الشعرية عند تودوروف بقلم:محمد زيطان
تاريخ النشر : 2019-02-07
محمد زيطان باحث في جامعة عبد المالك السعدي كلية الاداب والعلوم الانسانية .المغرب-تطوان.
موضوع الدراسة: الشعرية عند تودوروف.
إمقدمة:
الشعرية، عند تودوروف، تعني مجموع الخصائص، والقوانين العامة التي تحدد أدبية النص؛ ومن ثم فإن من مهامها الأولى والأخيرة، ليس العمل الأدبي في حد ذاته، وإنما الكشف عن خصائص الخطاب الأدبي، أي أدبية الأدب. وعلى الرُّغم من أن تود وروف ما فتئ يؤكد على أن الشعرية، كنظرية أدبية، لا تسعى البتة إلى أن تكون علما، إلا أنه، مع ذلك، لم يستطع أن يُخفي طموحها العلمي، لذلك فهي ترفد موضوعها، بالبحث في، تلك التي تتولد عنها نصوص، لا تعد ولا تحصى. ولكن يبقى مفهوم الشعرية يطبعه نوع من الغموض واللبس، لهذا هناك شبه إجماع، في صفوف الدارسين والنقاد، على أن مفهوم الشعرية، مفهومٌ مسجورٌ بالغموض والالتباس والخلط أحيانا؛ مثلما أن هناك شبه اتفاق على أن أرسطو، هو أول من حاول وضع تعريف لمفهوم الشعرية، انطلاقا من مبدأ المحاكاة، أو على الأقل، إن تعريفه ظل الأكثر شهرة وهيمنة. إلا أن هذا التعريف، سيتعرض لهزّة إمبريقية، في وضعه الأبستمولوجيا، في بداية القرن العشرين، مع الشكلانيين الروس، وتحديدا مع أحفادهم: تودوروف، وجاكوبسون، وريفا تير، وجيرار جنيت، ورولان بارت تمثيلا لا حصرا. من الكتب المُؤسِّسة T. Todorov
وفي هذا السياق، يُمكن اعتبار كتاب «الشعرية» لتزفيتان تودوروف. لمفهوم الشعرية بالمعنى البنيوي، إلى درجة أن هذا الكتاب، جعلَ الرجلَ يتبوأ مكانة مرموقة في مصاف «الشعريين» ومنظري علم الأدب/ الشعرية.
فعلى ضوء المناخ النقدي والأدبي الحداثي، سنحاول أن نتطرق لمقتطفات وجيزة عن موضوع الشعرية عند نقاد الحداثة الغربيين البارزين في هذا الميدان كرائد المدرسة الشكلانية تودوروف ومن تأثر بهم من النقاد الحداثيين العرب كجمال الدين بن الشيخ وأدونيس وكمال أبو ديب.
شعرية تودوروف: لقد صار للدراسات النقدية الغربية في أدبنا الحديث والمعاصر باع طويل وموقع متميز لا يمكن إنكاره، وهي اليوم تحتل حيزا واسعا منه بفضل مقولاتها التي أضحت لا تغادر أي حقل من حقول الدارسة الأدبية، بل إنها صارت الطريق الأمثل والأليق في كل دراسة وتحليل أدبي للنصوص، مع ما بينها وبين أدبنا من فروقات واضحة، حتى يكاد المرء منا يجزم أنها لا تصلح له بتاتا، سيما وأن أدوات الدرس النقدي الغربية، خلقت في تربة خاصة وفلسفة ظرفية لها مبرراتها لدى الغربيين.
فرومان جاكوبسون يرى أن " الشعرية يمكن تحديدها باعتبارها ذلك الفرع من اللسانيات الذي يعالج الوظيفة الشعرية في علاقاتها مع الوظائف الأخرى للغة، وتهتم بالمعنى الواسع للكلمة بالوظيفة الشعرية ،لا في الشعر وحسب، حيث تهيمن هذه الوظيفة على الوظائف الأخرى للغة، إنما تهتم بها أيضا خارج الشعر، حيث تعطى الأولوية لهذه الوظيفة أو تلك على حساب الوظيفة الشعرية ومن خلال هذه المقولة نستنتج أن مقصد جاكوبسون من الشعرية يتلخص في ثلاثة نقاط هامة وأساسية هي :
الشعرية فرع من فروع اللسانيات
الشعرية تعالج الوظيفة الشعرية وعلاقتها بالوظائف الأخرى للغة، بمعنى أن الشعرية لها علاقة بالبنيوية والأسلوبية والسيميائيات وغيرها من علوم اللغة.
