الترسل الأدبي في المغرب النص والخطاب للكاتبة آمنة الدهري بقلم:محمد زيطان
تاريخ النشر : 2019-02-06
محمد زيطان باحث في الاداب والثقافة التركية جامعة عبد المالك السعدي المغرب _تطوان.
موضوع الدراسة :"الترسل الادبي في المغرب النص والخطاب للكاتبةآمنةالدهري.
مــقــدمــــة :
يعتبر فن الرسائل عند العرب من الفنون الأدبية القديمة ، له صفحات مضيئة في تاريخ الأدب العربي ، ازدهر في القرنين الثالث والرابع الهجريين . و "هو فن نثري جميل يظهر مقدرة الكاتب وموهبته الكتابية وروعة أساليبه المنمقة" [ الموسوعة العالمية العربية ، حرف الراء ، ص : 202 ]. وقد ألفت فيه مؤلفات كثيرة منها : رسالة عبد الحميد للكتاب ، والرسالة العذراء لابن المدبر ، وأدب الكاتب للصولي ، ومعالم الكتابة لابن شيت ، وحسن التوسل إلى صناعة الترسل للحلبي ، والتعريف بالمصطلح الشريف للعمري ، وموسوعة القلقشندي : صبح الأعشى في صناعة الإنشا وغيرها .
لقد كانت الرسالة موجودة منذ العصر الجاهلي حيث كانوا يصفونها "بالصناعة " و"الفن " ويعتبرونها ممارسة لها استقلالها ، وتميزها عن الممارسات الأدبية الأخرى ، كالشعر والخطابة وغير دلك .
وبين أيدينا أطروحة جامعية في غاية الأهمية ، وإضافة نوعية للمكتبة المغربية . مؤلف ضخم في حجمه ، ويحمل معلومات قيمة ورصينة في متنه ، وهو كتاب "الترسل الأدبي في المغرب" النص والخطاب للدكتورة آمنة الدهري ، احتوت الأطروحة على مقدمة ومدخل و ثلاثة أبواب كبرى ، وكل باب يتفرع إلى فصول ، وهذه الفصول تتجزأ إلى محاور .
 فما هي أنواع الرسائل التي قامت الدكتورة آمنة بدراستها وتفكيك مضمونها؟
 وكيف تشكل إيقاع الترسل ؟ وكيف تمت بناء الصورة فيه ؟
 و أين تكمن الخصوصية الترسلية المغربية ؟ .




الباب الأول : موضوعات الرسالة المغربية
الفصل الأول : الرسالة الإخوانية
الإخونيات جمع إخوانية نسبة إلى الإخوان والمراد المكاتبة الدائرة بين الأصدقاء ، هي تواصل مع الاخر وتعبير عن الذات الكاتبة مغالبة منها للبعد والغياب ، وهي وسيلة اتصال طبيعية بين صادقين غائبين ومحادثة مكتوبة بين شخصين متباعدين . وتنقسم الرسالة الإخوانية المغربية إلى قسمين .
أولا : الإخوانية الخالصة .
الإخوانية الخالصة : الرسالة الإخوانية هي طبيعة تحديدية لنوعية العلاقة بين المرسل والمرسل إليه ، هذه الرسالة تتوزع إلى محاور صغرى تعمل على تشكيل الموضوعة الكبرى وكل محور مختص في نوع من الرسائل .
1 : محور الاتصال : يعكس استمرار العلاقة وتكون خاصة بالتهنئة ، ويدخل في هذا المحور رسالة الإطراء ، التي تركز في مضمونها العام على جودة الخطاب وبلاغة الانتساب والآداب ، ويترتب عن ذلك أن المترسل المرسل خاضع إبداعيا للمترسل المستقبل من حيث إن بلاغة المعرفة هدف يتوسل لبلوغه بمعرفة البلاغة . يقول محمد المرابط " رسالة الإطراء تتكون من جودة الخطاب " . أما رسالة التهنئة هي وجه ثان من وجوه الاتصال بين المتراسلين خاضع لانتظام عقد المودة واستمرار آواصر العلاقة . ويمكن تقسيم رسالة التهنئة إلى ثلاثة أنواع :
 تهنئة الزواج .
 تهنئة الانعراج : ومرادها بيان مشاعر المرسل إزاء المرسل إليه حينما يتم الانعراج بالمهنإ صعودا ، في مراتب السلطة ، سياسية كانت أم شرعية ، وأداة التهنئة في هذا المقام يغلب عليها توظيف القصيد ، وإن انزاحت أحيانا إلى المنثور من الكتابة .
