العجوز بقلم: محمد جمال المغاصبة
تاريخ النشر : 2019-02-04
العجوز بقلم: محمد جمال المغاصبة


- كاتب من الأردن
العجوز.

عجوزيّن في ميلاد زواجهما الخامس والخمسين، يتبادلان الكلام، وبعد لحظة صمت صاحبها نظرات مكتظة بالحب،

قالت الزوجة العجوز: أريد أن أسألك أسئلةً فأجبني عليها، قال لها الزوج: اسألِ ولك قلبي إجابة.

الزوجة: كيف كان شعورك في أول لقاء؟ رد عليها وهو يقلبُ كفيهِ مبتسمًا ابتسامةً عريضة وقال: لقد كان الخجل يركبني كما يركب الخيّال الخيل الأصيل، شعرت أنني على رقعة الشطرنج، أنتِ اللون الأبيض لم ينقص منه قطعة، وأنا اللون الأسود تبعثرت كل قطعي إثر ابتسامةٍ سدت فوهة الحزن في قلبي.

الزوجة العجوز: وكيف كان شعورك لليلة زفافنا؟ وضع الكهل تبغهُ في غليونه
وقال: كنت مثل ذاك خفيف الإيمان الذي يمشي على الصراط يوم البعث، نسيتُ هَوّلَ ما حل بي على الصراط بمجرد دخولي الجنة، نعم أنتِ الجنة.

قالت له: هل حبي في قلبك لم يتغير إلى الآن وبعد مضيّ خمسٌ وخمسين سنةٍ على زواجنا؟ فرد عليها:
أتعلمين سيدتي أني وضعتُ حُبكِ في كَفة وحُبي للعالمين بِكَفة، فرجحت كَفة حُبكِ، فتَوَقدَ في قرارة نفسي سؤالٌ: هل أنا لم أُوفِ بالكيلِ وكنتُ من المطففينَ في الحب؟ فجرني السؤال إلى محاولةِ كيّلٍ أخرى ولكنني زِدتُ الكيّلَ قليلًا، وضعتُ الفيافي بجبالهُنَ، والسماواتِ برعدِهُنَ وبرقِهُن ومَطرِهُنْ، فتفاجأت أن حُبكِ رجَحت كَفتهُ مرةً أخرى.
تأكدت حينها أن حُبكِ ثابتٌ بعروقِ الدمِ كما ثبات العقيدة في كُل زمن، عَريقٌ كما بغداد، قويٌ كما القدس، وبكى وأشتد بكاؤه وعلا نحيبه.
____________________
يقول المشرف على دار العجزة: أن هذا العجوز كل ليلة يتكلم مع صورة زوجته يسأل نفسه ويجيب، يقلد صوته زوجته التي ماتت منذ خمس وخمسين عامًا، ويبكي حتى تبيضُ عيناه من الحزن وينام، كالطفل المذعور...