لا لمؤتمر وارسو بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2019-02-11
لا لمؤتمر وارسو  بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة 

لا لمؤتمر وارسو

عمر حلمي الغول 

بادرت القيادة البولندية بالتعاون مع إدارة ترامب الأميركية بالدعوة لعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط بتاريخ ال13 و14 شباط/ فبراير القادم (2019)، ووجهت الدعوات للعديد من دول القارات المختلفة، وإن تركزت جلها على الدول الأوروبية والعربية، وذلك بذريعة تشكيل تحالف دولي جديد بقيادة الولايات المتحدة، كما أعلن عن ذلك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي يوم العاشر من كانون ثاني / يناير 2019 في القاهرة عن "إنشاء التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط" (MESA)، والهدف الأساس منه، مواجهة إيران، وإبتزاز أموال الأشقاء العرب، وخدمة الأهداف الإسرائيلية الإستعمارية، ودفع عربة التطبيع المجانية بين العرب وإسرائيل تحت يافطة مواجهة إيران. وغاب كليا عن القائمين على المؤتمر مسألة الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي، مما وضع علامة سؤال حول إمكانية نجاح إنعقاد المؤتمر من حيث المبدأ، خاصة وان عددا من الدول الأوروبية الأساسية تحفظت على مبدأ الدعوة، كما ان عددا من الدول العربية لم تبد رأيا في الموافقة على المشاركة نتيجة مخاوفها من النتائج السلبية المتوقعة من عقد المؤتمر. 

وخشية من عدم تأمين مشاركة دولية مهمة في المؤتمر، وحتى من إمكانية إلغائه، وسعت الإدارة الأميركية وحكومة بولندا جدول أعماله، فاضافوا بنودا أخرى من بينها موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والهجرة، والسبيرنيك ... إلخ، وأرسلت إدارة ترامب وفد أميركي للدول العربية قبل عقد المؤتمر لتحقيق أكثر من هدف، منها: أولا الضغط على الدول العربية الأساسية للمشاركة في المؤتمر؛ ثانيا تأمين التمويل للحلف الجديد وحروبه المستقبلية؛ ثالثا دفع تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية قدما، عبر إشراكها في حلف وارسو الإستعماري الجديد؛ رابعا تأمين الدعم الدولي والعربي لصفقة القرن الترامبية، التي من المفترض ان يطرح صهر الرئيس الأميركي، كوشنير، وشريكه في الملف غرينبلات على المؤتمرين الجانب الإقتصادي منها، وهما، اللذين سيقومان بزيارة لخمس دول عربية، هي : السعودية والإمارات والكويت، وقطر وعُمان للغاية المذكورة آنفاقبل نهاية شهر شباط/فبراير الحالي. 

وفق تعليقات عدد من المختصين البولنديين، فإن دفع بولندا للمشاركة في الدعوة للمؤتمر، وإقامته في العاصمة وارسو يعود لرغبة القيادة الأميركية لتوريط حلفائها في تبني إستراتيجيتها العدوانية مقابل فتات من المال، والحماية، ولتمرير صيغة المؤتمر الفاشلة على الأوروبيين والعرب وغيرهم من دول العالم الخاضعة للسياسة الأميركية. وللإيحاء بأن المؤتمر له الصبغة الأممية بما يخدم المخطط الأميركي الإسرائيلي، وعلى حساب مبادىء ومواثيق ومعاهدات الأمم المتحدة، وإتفاق 5+1 بشأن الملف الإيراني، وقبله على حساب المسألة الفلسطينية، وحتى بالمعنى الشكلي كي تشطب الصيغة السابقة لحلف وارسو المنحل كليا من الأذهان، ذلك الحلف، الذي ضم الإتحاد السوفييتي ودول المنظومة الإشتراكية في أعقاب إنهيارها مطلع تسعينيات القرن العشرين الماضي. 

وعليه، فإن عقد المؤتمر له أهداف عدوانية، وتجييش الدول من مختلف القارات للإنخراط في حروب اميركا وإسرائيل المستهدفة إستقلال وسيادة الدول المتناقضة مع مصالحهما الإستراتيجية، وايضا لفرض صفعة العصر على حساب المصالح والثوابت الفلسطينية العليا، وهو عبارة عن تحالف معاد للسلام، ومحاولة جديدة للإلتفاف على النكسات، التي اصابت مخطط إقامة الشرق الأوسط الجديد بقيادة دولة الإستعمار الإسرائيلية، لإحيائه مجددا بصيغة أخرى. وبالتالي المؤتمر لا يخدم من قريب أو بعيد مصالح الدولة البولندية، ولا حتى بالمعايير الآنية الضيقة والمحدودة. الأمر الذي يفرض على القوى البولندية المختلفة من الموالاة والمعارضة العمل على الآتي: أولا رفض المؤتمر من حيث المبدأ؛ ثانيا الضغط على الرئاسة والحكومة البولندية التنصل من المؤتمر وصيغته المطروحة؛ ثالثا الدفاع عن مصالح بولندا الإقليمية والقارية والدولية مع دول العالم. لا سيما وان بولندا تحديدا عانت من ويلات الحروب والشطب الكلي من الجيوبوليتك لعقود طويلة نتيجة تآمر الأقطاب الدولية في القرنين التاسع عشر والعشرين، ولولا شجاعة الشعب البولندي ومقاومته البطولية لما تمكنت من إستعادة مكانها وحريتها وإستقلالها وسيادتها. وبالتالي ما لم ترضاه بولندا لنفسها وشعبها سابقا، لا يجوز لها ان تكون معبرا وممرا لإستهداف شعوب ودول العالم في الشرق الأوسط وغيره من بقاع الأرض. فهل ترقى القوى القومية والديمقراطية البولندية لمستوى المسؤولية وتنتصر لذاتها اولا، ولشعوب العالم عموما وشعب فلسطين خصوصا ثانيا وتلغي، أو تعيد النظر في مركبات المؤتمر، إن أمكن؟ مع أن الواقع يقول عكس ذلك في ظل القيادة البولندية القائمة.

[email protected]

[email protected]