 تهنئة الابتهاج : وتتصل بمناسبة عيدية وغيرها .
2 : محور الاختلال : لقد كان ارتباك العلاقة بين المرسل والمرسل إليه فضاء لانتعاش الغرضين هيمنا على الأدب العربي شعرا ونثرا وهما غرضا الغزل و المدح . ومحور الاختلال في المتن الترسلي الإخواني تنتظمه موضوعات الشوق والعتاب .
3 : محور الاعتلال : هذا المحور فيه الشكوى والاعتذار وما يصلهما بالشوق والعتاب ، لأن العتاب والشوق استدعاء للملاقاة ، والاعتذار والشكوى إقرار بإمكانية حصول ذلك استقبالا. ويتسم الاعتذار بملامح ثلاثة :
ا : الاعتذار عن القدوم ويكون حاصلا على إثر استدعاء لقدوم في إطار تبادل رسالي بين المتراسلين .
ب : الاعتذار عن استماع .
ج : اعتذار عن تولي منصب وقد يكون اعتذارا استعطافيا .
إن المحاور الثلاثة اتصالا واختلالا واعتلالا تقدم معالم من الرسالة الإخوانية في موضوعاتها المطروقة ، ويغلب عليها الإبقاء على العلاقة سوية ، هذا السواء سوف يخلخله محور الانفصال .
4 : محور الانفصال : هو ليس انفصالا مؤذنا بقطيعة ولكنه انزياح عن تراكم رسالي حققته الإخوانية بمدونة موضوعات بؤرتها الرئيسة جدلية الذات والاخر أو أثر الذات في بناء العلاقة بين المرسل والمرسل إليه .
النوع الثاني من الرسالة الإخوانية هو :
ثانيا : البيانية من المؤانسة إلى المجالسة .
تناولت الدكتورة في هدا المبحث الرسالة البيانية بأغراضها التقريظية . وقد قسمتها إلى :
1 : في تقريظ الرسالة : تم التعامل مع الرسالة ، من حيث هي كتابة فنية ، بتصورين : مطلق ومقيد . فأما المطلق فدو نزوع إلى الشمولية والتعميم ينظر إلى الأثر في إطاره الغرضي الترسلي ومرجعيته البلاغية التراثية .
وأما التصور التقريظي المقيد فقد رام الإعراب عن الاثار التي يحدثها النص الرسالي ، وتدرج من المؤانسة إلى المجالسة فالمدارسة. وأوردت الكاتبة في هدا الصدد رسالة الشنتوفي والطاهر الإيفراني .
2 : في تقريظ القصيدة : ويغلب عليه أن يكون شعرا خالصا ، أو شعرا موطأ أو مذيلا بنثر . وقليلة هي النصوص الترسلية التي أصدرت الوارد الرسالي المنظوم بالمنثور من القول ، وقد يكون لدلك أسبابه ، وقد يكون منها الدأب التراسلي في عملية تبادل الاثار الأدبية بين أديبين . وأوجزت الكاتبة نوعية تقريظ القصيدة ترسلا في صنفين هما : انسيابية القصيدة وسرابيتها . واستحضرت الكاتبة في هدا الشأن رسالة داوود الرسموكي ورسالة الشنتوفي مقرظا قصيدة لعبد الله القباج .
3 : في تقريظ المقامة : يكاد يقل هدا النوع من التقريظ في المتن الترسلي المغربي . ولعل دلك يرجع إلى ضالة الكمية لهدا النوع الأدبي المغربي ، وقد تعود تلك الضالة إلى خصوصية الواقع الثقافي الذي كان أقرب إلى الرصانة منها إلى التندر . مثلت الكاتبة لهدا النوع بنموذج لأبي بكر الشنتوفي يقرظ المقامة المغربية للطيب عواد .
4 : في تقريظ المؤلف : استدلت الكاتبة على هدا النوع من التقريظ بمجموعة من الرسائل التي كتبت حول مؤلفات في العمل الأدبي والديني والفكري . ومنها ذخيرة المحتاج للمعطى بن الصالح الشرقي ، والبركة البكرية في الخطب الوعظية لأبي عبد الله محمد المرابط .
5 : في المراجعات : والمراجعة ظاهرها التواصل وباطنها الاختلاف المعرفي حول قضية محددة ، قد تأخذ شكل المطارحة والمساجلة إدا تعلق الأمر بالقصيد ، وقد يكون لها شكل أقرب إلى المناظرة والمحاججة في عالم الترسل . وقد قسمت المؤلفة المراجعات إلى مراجعة أدبية ونحوية ونقدية . فالمراجعة الأدبية مثلتها الكاتبة برسالة الشنتوفي ، والمراجعة النحوية برسالة لابن أحمد بن المسناوي الدلائي ، والمراجعة النقدية برسالة داوود الرسموكي .