تهتم بالوظيفة الشعرية، ليس في الشعر وحسب بل حتى في النثر. وهكذا ينظر إليها تقريبا تودوروف، بحيث يدرجها ضمن العلوم التي تهتم بالخطأ و المنطوق والمكتوب بما فيه الخطاب السياسي، والفلسفي لما لهذه الخطابات من الصلة الوطيدة بالخطاب الأدبي وهذا ينبهنا إلى أن الشعرية في مفهومها الغربي لا تعتني بالشعر وحده، بل تأخذ أيضا فنون الكلام الأخرى بعين الاعتبار من منطلق أنها ذات صلة بالأدب ،فالشعر عند جاكوبسون لغة ذات وظيفة جمالية، أما الشعرية فتعني حسبه الأدبية وموضوعها علم الأدب الذي يعنى بالآليات، وطرائق الصياغة والتركيب.
من منطلق أن الشعر وفنون النثر عبارة عن تشكيل فني للكلمة فسياقاتها التعبيرية، وقد تطور مفهوم الشعرية في أوربا ،"ولعل من أبرز إفرازاته ظهور التيار البنيوي الفرنسي الذي كانت اهتماماته مركزة على كيفية قراءة النصوص باعتبارها بداية جديدة للمرموز الذي صاغ ذلك الأثر، وهكذا فملامسة النص لا تكون من طريق الرؤية وإنما من طريق الكتابة والقراءة لأن القراءة عادة ما تتوخى تشهيا للنص وعشقا للأثر الأدبي و قد تتخذ اللغة العربية من حيث أنها استخدام خاص بطغيان الشعرية على الوظائف الأخرى.
والإبداع الشعري يعتبر نتاج صراع، يتنازعه الجانب الجمعي فالشاعر والجانب الفردي فيه، بين الوظيفة الشعرية وبقية الوظائف الأخرى ومحاولة السيطرة عليها في النص الشعري ،ومهما طغت الوظيفة الشعرية على الوظائف الأخرى،فإنها لن تستطع تغييبها كليا، ومن هنا فالنص الشعري إنما يقوم على هذه العلاقة الموجودة بين الوظائف المختلفة فيه، لهذا يقول جاكوبسون:"لا يمكن للتحليل اللساني للشعر أن يقتصر على الوظيفة الشعرية، فخصوصيات الأجناس المختلفة تستلزم مساهمة الوظائف الأخرى بجانب الوظيفة الشعرية المهيمنة، وذلك في نظام هرمي متنوع وفي هذا بيان أن الشعرية متصلة بجذرها اللساني الذي بلورها وأسس لها، بوصفها بنية نصية بإمكانها تحقيق المعاني ومعاني المعاني، أو الانحرافات الدلالية والمتجاوزات كما يسميها جون كوهن.
أي إن الدراسات اللسانية أكسبت الشعرية شرعيتها في القراءات الأدبية ،لا سيما التحليل البنيوي والأسلوبي للنصوص ،من حيث تركيبتها ودلالتها، وبالتالي فالشعر عند جاكوبسون لغة ذات وظيفة جمالية، أما الشعرية فهي الأدبية، وموضوعها علم الأدب ،الذي يعنى بآليات وطرائق الصياغة والتركيب، أي ما يجعل من كلام ما عملا أدبيا، ومن منطلق أن الشعر تشكيل فني للكلمة في سياقاتها التعبيرية، فإن الشعرية يمكنها أن تعرف على أنها الدراسة اللسانية للوظيفة الشعرية في سياق رسالة لفظية أو خطاب شعري، تلك الوظيفة التي تنظم العمل الشعري ،وتحكمه دون أن تسترعي انتباهنا"فالأثر الشعري لا يهيمن ضمن مجموعة القيم الاجتماعية ،ولا تكون له الحظوة على باقي القيم ،ولكنه لا يكون أقل من المنظم الأساسي للأيديولوجية، الموجه دوما نحو غايته.
