الصورة وما وراء الوراء: السياسي والاجتماعي
تاريخ النشر : 2019-02-11
الصورة وما وراء الوراء: السياسي والاجتماعي


فيحاء عبد الهادي

لكل صورة حكاية، ولكل حكاية ما وراءها، وأحياناً، للحكاية ما وراء الوراء. 

حكاية الصورة

خلال زيارة لرئيس دولة فلسطين، وفي مقر الرئاسة، التقطت صورة فوتوغرافية وثقت للزيارة التي جمعت الرئيس وقاضي قضاة فلسطين الشرعيين، مع عضوات الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية.

ما وراء الصورة

ناقشت الزميلة ريما نزال، في مقالتها بتاريخ: 3 شباط 2019، ما وراء الصورة، التي أثارت استنكاراً بين أوساط بعض مكوِّنات الحركة النسوية، بسبب تصريحات قاضي القضاة - ضمن مقابلة تلفزيونية، قال فيها: إن ضرب النساء غير المؤذي يستخدم كوسيلة تربوية للنساء، التي قوبلت باستنكار قوى ومؤسسات نسوية وأهلية عديدة، طالب بعضها بالاعتذار، وطالب بعضها بالإقالة، مع التركيز على ضرورة الإسراع بإقرار قانون حماية الأسرة من العنف.

وتحدثت عن خطورة تشريع مرجعية ديوان قاضي القضاة للقوانين الاجتماعية، والتناقض ما بين التوقيع بلا تحفظ على اتفاقية سيداو والمرجعية الأيديولوجية، واستنتجت أن المعركة التي تسعى لتفكيك المنظومة الأبوية طويلة، وأن معركة المساواة شاقة، وأنها حلقة من حلقات النضال لتكريس الدولة المدنية غير التمييزية التي وضع حجر أساسها القانون الأساسي الفلسطيني.

*****

ما وراء وراء الصورة 

ضبابية هوية الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، عام 1994، وهي المشكلة التي تعاني منها الاتحادات الشعبية الفلسطينية كافة، حيث يجري الخلط كثيراً بين مؤسَّسات السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسَّسات منظمة التحرير الفلسطينية. 

الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وفقاً لما ورد في نظامه الداخلي الذي أقرّ في مؤتمره الخامس، عام 2009: «هو تنظيم جماهيري ديمقراطي، وهو الإطار الذي يمثل النساء الفلسطينيات داخل الوطن وفي الشتات، ويدافع عن حقوقهن، ويناضل من أجل إنجاز الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وهو قاعدة من قواعد منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني». 

ومن المهم أن تناقش هيئات الاتحاد بعمق موضوع هوية الاتحاد، في مجلسها الإداري المقبل، الذي تأخر انعقاده، وتناقشه بعد ذلك في مؤتمرها العام السادس.

وإذا كانت هناك عوائق مالية وإدارية تحول دون انعقاد المجلس الإداري للاتحاد، فمن الضروري أن تعمل الأمانة العامة على تذليل هذه العقبات، بالتعاون مع مسؤول التنظيمات الشعبية، للضغط لعقد المجلس، ومحاولة تجنيد الأموال اللازمة لانعقاده. كما أن هناك طرقاً متنوعة ومبتكرة توفرها وسائل الإعلام الحديثة، ومنصات التواصل الاجتماعي للتواصل مع عضوات المجلس الإداري، وإشراكهن في محاولة إيجاد مخرج قانوني وعملي وإداري لعقد المجلس المعطّل، لو كانت هناك إرادة جدية لانعقاده. 

يمكن أن ينعقد المجلس الإداري في رام الله، ويتواصل عبر تقنية الفيديو كونفرنس (Video Conference) مع غزة، ومع عمّان ولبنان، وعبر سكايب (Skype) مع أي دولة في العالم.

أما عن القوانين، فمن المعروف أن من يقرّها في كل دولة مجلسها التشريعي. وإذا كان المجلس التشريعي الفلسطيني معطلاً منذ العام 2007، وإذا كانت نساء فلسطين هن الأكثر تضرراً من الانقسام في الساحة الفلسطينية، فما هو دور الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في موضوع إنهاء الانقسام، وضرورة رفع العقوبات عن غزة؟ حل المجلس التشريعي؟ تطبيق قرارات المجلس الوطني والمجالس المركزية اللاحقة؟ (عدا موقفهن المعلن من ضرورة تطبيق القرار بشأن تمثيل النساء بنسبة لا تقل عن 30% في هيئات منظمة التحرير كافة). 

المشكلة لا تكمن في مطالب الأمانة العامة التي قدَّمتها للرئيس، فهي لا شك محقة جداً، محقة حين تطالب بنشر اتفاقية سيداو (التي وقَّعت عليها دولة فلسطين دون تحفظات عام 2014) في الجريدة الرسمية، حتى تصبح سارية المفعول، وتنتقل من مرحلة التوقيع إلى مرحلة المواءمة. ومحقة حين تطالب بإقرار قانون حماية العائلة من العنف.

*****

كيف ينتصر الاتحاد لحقوق النساء في الوطن وفي الشتات؟ أعتقد أنه من الضروري أن ننظر إلى الصورة بشموليتها. صحيح أنه من المهم الضغط من أجل أن يتبنى المستوى الرسمي مواءمة اتفاقية سيداو مع التشريعات، والضغط لأجل عدم التراجع عن التوقيع دون تحفظات، ولكن الأهم هو العمل الحثيث من أجل أن يتبنى المستوى الشعبي موضوع المواءمة، وهذا لن يتمّ سوى حين تحس جماهير النساء أن الحركة النسوية (وعلى رأسها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية) لها موقف واضح من ضرورة الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وموقف حازم تجاه أي انتهاك للقانون، وأي انتهاك لحقوق الإنسان، وأنها تتنصر لمصلحة عموم النساء دون تمييز من أي نوع. حينها يمكن أن تلتف النساء حول المطالب القانونية للاتحاد العام، وتساندها، وتقف سداً ضد كل محاولة للتراجع عنها. 

وهذا يحتاج أن يمارس الاتحاد دوره كاتحاد شعبي، له شخصيته المستقلة تجاه قضايا الوطن وقضايا النساء، حتى لو اضطرّت النساء المنظّمات إلى اتخاذ موقف مستقل عن تنظيماتهن السياسية، حين التعبير عن موقف سياسي خاص بالاتحاد.

*****

من الضروري أن تربط الحركة النسوية، ربطاً وثيقاً بين الاجتماعي والسياسي، حتى تستطيع أن تمشي على قدمين ثابتتين. 

صحيح أن السياسي لا يستقيم دون الاجتماعي، لكن الاجتماعي لا يستقيم أيضاً دون السياسي.

[email protected]