وقد أسعف مبحث الرسالة البيانية في استخلاص أمرين :
أ – لعل التقريظ كاد يكون خصوصية ترسلية مغربية تطور من رصد مساير رسالي إلى تعامل دراسي سياقي .
ب – لعله المراحل الأولية لتشكل وعي نقدي تبلور فيما بعد باعتبار أن المجال الثقافي وقتئذ لم يكن يسمح به إلا بدرجات .












الفصل الثاني : رسالة التشوف والتصوف
رسالة التشوف :
ليس غريبا أن تشتمل المنظومة الترسلية في المغرب على رسائل موجهة إلى المقام النبوي إما اشتياقا إليه وتيمنا به ، وإما طلبا لشفاعته وغيرها من المواضيع .وهذا يرجع إلى أن المرجعية الأساس للفكر المغربي دينية ، هذه المرجعية كانت هي المؤطر والموجه ، بل إنها اعتبرت مفتاح العبور إلى مجال الأدب .
تستمد الرسالة النبوية المغربية مادتها من السيرة ، ولكنها تعبر عنها بأسلوب بياني مغاير، والذي قد تتقاطع في جملة من تمظهراته البلاغية مع الرسالة السلطانية .
رسالة التشوف : سميت تشوفية لأنها تطلعية تشوقية يحضنها هاجس الذكرى ، وهاجس الذكرى في رسالة التشوف الارتحال للأداء فريضة الحج . رسالة التشوف ذات موضوعات دينية صرف . ويمكن القول إن قرابة كائنة بين رسالة التشوف وجملة من رسائل احتوتها الرسائل الإخوانية أو ضمتها السلطانية ، من حيث إن المنشئين المترسلين كانوا متصوفة أو قريبين من التصوف .
رسالة التشوف نبوية الزمان والمكان . فزمنها زيارة الحرم ، وإذا لم يتيسر ذلك لها تبقى الزيارة القلبية وثاق محبة بين المترسل والمقام النبوي . أما مكانها يلغي جغرافية الأقاليم و الأصقاع ، فالمترسل الصوفي يمكنه اختراق الأبعاد برؤية القلب .
هذه الرسائل في مضمونها العام تدور حول أربعة مضامين .
1 : الحب المحمدي : إنه بؤرة رسالة التشوف النبوية ، والحافز الجوهري الذي أدى إلى إنشائها من قبل المترسل . وقد يكون للتصوف يد في تمظهر الحب المحمدي. ولقد تبدى الحب المحمدي من خلال مخاطبتين :
 مخاطبة المقام : وتكون عادة استهلالا للرسالة .
 مخاطبة الإمام : وتلتقي مباشرة مع القصيدة النبوية بشتى تشكلاتها مثلما تغترف من كتب السيرة ما ورد فيها من فضائل الرسول وشمائله .
إن الحب المحمدي في عمومه كان شموليا جامعا بين ذات المترسل وغيابها في محبة الرسول .
إن الرسائل التشوقية إلى الحضرة النبوية ابتدأت على الأرجح في الأدب المغربي مع القاضي عياض بالرسالة التي أوردها المقري في أزهار الرياض ، هذا النوع من الرسالة ما يميزها عن أشكال نثرية أخرى اندراجها في الإطار الترسلي الذي يكفل لها ورودها الديني ملونا بطابع أدبي ، مما يضفي عليها شعريتها وشرعية الانتماء إلى الأدب بدلا من أن تكون خطبا وعظية .
2 : الشوق السرمدي: الشوق مولد عن المحبة ، وناتج عن الفرقة والبعد إذا كان إنسانيا عاديا ، ولكنه إذا ارتبط بالمقدس غدا توقا إلى مناجاة الكمال . والشوق موضوعة لا يخلو منها كل إنشاء فني يعرض للنبي في ذاكره ، أو في مناسبة سواء أكانت جمعية أم ذاتية .
3 : المذنب المعتدي : الذنب قد يمثل نوعا من الاعتذار عن التقصير في شد الرحال إلى الحضرة النبوية ، وضربا من الدعوة على العفو عن ذنوب وأوزار اقترفها المترسل . ويمكن اعتباره مدخلا على طلب شفاعة النبي .