لا يختلف تودوروف كثيرا عن جاكوبسون في مفهومه للشعرية ،إذ يرى أنها ترتبط بكل الأدب منظومه ومنثوره، تهتم بالبنيات المجردة للأدب، وهي لا تعمل بمفردها بل تستعين بالعلوم الأخرى التي تتقاطع معها في مجال الكلام وهذا مستلهم من المفهوم الفاليري للشعرية حيث كان فاليري يسر بتوغله في النفس البشرية، من خلال شفافية وعمق الكلام ـ كما يقول جيرار جينت ـ وما كان يميز العمل الأدبي عند بول فاليري هو كونه تجليا للكلام ذاته وليس ارتباطه بالأشياء أي لذة الشعر في ذاته، والعلم الذي يحق له متابعة الشعر هو الشعرية
وقد استقر فهم فاليري على الشعرية من منطلق ابستمولوجي لكلمة شعر حيث يقول: "يبدو لنا أن اسم الشعرية ينطبق عليه إذا فهمناه بالعودة إلى معناه الاشتقاقي أي اسما لكل ما له صلة بإبداع كتب أو تأليفها حيث تكون اللغة في آن الجوهر والوسيلة لا بالعودة إلى المعنى الضيق، الذي يعني مجموعة من القواعد أو المبادئ الجمالية ذات الصلة بالشعر إن مفهوم الشعرية الواسع الذي توصل إليه فاليري هو نفسه الذي انطلق منه تودوروف ،حيث إن الشعرية لديه هي اسم لكل صلة بالإبداع عامة .
حيث تكون اللغة هي الوسيلة والجوهر ، ولايهم الأمر إذا كان الإبداع من جنس الشعر أو جنس النثر، وإنما الذي يهم هو أن يكون الإبداع لغويا، وذلك لا يخلو من تقاطع عدة ميادين علمية تعمل على الكلام المنطوق والمكتوب، كاللسانيات، والسيميائيات، والأسلوبيات،"إن الشعرية عند تودوروف تريد أن تكون بنيوية، مادام أن الشعرية لاتهتم بالوقائع التجريبية، ولكن بالبنى المجردة(الأدب)إلا أن الأدب هو موضوع لكثير من العلوم المشتغلة عليه والموظفة له في حقول اشتغالها،...إن شعرية تودوروف ترى في هذه العلوم عونا لها مادامت هذه الأخيرة تجعل الكلام جزءا من اهتماماتها.
ونخلص إلى القول: إن تودوروف يعرف الشعريات انطلاقا من دورها في حقل الدراسات الأدبية ،لتضع حدا للجدل القائم بين التأويل المبني على الانطباعية والذاتية، والعلم المبني على الأنظمة والمعايير الصارمة،" فوضعت حدًّا للتوازي القائم على هذا النحو بين التأويل والعلم في حقل الدراسات الأدبية، وهي بخلاف تأويل الأعمال النوعية، لا تسعى إلى تسمية المعنى، بل إلى معرفة القوانين العامة التي تنظِّم ولادة كل عمل، ولكنها بخلاف هذه العلوم التي هي علم النفس وعلم الاجتماع… ، تبحث عن هذه القوانين داخـل الأدب ذاته، فالشعرية إذن مقاربة للأدب( مجردة وباطنية) في نفس الآن" فهي ـ حسبه ـ دراسة منهجية للأدب تقوم على عاملين متقابلين يعملان بطريقة متناغمة يكشف الواحد منهما عن جمالية الآخر، وهما :
التجريـد : ويقوم على الصياغة والكشف الموضوعي لقوانين مجردة، من منطلق أن العمل الأدبي ليس هو في حد ذاته "موضوع الشعرية، فما تستنطقه هو خصائص الخطاب النوعي الذي هو الخطاب الأدبي وكل عمل عندئذ لا يعتبر إلا تجليا لبنية محددة وعامة، ليس العمل إلا إنجازا من إنجازاتها الممكنة، ولكلّ ذلك
بقلم الباحث محمد زيطان