصار المنهك و المقاومة الشرسة، مرورا بالرومان و البيزنط حتى تحولت غزة للمسيحية و هدمت أوثانها بعد أربعة و عشرين عاما من العناد الديني. 

أسلمت غزة و كانت أول مدينة فلسطينية فتحت في عهد الخلافة الراشدة و نالها من الإزدهار و التطور العلمي و الديني ما نالها لتصبح منارة علمية و حضارية، و تحررت من الإحتلال الصليبي على يد صلاح الدين الأيوبي بعد سبعة و ثمانين عاماً من الظلم و العبودية، و نال الأتراك في فترة حكمهم لغزة ثورات و عناد أهل غزة ما نالهم رفضاً للعبودية و المهانة، وقفت شامخة أمام الإحتلال الفرنسي لغزة بهدف فتحها كونها بوابة أسيا، و هدم أسوارها الشامخة و لكنه إنسحب بعد فشل حصار عكا و مقاومة أهل غزة للوجود الفرنسي المحتل.

قاومت غزة الوجود العثماني و تأثرت بجارتها مصر تأثراً ثقافيا و قومياً، كانت ترفض التبعية المحتلة، غزة بطبيعتها حرة لا تنحني إلا في سجودها و صلواتها، قاومت حتى وقعت بصعوبة و تحت حصار الثعلب الماكر روميل تحت أنياب الإحتلال البريطاني، شاركت بقوة في الثورات و المسيرات الرافضة للإحتلال، ساندت الثورات العربية الفلسطينية و كانت جزءً حيوياً في رفض العبودية و الخنوع للمحتل الإسرائيلي، فتحت ذراعيها و قلبها لإخوتها اللاجئين في عام الثمانية و الأربعون، وقفت بجوار البندقية و القرار السياسي المستقل نحو ثورة الإنعتاق من الإحتلال، كانت بؤرة و شرارة الإنتفاضة الأولى، فجرت براكين الغضب لدحر المحتل و قدمت ألاف الشهداء و الجرحى و المعتقلين في سجون الإحتلال الإسرائيلي، إستقبلت ياسر عرفات و قوات التحرير بالورد و الزغاريد، حوصرت الحصار المرير بعد العام 2007 و لكنها صمدت و لم تمت، الموت مصطلح لا يوجد في قاموس غزة العنيدة العتيدة، غزة أيقونة الحب و المقاومة، عبق التاريخ الممتد من طيب الأرض المُطيبة بدماء الشهداء و عرق الفلاحين، في غزة يُولد الجنين مقاتلا، يرضع من ثدي أمه العناد و الصمود، و ما أن يدب بقدميه على الأرض حتى تسري في عروقه الشهامة و أصالة الرجولة.

قبل أن يحفر الغزاوين الأنفاق للحياة و المقاومة، حفر جنود الملكة هيلانة نفق أرضي لها من قلب المدينة القديمة إلى شاطئ البحر كي لا تحرق بشرتها الشمس و ذلك قبل ألاف السنوات، هي غزة المقاومة العنيدة و الجمال المتأصل. غزة التى تمنى بيريس المجرم أن يفيق يوماً ليجد أن البحر قد إبتلعها، غزة التى جعلت جنود المحتل الإسرائيلي يتمنون الموت قبل الخدمة فيها، و هي غزة التى لا تفارقهم في أحلامهم المرعبة حتى اليوم.

غزة التى لم تموت أبدا و كانت دوماً عصية على الإنكسار و الحصار و الإحتلال، غزة الأن محط الخطط العالمية و المخابراتية و الصفقات الدولية المشبوهة، هي غزة العنيدة التى حطمت و ستحطم كل مخططاتهم، فعليهم أن يقرأوا التاريخ أولاً قبل أن يضعوا أقدامهم في غزة العنيدة لأن البتر مصيرها الحتمي.