4 : الشفيع الأبدي : هذا المحور الرابع والأخير يختم الرسالة من زاوية ، ويعتبر ناتجا
طبيعيا لتوالي محاور ثلاثة فاتحتها حب محمدي ، ووسطها شوق واعتذار ، ومنتهاها توسل ترسلي إلى الرسول ليكون شفيعا لأمته يوم القيامة .
إن هذا النوع من الرسائل أي رسالة التشوف تكاد ينفرد به المغرب والأندلس ، وفضاء معربا عن انشغال الترسل بالديني ، وهي ماهدة للحديث عن رسالة التصوف .


رسالة التصوف :
لرسالة التصوف موقعها من الكتابة الترسلية في المغرب ، حيث إنها واحدة من خمس رسائل تمثل ما يسعف في تمثل جزء من الثقافة المغربية وإدراكها في تشكلاتها وتحولاتها . هذا النوع من الرسائل لم يلق الاهتمام الكافي وخاصة في الأندلس . فكان الاهتمام مثلا برسائل المفاخرة بين الأزهار والورود ، وبالمنافرات ، وبالديوانيات ، والإخوانيات ، وبالديوانيات ، وبالدينيات ، والشوق والزهد والوعظ من غير "مروق" إلى التصوف . فهكذا تم في الأندلس تهميش رسالة التصوف وإبعادها عن مدار الترسل . وربما أيضا اعتبرت غير ذات أدبية مماثلة لصنوتها الإخوانية في الدراسات المغربية ، وذلك لقلة تحقيق رسائل صوفية . هذه الرسالة تتجزأ إلى ثلاثة أجزاء .
1 : رسالة الابتداء : يتمحور مدارها في رسالة التصوف حول أشكال الاتصال وهي بدورها تنقسم على ثلاثة محاور :
ا : محور الاتصال : والبحث فيه يمس واقع التصوف المغربي وفلسفته ، وقد يمس استراتجية التصور الذي يحمله الشيخ في تعامله مع الزوايا الأخرى .
ب : محور السؤال : ويهتم بما يصدر عن الشيخ وما يصدر عن العلماء ، وعن مريدين شائقين إلى الانخراط في طريقة الشيخ .
ج : محور الامتثال : ومدار الأمر فيه رسائل يبعثها الشيخ إلى مريده ، فمنها ما كان مخصوصا بمرسل إليه معلوما ، ومنها ما كان ذا إطلاق استقبالي بتوجهه إلى جماعة معينة . هذا النوع من الرسائل تدخل فيها العلاقة التي كانت بين الشيخ والجمهور من المردين والفقهاء .
2 : رسالة الاحتواء : ويكون لها الحجاج إطارا ، والجدل مدارا والتناظر مجالا وسجالا ، كما قد يطغى على رسالة الاحتواء منطق الإفحام بالتماس أدوات الإقناع ، ورسالة الاحتواء تعطي ملمحا مختزلا عن الجدل في رسالة التصوف ، الذي يتجاوز فيها الذاتي والموضوعي ، ويتعالق المنطقي بالكرامي لتفسير خرق العادة الذي يتميز به الشيخ من جهة ، وسلوك الصوفية من جهة أخرى .
3 : رسالة الانتشاء : وتمثل انعطاف المترسل الصوفي إلى ذاته الإبداعية ، وتحرره من المؤثرات الخارجية التي تعرقل تمظهر الذات في الخطاب ، وانصرافه إلى خوض التجربة بشكل جمالي متميز .
إن للرسالة الصوفية صلات وصل مع الرسائل الأخرى التي عرفها الترسل في المغرب ، وهذا النوع من الترسل جدير بالتأمل والدراسة فهو أثر أدبي عرفه المغرب ، ولكننا اليوم نرى أن دراسة مثل هذه النصوص تهمشت بشكل كبير ، وأصبحت القلة القليلة التي تهتم بهذه الدراسة .










الفصل الثالث : الرسالة السلطانية الميثاق بين السلطة والرعية
تؤكد الرسالة السلطانية حضورها في المتن الترسلي المغربي من حيث موضوعاتها التي تباين بها ما عداها من الرسائل بحكم صدورها عن السلطان ، وباعتبار وفادتها عليه .
إن كتاب السلاطين كانوا يتخيرون من بين المترسلين الذين أدركوا شأوا ساميا في مجال الترسل ، وشأنا عاليا في امتلاك البلاغة وأساليب تصريفها ، ودرجة راقية في كيفية استضمار الموضوعة التي يبنى عليها الخطاب ، وفي نوعية إخراجها مخرج الإجادة والتميز .
أما الرسائل المرفوعة إلى السلطان كان يتحرى فيها بلوغ الذروة القصوى في الكتابة ، وكان أصحابها يفرغون فيها ما في وسعهم من البيان حتى تليق بالحضرة السلطانية ، وحتى تجد صدى مستحبا . وسميت السلطانية لكونها تضم الصادر والوارد إلى السلطان . ولها أربعة فروع :
أولا : من السلطان إلى الرعية .
تتضمن محاورها اسداء توجيهيا إلى الولاة في تسيير البلاد وتدبرا أمور العباد ، وتثقيفا إرشاديا بأصول إدارة الحكم ، وتحذيرا تأكيديا من عواقب الانحراف عن الجادة .وهذا المحور يتجزأ إلى ثلاثة أجزاء منها :
1 : وجوب الطاعة والانقياد : تمثل الدعوة إلى طاعة السلطان بالانقياد إلى سلطته موضوعة كبرى في الكتابة السلطانية مغربا وشرقا ، من بين موضوعات أخرى اهتمت بمعالجة شؤون الإدارة والتنظيم الداخلي المتصل بالحياة العامة وأمور الرعية ، ناهيك عن رسائل التولية والتوجيه والتأطير وما شابه ذلك .
2 : حول تسيير شؤون الرعية : ويتضمن الأوامر والنواهي .
3 : سبل تدبر الهداية والإرشاد : وهي شبيها إلى حد ما بالوصايا .
ثانيا : من الرعية إلى السلطان .
كان التبادل الرسالي من بين الدواعي التي قادت الكاتبة إلى اعتبار الرسالة السياسية الاجتماعية المغربية سلطانية بدلا من الديوانية التي درجت على استدعائها الدراسات كلما تعلق الأمر برسائل صادرة عن بلاط سلطان أو ديوان أمير ، وكلما كانت موضوعاتها لصيقة بالأمور الإدارية والتنظيمية للبلاد . واهتم كذلك السلاطين بالرسائل ، فمثلا المولى إسماعيل كان يستفتي العلماء في جلائل الأمور ودقائقها ، وكان يقول ويكرر في كل رسالة من رسائله أنه يخضع لأوامر الشريعة الإسلامية ، ويستشير العلماء الذين هم حفظة الشريعة . ومن دواعي كتابة الرسالة من الرعية إلى السلطان : إسداء النصيحة للسلطان ، أو التماس عفوه ، أو امتداح خطابه ...
ثالثا : في الجهاد وأمن البلاد : وهي امتداد للرسائل الموجهة من السلطان إلى الرعية . هذه الرسائل تتداخل مع أخرى ترد واصفة لمعركة ، ومبشرة بنصر ، ومهنئة بفتح ، فهي تنتمي إلى ما يدعى بالرسائل الحربية أو العسكرية ، وأمرها ليس مستحدثا في الأدب المغربي ، فقد كانت من قبل عند المرابطين والموحدين .
رابعا : خارجيات الرسائل السلطانية : وتعكس العلاقات التي كانت بين المغرب ومشرق الإسلام ، سواء ما كان منها مع الحكام العثمانيين أو مع شخصيات علمية . هذا النوع من الرسائل تضمن محورين :
 رسالة المساندة : ولها نوعان تهنئة بانتصار وتعزية عن فقدان .
 رسالة الاستجازة : تصدر عن السلطان الذي يستمنح إجازة من عالم .
بهذه المحاور الأربعة نكون قد أكملنا دراسة الرسالة السلطانية في مختلف منطلقاتها ومقاصدها ، فقد عدت الرسائل السلطانية الجزء الأعظم من صناعة الترسل وعليها مدار صنعة الكتابة . والرسالة في النهاية تأخذ بعين الاعتبار "المقام" لاسيما حين يتعلق الأمر "بالأعلى" ، من هنا كان اقترابها من الحوار ، يوجهها إلى إنسان محدد ، واعتنائها بردود أفعاله المحتملة وأجوبته المتوقعة .

الباب الثاني : إيقاع الرسالة وبناء الصورة
الفصل الأول : المشاكلة البلاغية بين الصناعتين
أولا : حول الجمع بين الصناعتين : أورد ت المؤلفة في هدا الصدد مثالين :
1 : الجاحظ واحتمالية التوفيق : انتهى الجاحظ إلى أمرين :
• إن الإجادة في قول الشعر قد تكون مفتاحا للإجادة في الكتابة النثرية .
• إن الجامعين بين الصناعتين قلة .
2 : ابن خلدون وضعف الإمكانية : يقول ابن خلدون : "...وقد تقدم لك أن الصنائع وملكاتها لا تزدحم . وأن من سبقت له إجادة في صناعة فقل أن يجيد أخرى أو يستولي فيها على الغاية ..."
ثانيا : المفاضلة بين الصناعتين : حصرت المؤلفة مقاييس المفاضلة في ثلاثة :
• المقياس الأخلاقي : ومن دلك نزول القران المعجز بصفة النثر لا الشعر ، وأن هدا الأخير منهي عنه دينيا لاتصال مقاصده بالكذب واستشراف المستحيل وإباحيته بخلاف النثر ذي الموضوعات الشريفة كالخطب والترسل ، وهو مقياس اطمأن إليه كثير من الخائضين مثل علي بن خلف ، والكلاعي وغبرهما .
• مقياس التلقي : ويتركب من عنصرين يفترض توافرهما في ذات المتلقي : عنصر سابق على النص ، فهو بمثابة سلطة تهييئية تسعف في تقبله استنادا إلى ما تخزنه الذاكرة من نصوص تفاعل معها ، وعنصر تحييني ناتج عن دلك التفاعل ، عند تساوي بلاغتي الشعر والنثر في الإجادة ، وبالانحياز إلى الشعر باعتبار نماذجه أغزر في الحافظة المتلقية .
• المقياس الفني : اختزلته الكاتبة استنادا إلى أبي إسحاق الصابي في الوضوح والغموض ، والتوحد والتعدد ، ثم تباين الموضوعات . أما ابن الأثير فيجعل المقياس الفني قائما على ثلاثة وجوه وهي : حضور النظم وغيابه ، وتباين التوسل بالغة في الصناعتين ، ثم نسبية الإجادة في الشعر وكليتها في النثر .
ثالثا : المشاكلة بين الصناعتين :اختصرت الكاتبة المشاكلة بين الصناعتين في ثلاثة أنواع:
العقد والحل ، ومنظومة موضوعات واحدة ، ثم الختمة الإيقاعية .
رابعا : الظاهرة السجعية والترسل : يقترن تناول الظاهرة السجعية ، في علاقتها بالترسل ، بالمشاكلة بين الصناعتين في ضروب الختمة الصوتية للبيت ممثلة في القافية ، وللجملة مبلورة في السجعة .
الفصل الثاني : فضاء الإحالة والعلاقات السجعية في الرسالة
أولا : بناء العلاقات السجعية في الرسالة :
1 : العلاقة بين سجعتين : تمثل السجعتان مكوني الجملة السجعية ، وقد تكونان أكثر من دلك إدا أصبحت الجملة ثلاثية الأسجاع أو رباعيتها أو ما فوق دلك . ومثال دلك ، استهلال رسالة محمد البكري : "السيادة التي يقصر دونها كل متطاول ، ويخضع لجلالها وعلو قدرها العالم والجاهل " .
2 : العلاقة بين جملتين سجعيتين : يقوم منطق العلاقة بين سجعتين على افتراض حدوث انسياب دلالي يخرج من ازدواج إلى اخر . ومثال دلك من نفس الرسالة : " تتباهى به تباهي الروض بالزهر ، والنحور بالدرر ، تدور به أفاضلها كما يدور بالمعصم السوار أو الهالة بالأقمار " .
3 : العلاقة بين جمل سجعية : تمثل الحلقة الثالثة من حلقات التفاعل العلاقي بين الجمل السجعية . ومثال دلك ، رسالة محمد العربي الفاسي يقول : " سيدي الدي بهر في أفق السيادة جلالا ، وظهر في فلك السعادة هلالا ، ومد من ينابيع البلاغة عذبا زلالا ، ومهد لأوليائه من البر كنفا وثيرا وظلالا ...."
ثانيا : فضاء الإحالة في الجملة السجعية :
1 : السجعة الإحالية المطلقة : يأتي إطلاقها من كونها غير مقيدة من داخل النص الترسلي ، ومن داخل جملته التي تنتمي إليها السجعة على وجه الخصوص . ولها ثلاثة مجالات كبرى ، موزعة بين القران ، والمثل ، وأسماء الأعلام .
2 : السجعة الإحالية المقيدة : تختلف عن سابقتها من موقعين :
ـ إيثارها الشعر نصا ثانيا تغنى به الرسالة ، وتخلق فضاء دلاليا مفتوحا .
ـ محاولة خلق ملاءمة موضوعاتية بين الرسالي والشعري . وهي في علاقتها بالشعر ذات سمتين موجهة وموجهة .
3 : السلاسل السجعية في النص الترسلي : يتكون النص الترسلي من سلاسل سجعية ، تمتد من من الثلاثي إلى السباعي ، وقد تصل إلى عشرين سجعة ، ويلاحظ أيضا توفر ما سمته المؤلفة بالتراوح السجعي ، حيث يكسر المترسل بالازدواج التدفق السجعي المتصل .


الباب الثالث: المعالم الكبرى لخصوصية الترسل المغربي.

الفصل الأول : حول الخصوصية الترسلية بالمغرب:

بعد تحديد المؤلفة لمظاهر تفاعل النصوص الأدبية مع التراث الترسلي العربي خصوصا، و مع الثقافة العربة عموما، و لما تركه الصوت الأندلسي في الترسل المغربي وسمح بمعاينته و بانتقاله من الاحتذاء و الاقتفاء إلى البحث عن صوتها الخلص انطلاقا من نصوص اعتمدت منطلقا مشتركا.
لقد عملت المرجعية البلاغية المشتركة بين الصناعتين على تفاعل الأنواع الأدبية و تداخلها في الكتابة المغربة ، و قد بلور هذا التفاعل عاملان . أولهما في كون الاديب المغربي خاض في مختلف الألوان الكتابية ، و يتجلى العامل الثاني في تلك المرونة التي تعامل بها المغاربة مع القواعد المحددة لماهية النوع الأدبي و لأدواته الإبلاغية و البلاغية.
لم يكن المترسل المغربي أديبا فقط ، و لم يكن كاتبا شاعرا فحسب ، و لكن كانت له انشغالات معرفية و علمية أخرى أثرت في إنتاجه الترسلي و في تصوره لوظيفة الكتابة المتصلة بماهيتها.
الفصل الثاني : الخصوصية المغربية و بلاغة الترسل:
تطرقت المؤلفة-آمنة الدهري- في هذا المحور إلى إبراز التفاعلات الناجمة عن تشكيل الوجوه المعرفية المتعددة التي امتلكها المترسل المغربي و تشكيل الهوية الثقافية لهذه الذات المبدعة التي امتازت بالجمع بين صناعتي المنظوم و المنثور.
اتجهت الكتابة الترسلية في المغرب إلى إيجاد بلاغتها الدالة عليها أو إلى تأسيس نص يتصل و يعكس الواقع الذي تنتمي إليه بتوقعات إبداعية و إشكالات فكرية، لذلك حادت عن النموذج التراثي من مواقع ثلاث :
- منظومة الموضوعات : لقد كانت الرسالة الإخوانية بموضوعاتها الكبرى و الصغرى، أبرز ما يميز منظومة الموضوعات المغربية من غيرها، إذ كانت الرسالة الإخوانية المغربية ذات بعد تواصلي، فقد تكون مراسلة بين نظيرين و قد تكون بين مريد و شيخ و قد تكون أحيانا بين سيدٍ و مُسوَد.
لم تنحصر الرسالة الإخوانية المغربية في الشوق و الحنين و الشكوى، كما لم تصطبغ بالأصباغ الشعرية إلى حد تصيُّرها قصيدة غزلية، على غرار الأندلس و المشرق، بل كان معجمها الغزلي جليا في الرسالة المغربية و مقتضاه سنن الترميذي المستوحى من التصوف تستلزم الكتابة إذن، الإبانة عن التفوق في امتلاك الصناعة كما نجد عند الأندلسيين.
- ملامح الحساسية الإيقاعية: تمثلت الحساسية الإيقاعية للرسالة في استمرار فاعلية المرونة التي خص بها المغاربة الأنواع الأدبية و التي شملت كل القواعد البنائية. و تبرز الحساسية الإيقاعية للترسل بشكل أقوى و أعمق في الدور الذي قام به التناسب الصرفي، و قد سمحت نصوص ترسلية مغربية بإعادة تشكيلها من الخطي و النثري و النظمي.
- معالم الحساسية البنائية: عملت بلاغة الترسل في النص المغربي على تشييد نظام تقوم فيه العلامة بين الجمل السجعية بدور المرتب لتنامي قواعد ذلك النظام في بناء الرسالة. وقد عمقت السلاسل السجعية المتراوحة بين سجعية ثلاثية و أخرى رباعية ذات تشكلات ثلاثة: أولها انسيابي و ثانيها لزومي، و ثالثها تنويعي. ثم استمر التراوح إلى سجعات خماسية و سداسية و سباعية .
خلصت المؤلفة إلى كون المواقع الثلاثة التي سبق ذكرها من منظومة الموضوعات إلى الحساسية الإيقاعية ، ثم البنائية عبارة عن خصوصيات انطبع بها توجه مغربي في الترسل و مترسل مغربي منصرف إلى انشغالات معرفية عديدة كما سمته المؤلفة بعدا ثقافيا في بلاغة الترسل.









الفصل الثالث : البعد الثقافي في بلاغة الترسل:
ارتبط الإنتاج الترسلي بمواقع المترسلين و اهتمامهم، و بما يمكن أن يصير بعدا ثقافيا للترسل، قلما تم الالتفات إليه ، فللترسل أنواعا تضاف إلى النموذج الذي يوجه إليه التراث لأن هذه الأنواع مرتبطة في تأسيسها بذوات المنشغلين بها و بالهاجس الثقافي الذي كان مهيمنا على تلك الذوات.
و قد يأتي تأمل الترسل الصوفي بما يستلزم انطلاقا منه إعادة النظر في البرامج النظرية للترسل التي وضعها الأقدمون
الفصل الرابع : الاتجاهات الترسلية في المغرب:
طرحت المؤلفة في هذا المحور ثلاثة اتجاهات كبرى، تفرعت إليها التجربة الترسلية في المغرب ن بين ما غلب عليه الوسم الاندلسي و ما بدا عليه الطابع الدلائي و ما لأسهم في تشكله الخاتم الصحراوي.
1.4 الاتجاه الأندلسي : تبلور الاتجاه الأندلسي في سلطانيات العهد السعدي، و تراجع في سلطانيات العهد العلوي، بل تراجعت جودتها الترسلية؛ و هاجرت نصوص ذلك الاتجاه إلى الرسالة الإخوانية التي حققت رواجا لم تعهده في العصر السعدي، فكانت البيانية أقوى انتشارا، فكثر الحل الشعري و انتعش الامتياح من لغة أندلسية المعجم و الاستثمار، و نما توظيف مكونات الحقل الطبيعي في توليد الصور البيانية ، و عرفت الرسالة كما إسهاميا عند الدلائيين و آخر إيجازيا في بعض نصوص مترسلي جنوب المغرب.
تتبلور الصورة العامة التي كانت للاتجاه الأندلسي في الرسالة الإخوانية في التأنق البديعي، و في اعتبار السجع عمود صناعة الترسل.
2.4 الاتجاه الدلائي: اعتبر ما قدمه أدباء الدِّلاء و مترسلوا الزوايا الأخرى اتجاها ترسليا دلائيا لعدة أسباب منها:
- أولا؛ أن البلاغة في نصوص الدلائيين مهيمنة على شكل الكتابة من حيث إعطاء الصدارة للموضوع و اعتبار شكل التعبير ملحق بها.
- ثانيا؛ أن الدلائيين يشتركون مع الزوايا الأخرى في إيجاد ترسل صوفي ذي سمات متباينة.
- ثالثا؛ أمكن الترسل عند الدلائيين أن يحقق ما لم يرد عند جل الزوايا لأن المترسلون الدلائيون شكلوا امتدادا ترسليا عبر المكان أو في المخاطبات التي دارت بينهم، فوفقوا في خلق استرسال ترسلي تعاقبي عبر الزمان.
- و أخيرا؛ فقد خلخل ترسل الدلائيين، قواعد الترسل المعهودة بإحالته الكاتبة، و ذلك بإنجاز الرسائل الإخوانية و البيانية و التصوفية.
لم يكن الترسل الدلائي ذا قطيعة مع الاتجاه الأندلسي الذي امتد إلى كم غير هين من الكتابة الترسلية. و تبرز خصوصية الترسل الدلائي موضوعاتيا في الصورة التي نقلت إليها الرسالة الإخوانية و التي تشربت معجما اصطلاحيا تصوفيا إذ صارت رحلة في أعماق ذات المخلوق و هو يبحث عن سلم الصعود لمحبة الخالق.
3.4 الاتجاه الصحراوي: جعلت المؤلفة التجاه الثالث صحراويا اعتمادا على التماثل المناخي الدي يسود جنوب المغرب، و باعتبار أن طبيعة المكان عامل فاعل في اختيار مرجعية تراثية منسجمة مع خصوصية المكان و جغرافيته.
فكان التعبير عن الهوية الوطنية، يمتلك أصولا جوهرية و قاعدية تجعل الأدب و الفكر منبثقين من تصور مشترك في المنطلقات و المقاصد.
و لم يبتعد الاتجاه الصحراوي في الترسل عن المؤثرات الأندلسية التي مثلت حيزا تشكيليا مع الاتجاهين السابقين، و إن حقق امتيازا لغويا جعله لا يعيد إنتاج نص أندلسي،و لا يساير انسيابيا في صناعة الترسل، فإنه غمر قسطا من ترسل الأندلسيين.